ما تزال أصداء الحُكم «الغريب» الذي اصدرته محكمة سودانية بحق الرئيس المخلوع عمر البشير تتردّد في جنبات المشهد السوداني سواء لدى أنصاره وخصوصاً لدى خصومِه/ الثوار الذين ثاروا ضد نظامه الفاسِد/القمعي وأطاحوه اا/4 الماضي, بمساندة بعض قادة المؤسسة العسكرية, وإن كان البعض الآخر لم يُبد مُعارضَة علنِية إلاّ أنه ما يزال موضع شكوك وريبة, يقول المشككون في نِياتِه: انه يتربص بالثورة وينتظر الوقت الملائم للانقضاض عليها والبدء باعادة انتاج نظام «مُوازٍ» لا يختلف كثيراً عن نظام البشير.
مكوث الجنرال في مؤسسة اصلاح اجتماعي لمدة عامين ومصادرة امواله من النقد الاجنبي والمحلي, بدل بقائِه خلف القضبان لعشر سنوات مقبلات بذريعة تجاوزه سن السبعين, نظر اليه كثيرون على انه حُكمٌ مُخفّف، كان يتوجّب ان يكون اكثر تشدّداً, نظرا لحجم الارتكابات المشينة للبشير وبطانته، فضلا عن ان ما قام به انصاره من تشويش وتنظيم مظاهرات والزعم بان المحاكمة كانت «سِياسية», يشي بان ما يزال لدى هؤلاء الوهم وربما الدعم من قوى داخل السلطة الجديدة, كمحاولة لاستعادة دورهم وبخاصة بعد صدور قرارات بتفكيك نظام البشير وحل حزبه الفاسد ومصادرة مقاره وممتلكاته, الامر الذي اضاء على اهداف دعوات انصاره لـِ«الزحف الأخضر» في الميادين رفضاً لقرارات حكومة حمدوك, والطعن في نزاهة المحكمة التي نظرت أساساً في قضية ثانوية(غسيل الاموال والثراء الحرام والفساد)، فيما تنتظره محاكمة اكثر اهمية وملفاتها ضخمة كجرائم الحرب والتعذيب والقتل والإبادة, ما يعكس ضمن امور اخرى، دوافع مُسارعة قوى الحرية والتغيير الشريك الرئيسي في مجلس السيادة الإنتقالي الذي يرأسه الفريق عبدالفتاح البرهان, الى لفت أنظار المجلس السيادي والحكومة, بضرورة البدء في محاكمة البشير على الملفات ذات الصلة بانقلابه في 30 حزيران 1989 وما ارتكبه نظامه من جرائم ضد الشعب السوداني طوال ثلاثة عقود, على نحو يُسهِم ليس فقط في تفكيك نظامه وارساله الى مزبلة التاريخ, بل وايضا في التأسيس لدولة المُواطنَة والقانون وحكم الشعب, عبر انتخابات حرّة نزيهة وشفافة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي حُددِّت بـ «39» شهراً.
مُحاكَمة البشير بالفساد والثراء الحرام كانت صغيرة, مقارنة بالجرائم التي ارتكبها…إن لجهة قتل المُتظاهرين ونشر غرف العذيب «الأشباح» في ارجاء السودان ام في مسؤوليته عن انفصال (ومعارك) الجنوب, فضلاً عن مصادرته حقوق السودانيين وحرمانهم حرية التعبير والانتخابات والتنظيم وإعدامه عشرات من المعارضين بذريعة تنظيم الانقلابات او التآمر.ناهيك عن تحالفاته الاقليمية والدولية المشبوهة ودفعه وحدات الجيش السوداني للمشاركة في حروب الآخرين العبثِيّة.
لن يُسهم بقاء البشير في مؤسسة إصلاح إجتماعي في صَلاحِه, وهو لم يتل فعل الندامة على ارتكاباته ولم يعتذر للسودانيين عما قارفه بَحقهم, فالديكتاتورية التي كرسها طوال ثلاثة عقود…كانت لعنة وعادت بالكوارث على السودانيين, الذين يستعدون بحماسة لطي صفحة هذا النظام الدموي/الفاسد والتأسيس لسودان جديد يَليق بِهم وبتضحياتِهم.