عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
حطت طائرة الأمير علي بن الحسين في مهبط الطائرات التي تزور رام الله في فلسطين، ليستقبله الرئيس محمود عباس وأعضاء من القيادة الفلسطينية في مقدمتهم اللواء جبريل الرجوب رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، رئيس جمعية الكشافة الفلسطينية، الذي أعد للزيارة للأمير الذي يعتبر شخصية ذات بعد رياضي على المستوى العالمي، نظرا لمساهماته الملموسة ورنين اسمه في المحافل الدولية.
زيارة سمو الأمير الذي له أكثر من مهمة أناطها القصر الملكي به تحمل أكثر من دلالة، إذ أنها تبني مدماكا آخر إضافيا يرتفع بالعلاقات الأردنية الفلسطينية التي ظلت تشهد تطورا ايجابيا في عهد الملك عبدالله الثاني بن الحسين منذ توليه المسؤولية قبل عشرين سنة .
الملك عبدالله الثاني يحتفظ بنظره متوازنة وموضوعية وداعمة تجاه القضية الفلسطينية والقيادة الفلسطينية، وهو المساند الأول لها بين الاشقاء العرب من قادة ومسؤولين، بحكم التاريخ المشترك والجغرافيا والصلات الديمغرافية والشعبية فنصف سكان المملكة الأردنية الهاشمية هم أردنيون من أصول فلسطينية، كما أن القضية بالنسبة لكل الأردنيين تتصدر برامج أعمالهم وأجنداتهم في الخارج، إذ ليس لهم مواضيع خارجية أهم من القضية المركزية قضية فلسطين والتي تصنف كقضية وطنية أردنية.
صحيح أن الغلاف للزيارة هو في إطار الرياضة وبمناسبة اطلاق أعمال المؤتمر الكشفي الوطني ، ولكن الزيارة كما قلنا تحمل دلالات أخرى عميقة وبعيدة، وتدشن نفسها على نفس الطريق والنهج حين زار الملك عبدالله الثاني رام الله قبل عدة سنوات ليعزز العلاقات الثنائية ويضع الامكانيات الأردنية في خدمتها.
يدرك الاردنيون والفلسطينيون الآن خطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وبالتالي الأمن الوطني الأردني والحالة الأردنية العامة لما تعنيه مؤامرة تشريع الاستيطان أي جعله شرعيا ومن وجهة النظر الامريكية الرعناء، والاسرائيلية الاستيطانية المتطرفة.
فالخطوات الامريكية الأخيرة إنما تضرب في العمق أي فرصة للسلام، وتحكم بالموت على أي فرصة الآن، كما ان الرئيس ترامب الذي استمر في مغامراته بعزل الولايات المتحدة الامريكية امام دول العالم بطبيعة النهج الذي تتولاه.
الاردنيون والفلسطينيون عائلة واحدة في كل المشتركات من مصاهرة و نسب وتاريخ مشترك، و عادات وتقاليد لا يستطيع أحد ان يُميز بينهم، فهم شعب واحد في وطنيين غرب النهر وشرقه، وقد تحمّل هذان الشعبان الكثير الكثير نتائج الغزوة الصهيونية الاحتلالية التوسعية، مما انعكس على الواقع الاجتماعي الاردني والفلسطيني، وكذلك الوضع السياسي والاقتصادي.
إن الخطوة التوسعية الاسرائيلية بالدعوة لضم غور الأردن وشمال البحر الميت هو ما يشكل حوالي 22% من مساحة الضفة الغربية، وهذا يمهد لضم الضفة الغربية برمتها .. هذا الموقف الذي يرفضه الأردن بشكل واضح و صلب على لسان جلالة الملك.
تأتى هذه الزيارة ايضا لتؤكد هذا الرفض، وتضع كل الأطراف أمام مسؤولياتها، خاصة وان هذه الخطوة تحديدا تهدد الأمن الوطني الأردني بوجود القوات الاحتلالية الاسرائيلية ومرابطتها على الأرض الفلسطينية المحتلة من عام 1967، وهي تفتح بابا جديدا التوسعية الاسرائيلية التي ظلت ترى ان منطقة الغور لا تحمى الّا من مرتفعات السلط، ومن هنا كان عدوان اسرائيل عام 1968 على الكرامة، ليضمن الاسرائيليون حماية المنطقة من خلال مرتفعات السلط التي تتطلع اليها التوسعية الاسرائيلية ذات المرجعيات القديمة.
تكريم الامير على بـ “النجمة الكبرى من وسام القدس” يحمل دلالات أخرى عميقة، الهاشميون كانوا وما زالوا ممثلين بالملك عبد الله الثاني أصحاب رعاية على المقدسات الاسلامية في القدس، وقد مارسوا وذلك منذ بداية القضية الفلسطينية حين زار الشريف حسين القدس الشريف وتبرع لإعمارها عام 1928 ، ومنذ تلك المرحلة الى اليوم مازالت الرعاية تتجدد، وكانت قد دخلت مرحلة جديدة وعميقة بتوقيع الاتفاقية الاردنية الفلسطينية في شهر اذار من عام 2016 بين الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية هنا في عمان وبين جلالة الملك عبد الله الثاني.
ولذا جاء الوسام الذي قلده الرئيس عباس للامير علي يحمل اسم القدس، و يدلل على ما للقدس من أهمية للهاشميين والأردنيين وعمق تضحياتهم في سبيلها.. حيث يرقد فيها جثمان الشريف حسين في الضريح القائم في ساحة المسجد الاقصى شاهد على ذلك ..
ان الرياضة الفلسطينية التي يقودها أحد أبرز القادة الفلسطينيين ظلت دائما تستفيد من المواقف الاردنية الداعمة، وخاصة موقف الأمير علي بن الحسين ، وهاهي اليوم أي الرياضة الفلسطينية تبلغ مبلغاً عالياً، تستلهم تراثها الراسخ حين كانت الفرق الكشفية الفلسطينية منذ الثلاثينيات وهي تجوب في مباريات مع فرق عربية وتحقق اهدافا وتفوق، قبل ان تسطو الحركة الصهيونية على الوطن الفلسطيني وتحتله، وتشل النشاطات فيه، كما كانت فرق الكشافة الفلسطينية قد بدأت في السنوات المبكرة ، وانخرط الكشافة وتحديدا “منظمة النجادة الكشفية” حيث كان ينخرط الشباب الفلسطيني في اشكال مختلفة من العمل النضالي والكفاحي والتطوعي والعام.
حيث كانت تصقل قدرات الشباب الذين كان يضيق المستعمر الانجليزي وخطط الصهيونية المبيتة في فلسطين بنشاطه وتوجهاته..
لقد ساهمت الرياضة الفلسطينية في السنوات الاخيرة في فتح تعزيز علاقات الشعب الفلسطيني من خلال شبابه مع أطر شبابية عالمية عديدة، كما ساهمت هذه الرياضة حين أتيحت لها قيادات وطنية واعية في إعادة رسم خريطة فلسطين واسم دولتها بعمق في كل المحافل، حتى غدت الرياضة الفلسطينية انحازا ونافذة يجري الاطلال منها على مسيرة الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس…
ولعل المحطة التي تدشنها زيارة الأمير علي الآن وهي الإعلان الفلسطيني عن المؤتمر الكشفي الوطني الذي أعتز بدعوتي اليه.. لعل هذه المحطة تؤتي الثمار المتوخاة والمتوقعة من هذه المسيرة الرياضية التي أحسن غرسها وانطلاقتهاِ..
لقد ظل الرئيس محمود عباس وبإصرار داعما لكل التوجهات الوطنية الفلسطينية في المجالات كافة الرياضية والكشفية والفنية والأدبية والثقافية ليعيد للشعب الفلسطيني ألقه ودوره ومساهماته التاريخية والموصولة للمستقبل، وهي المسيرة التي تنفي الغياب او إستبدال التمثيل أو محاولات طمس الهوية الوطنية الفلسطينية .. ولقد رأى العقلاء والمنصفون لأبي مازن هذا الدور المشرف، وهو يرعى الفنانين بوصوله الى بيروت ويرعى الرياضيين ويكرمهم ،وكذلك الأدباء والكتاب والشعراء والمثقفون الفلسطينيون والعرب وأصدقاء القضية الفلسطينية…
ولقد بلغ الدعم اوجه في بعض وجهاته حين خصص الرئيس قصر الرئاسة الجديد في رام الله ليكون منبرا وحاضنة ثقافية لكل الشعب الفلسطيني، ودليلا قاطعا لما يوليه سيادة الرئيس للثقافة والفنون من أهمية و معنى…
يشهد الامير في رام الله النبض الحي المكافح للشعب الفلسطيني، ويطلع على ابداعات هذا الشعب في اكثر من مجال ونشاط، ويتابع باعتزاز وفخر كما قال في تقديمه وهو يتسلم وسام “النجمة الكبرى من وسام القدس”ما وصله شباب فلسطين من مشاركة وتطور وبلوغ سلالم مرتفعة على صعيد الرياضة العالمية، وما يتوفر لهم من إمكانيات في بنية الرياضة لم تكن متوفرة من قبل، ولكن كفاح واصرار القيادة الوطنية للنشاط الرياضي اوصلت هذا النشاط اوجه، ليس في المباريات وانتزاع الفوز والميداليات فقط، وانما في البنية الأساسية والتحتية للرياضة وتحديدا الملاعب والشراكات مع منظمات الرياضة العالمية…
إننا في هذه المناسبة نشكر الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين ، ونهنئ سمو الأمير علي بوسام “النجمة الكبرى من وسام القدس” ونرى في ذلك مرحلة جديدة من تدعيم الأخوة والمصير المشترك الذي تهدده الخطط الاستعمارية الإسرائيلية…
وما هذه الخطوة إلّا ردا عمليا على المحاولات الإسرائيلية للنيل من صمود الشعب الفلسطيني وكفاحه، والانفراد به وإبعاده عن أشقائه وأصدقائه، ولكن أنى يكون لهم ذلك، وفي الصفوف أمثال الامير علي…