عروبة الإخباري – يستذكر الفلسطينيون هذه الأيام من كل عام ذكرى تصريح بلفور والمتعارف عليه «وعد بلفور»، التصريح الاجرامي الذي وهب وطنا بأكمله لليهود، ضاربا بكل القوانين والاعراف عرض الحائط، يستذكرونه ويحيون ذكراه المؤلمة باعتباره أساس نكبتهم واقتلاعهم من أرضهم، لإقامة ما يسمى بـ»دولة إسرائيل»، على أنقاض بيوتهم وبياراتهم عام 1948، ويحملون بريطانيا المسؤولية التاريخية عن ما لحق بهم من تشريد ومعاناة في شتى أنحاء العالم.
وفي ذكرى بلفور كل عام ، تحمل الفصائل والقوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية بريطانيا المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة البشعة بحق الشعب الفلسطيني.مشددة على أن الحقوق الفلسطينية لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن. ويحيي الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات هذه الذكرى الأليمة بمسيرات حاشدة ومظاهرات غاضبة وكتابات وتغطيات اعلامية تنديدا بهذه الجريمة الاستعمارية وتأكيدا لتمسكهم بارضهم وبحقهم في العودة لمنازلهم وقراهم ومدنهم التي هجروا منها .
وتتعالي كل عام الدعوات لمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني المحلية والدولية لرفع الدعاوى القضائية أمام المحاكم الجنائية والدولية على الجرائم السياسية والجنائية التي ارتكبتها حكومة بريطانيا وحكومة الاحتلال والعصابات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني باعتبارها جرائم حرب. كما يطالب الكثيرون بريطانيا أن تكفر عن جريمتها الكبرى وأن تعتذر للشعب الفلسطيني وتقدم كافة أشكال الدعم السياسي والاقتصادي للقضية الفلسطينية.
وعد بلفور أو تصريح بلفور هو الاسم الشائع المطلق الذي اطلق على الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 -11- 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. اذ يومها كانت قوات الإمبراطورية البريطانية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى قد بدأت تدخل فلسطين لتعلن عليها انتدابها الذي استمر من العام 1918إلى العام 1948 ، وعلى مدى ثلاثين عاما من انتدابها، وظفت حكومة بريطانيا العظمى وعدها على أرض الواقع، وترجمته إلى حقائق لا تمت بصلة إلى الحق الفلسطيني؛ فما إن أطل يوم الخامس عشر من أيار 1948، حتى كانت الدولة اليهودية جاهزة لتعلن على الجزء الأكبر من أرض فلسطين التاريخية وفي المقابل تم اقتلاع مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم وتحولوا الى شعب مهجر منفي خارج حدود وطنه التاريخي وما زالت نكبتهم قائمة حتى الآن رغم أنهم كان يشكلون 95% من مجموع سكان فلسطين حينما صدرهذا الوعد الذي يطلق عليه المناصرون للقضية الفلسطينية عبارة «وعد من لا يملك لمن لا يستحق».
نص رسالة بلفور
وزارة الخارجية
في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
«إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر».
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.
المخلص
آرثر جيمس بلفور
أسباب الوعد
اما بالنسبة للأسباب التي يوردها بعض المؤرخين (الصهاينة أو المتعاطفون مع الصهيونية) لتفسير إصدار إنجلترا لوعد بلفور. فهناك نظرية مفادها أن موقف بلفور هذا قد صدر عن إحساس عميق بالشفقة تجاه اليهود بسبب ما عانوه من اضطهاد وبأن الوقت قد حان لأن تقوم الحضارة المسيحية بعمل شيء لهم، ولذلك، فإنه كان يرى أن إنشاء دولة صهيونية هو أحد أعمال التعويض التاريخية. ولكن من الثابت تاريخياً أن بلفور كان معادياً لليهود، وأنه حينما تولى رئاسة الوزارة الإنجليزية بين عامي 1903 و1905 هاجم اليهود المهاجرين إلى إنجلترا لرفضهم الاندماج مع السكان واستصدر تشريعات تحد من الهجرة اليهودية لخشيته من الشر الأكيد الذي قد يلحق ببلاده.
وقد كان لويد جورج رئيس الوزراء لا يقل كرهاً لأعضاء الجماعات اليهودية عن بلفور، تماماً مثل تشامبرلين قبلهما، والذي كان وراء الوعد البلفوري الخاص بشرق أفريقيا. وينطبق الوضع نفسه على الشخصيات الأساسية الأخرى وراء الوعد مثل جورج ملنر وإيان سمطس، وكلها شخصيات لعبت دوراً أساسياً في التشكيل الاستعماري الغربي.
وهناك نظرية تذهب إلى أن الضغط الصهيوني (واليهودي) العام هو الذي أدَّى إلى صدور وعد بلفور، ولكن من المعروف أن أعضاء الجماعات اليهودية لم يكونوا كتلة بشرية ضخمة في بلاد غرب أوروبا، وهم لم يكونوا من الشعوب المهمة التي كان على القـوى العظـمى أن تساعـدها أو تعـاديها، بل كان من الممكـن تجاهلهم. ويمكن القول بأن أعضاء الجماعات اليهودية كانوا مصدرا للتسبب بالضيق وحسب، ولم يكونوا قط مصدر تهديد. أما الصهاينة فلم تكُن لهم أية قوة عسكرية أو سياسية أو حتى مالية (فأثرياء اليهود كانوا ضد الحركة الصهيونية). ولكل هذا، لم يكن مفر من أن تكون المطالب الصهيونية على هيئة طلب لخدمة مصالح إحدى الدول العظمى الإمبريالية.
عن الوعد في الصحافة العبرية
ضم «المناطق» يلغي تصريح بلفور!
2018-11-07
شاؤول اريئيلي
تلك كانت صفقة، قسماها مرتبطان الواحد بالآخر. تم التأكيد في تصريح بلفور – الذي يحتفلون في هذا الاسبوع بالذكرى الـ 102 له – بصورة واضحة على الصفقة التي تم تقديمها للهستدروت الصهيونية: اقامة وطن قومي لليهود «بشرط واضح، أن لا يتم فعل أي شيء من شأنه المس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في أرض اسرائيل». أي، دولة اليهود تكون دولة ديمقراطية تمنح المساواة لكل سكانها. هذه صفقة غير قابلة للتجزئة. يلغي عدم تطبيق الجزء الديمقراطي الشرعية والدعم الدولي الذي منح لاقامة دولة اليهود.
يعتبر تصريح بلفور القاعدة السياسية – القانونية لمطالبة الحركة الصهيونية بانشاء دولة اليهود في أرض اسرائيل الانتدابية: «حكومة جلالة الملك تنظر بعين الرضى الى اقامة وطن قومي للشعب اليهودي في ارض اسرائيل». إن تضمينه في صك الانتداب الذي أعطي للبريطانيين، غير تماما تطبيق فكرة الانتدابات (مساعدة وتعليم «الشعوب الضعيفة» في بلادهم)، وشرع استثناء فلسطين – ارض اسرائيل من مبدأ تقرير المصير («الارض تعود لسكانها وليس لمن احتلوها»)، أي أن تصريح بلفور منح الشعب اليهودي، الذي لم يكن يعيش في «وطنه» في ذلك الوقت، الحق بانشاء دولة خاصة به، وهذا الحق منع عن عرب ارض اسرائيل، رغم أنهم شكلوا أكثر من 90 في المئة من عدد سكان البلاد وسيطروا على أكثر من 90 في المئة من اراضيها الخاصة.
في العام 2012 كان ادموند ليفي، قاضي المحكمة العليا، هو الذي شرع في تقرير طلبته حكومة نتنياهو، بناء البؤر الاستيطانية غير القانونية «على اراضي الدولة».
وحسب موقفه فان صك الانتداب الذي اساسه وعد بلفور، هو الوثيقة القانونية – السياسية الاخيرة وسارية المفعول بخصوص اراضي الضفة الغربية. في صك الانتداب جاء في المادة 6 بشكل صريح أن «النظام في فلسطين… سيساعد بشروط مناسبة من أجل تشجيع هجرة اليهود، وتشجيع التعاون مع الوكالة اليهودية، واستيطان كثيف لليهود على الأرض، بما في ذلك اراضي دولة واراض قفر، غير ضرورية لاحتياجات السكان».
إن طرح الامور بهذا الشكل جاء وسمع في كل مناسبة من قبل رافضي الاتفاق الدائم وحل الدولتين. ولكن هذه، بقيادة بينيت وشكيد وسموتريتش وكيش، الذين يريدون أن يمرروا في الكنيست القادمة قوانين لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، تعرض فقط نصف صفقة وعد بلفور وصك الانتداب – وتؤدي الى ضعضعة مكانتهما كأساس سياسي وقانوني لدولة اليهود.
بعد مروم 100 عام وفي تشرين الاول 2017، جونثان ألين، نائب سفير بريطانيا في الامم المتحدة، في تطرقه لحقيقة أن اسرائيل تسيطر منذ خمسين سنة على المناطق وتمنع عن سكانها المساواة في الحقوق، قال إن «دعونا نذكر أنه كان هناك جزءان للتصريح، الجزء الثاني لم ينفذ». حتى لو كان يمكن رفض هذه المقولة بذريعة أن اسرائيل في حدود 1967 تعطي مساواة كاملة لسكانها، فان المخططات المستقبلية لضم مناطق من الضفة الغربية، التي ستقود بعملية سريعة الى الضم الكامل بدون اعطاء الجنسية للسكان العرب – لن تنجح في هذا الامتحان.
تتجاهل حكومة اسرائيل التي تسن عددا من القوانين التي من شأنها أن تستخدم كأسس قانونية لتشريع الضم وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية التي اقيمت على اراضي فلسطينية خاصة، الشرط الواضح الذي يظهر في المادة 6 في صك الانتداب: «النظام في فلسطين سيساعد (اليهود)، في حين يتعهد بعدم المس بحقوق ومكانة باقي اجزاء السكان».
قانون التسوية الذي رفض من قبل المستشار القانوني للحكومة بعيد جدا عن أن يفي بهذا الشرط، ولكن الحكومة تواصل طريقها، هكذا، في حزيران الماضي مرر بالقراءة المستعجلة مشروع قانون بشأن مكانة الهستدروت الصهيونية والوكالة اليهودية، الذي معناه أنه مميز تماما: ستنقل اراض في المناطق المحتلة لادارة وحدة الاستيطان ولن تتم جباية ثمن على اراض ريفية اقيمت عليها بيوت المستوطنات في يهودا والسامرة منذ 1967 وحتى الآن. أي أنه سيتم الغاء الديون السابقة بمئات ملايين الشواكل، التي ستخصم من الخزينة العامة.
تضر هذه التفسيرات المنحازة والتي تتجاهل الشروط الواضحة التي وضعت في تصريح بلفور وفي صك الانتداب بصورة شديدة الرواية الصهيونية وأسس الصهيونية، كما أكدها مناحيم بيغن في 1972: «الصهيونية… هذه أسسها في ارض اسرائيل… سيكون هناك اغلبية يهودية، اقلية عربية، ومساواة في الحقوق للجميع. لم ننحرف ولن ننحرف عن هذه العقيدة، التي تتجسد فيها عدالة قضيتنا». الرغبة في توسيع دولة اسرائيل الى كل مناطق الانتداب لارض اسرائيل دون الحفاظ على النظام الديمقراطي وعلى الاغلبية اليهودية الموجودة فيها، تتجاهل هذه الأسس والشروط الدولية التي فقط تطبيقها يبرر عملية الانشاء الخاص لدولة اسرائيل.
تعتبر الرواية الفلسطينية تصريح بلفور «تصريحا لا يمكن نسيانه، وليس أمرا يجب الاحتفال به، خاصة عندما يكون شعب من الشعوب عانى من الظلم وعدم العدالة المستمرين. اقامة وطن قومي لشعب واحد خلق استغلال واستمرار لمضايقة الشعب الآخر، وأدى الى انعدام توازن عميق بين المحتل والواقع تحت الاحتلال»، كما كتب سابقاً محمود عباس. حكومة نتنياهو بيديها ستحول هذه الرواية الى حقيقة تاريخية.
من اجل ضمان سريان مفعول واخلاقية تصريح بلفور، يجب على اسرائيل القيام بانعطافة كاملة عن سياسة الضم والعودة الى فكرة حل الدولتين لشعبين. الـ 102 سنة التي مرت حولت الحلم الصهيوني بدولة ديمقراطية ذات اغلبية يهودية الى حقيقة قائمة. الآن يجب الذهاب خطوة اخرى نحو حل قائم على تنازل تاريخي لا يلغي تصريح بلفور.
عن صحيفة «هآرتس» العبرية
الدستور