عروبة الإخباري – حذّر المعارض السياسي البارز مقتدى الصدر اليوم الأربعاء من مغبة تحوّل العراق إلى “دولة شبيهة بما يجري في سوريا واليمن”، في حال عدم استقالة الحكومة.
وقال زعيم التيار الصدري في بيان نشر على حسابه بتويتر، إنه لن يشترك مستقبلا في أي تحالفات لتشكيل حكومة، معتبرا أن “عدم استقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي لن تحقن الدماء”، في ظل رفض الأخير الاستجابة لمطالب الاحتجاجات بالاستقالة.
والثلاثاء، وجه عبدالمهدي رسالة إلى الصدر دعاه فيها إلى تشكيل حكومة جديدة مع زعيم تحالف الفتح هادي العامري، قبل أن تقدم الحكومة استقالتها.
لكن الصدر الذي يقود تحالف سائرون (التيار الصدري والحزب الشيوعي) الذي حلّ في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الماضية، علّق بالقول “لن اشترك في تحالفات معكم بعد اليوم”، مختتما كلامه بـ”لن نركع إلا لله”.
يستطيع الصدر إسقاط حكومة عبدالمهدي في البرلمان كون كتلته تحظى بالغالبية إلى جانب كتل أخرى يمكن أن يتحالف معها، إلا أنه يريد على الأرجح أن يسقط الحكومة بالاحتكام للشارع رغم أنه كان هو ذاته عرابها بالأساس.
ويعتقد أن بوصلة تحرك الصدر هي في يد الإيرانيين فالرجل الذي يتقلب كثيرا في المواقف من العداء إلى الولاء، زار طهران في مناسبتين واحدة قبل الاحتجاجات التقى خلالها بالمرشد الأعلى علي خامنئي وإلى جانبه قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني والثانية بعد موجة الاحتجاجات الثانية.
وتدرك طهران أن مفتاح تهدئة الاحتجاجات بيد الصدر الذي سبق له أن حرك الشارع وجيّش أنصاره حتى أنه اقتحم المنطقة الخضراء واعتصم داخلها في مارس/اذار 2016 قبل أن يعلق اعتصامه.
وعاد الصدر الذي خبر كيفية اقتناص الفرص والركوب على موجة الأحداث لتحصين وتعزيز نفوذه من بوابة دعوة عبدالمهدي للاستقالة في تناغم مع مطلب الحراك الشعبي الذي رفض انضمام تياره (التيار الصدري) أو أي تيار سياسي أو ديني للاحتجاجات العابرة للطائفية.
ولم يجد الصدر العائد لتوه من طهران التي سبق له أن زارها قبل فترة قصيرة اجتمع خلالها بالمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، منفذا لاختراق الحراك الشعبي إلا من خلال الضغط على حكومة عبدالمهدي للاستقالة.
وبهذه الدعوة التي لا تخلو من تهديد مبطن، يكون الصدر قد انضم لحراك سياسي بدأ حتى قبل الاحتجاجات الأخيرة، يطالب عبدالمهدي بالاستقالة. ويضم هذا الحراك كلا من رئيس البرلمان الحلبوسي ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ويقال أيضا إنه يحظى بدعم الرئيس العراقي (الكردي) برهم صالح.
وسبق لزعيم التيار الصدري والسياسي النافذ أن حرّك الشارع في العام 2016 حاشدا أنصاره حينها في احتجاجات عارمة تحت عناوين مختلفة تبدو في ظاهرها تناغما وتجاوبا مع شواغل العراقيين، راسما لنفسه صورة الزعيم الوطني، لكن كل تحركاته لم تخرج عن سياق حسابات التموقع السياسي والبحث عن حزام شعبي يدعم نفوذه.
ويشهد العراق منذ الجمعة الماضية، موجة جديدة من الاحتجاجات ضد النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية وضد حكومة عبدالمهدي، شملت العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب.
وتخللت الاحتجاجات أعمال عنف واسعة، خلّفت أكثر من 80 قتيلا على الأقل وإصابة آلاف آخرين بجروح في موجة تعتبر الثانية من نوعها خلال أكتوبر/تشرين الأول بعد أخرى قبل نحو أسبوعين شهدت مقتل 149 محتجا و8 من أفراد الأمن.
وفي الانتخابات والمفاوضات وتشكيل الحكومات والتظاهرات ضدها في العراق، اسم واحد يبحث عنه الجميع لمعرفة مجرى السفينة السياسية في البلاد، إنه مقتدى الصدر الذي يعتبر “بيضة القبّان في المشهد العراقي”.
ويطرح السيد المعمم الذي غزا الشيب لحيته، نفسه راعيا للإصلاح في بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم ومكافحا للفساد في طبقة سياسية تحتكر السلطة منذ 16 عاما وفق نظام بات يرفضها الشارع العراقي ويعتبر أنه رسّخ الفساد وأنه سبب كل علل العراق.
لكن رغم ذلك، يقول الخبير بالشأن العراقي فنر حداد إن “الصدريين جزء لا يتجزأ من الطبقة السياسية ولم يغيبوا مرة عن المناصب الوزارية والعامة رفيعة المستوى”.
وولد الصدر الذي يقول مقربون منه إنه سريع الغضب وقليل الابتسام، في 12 أغسطس/اب 1973 في الكوفة جنوب بغداد. وورث صاحب الصوت الجهوري والوجه العابس شعبية كبيرة، إذ أنه نجل محمد محمد صادق الصدر أبرز رجال الدين الشيعة المعارضين للرئيس الأسبق الراحل صدام حسين الذي يقال إنه قتله مع اثنين من أبنائه في العام 1999.
ووالد مقتدى هو أحد أبناء عم محمد باقر الصدر المفكر البارز الذي أعدمه صدام مع شقيقته نورالهدى في العام 1980.
ومنح هذا النسب المرموق اندفاعة لمقتدى، فكان أحد أبرز الشخصيات التي لعبت دورا أساسيا في إعادة بناء النظام السياسي بعد سقوط صدام حسين في العام 2003، وقائد أحد أكثر الحركات الشيعية نفوذا وشعبية في البلاد.
وبدأت مسيرته بمعارك ضارية مع القوات الأميركية التي اجتاحت العراق في 2003، وانتهت بنزاع عسكري-سياسي مع رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي الذي حكم البلاد بين العامين 2006 و2014.
وتوارى الصدر عن الأنظار في أواخر العام 2006 ولم يعرف مكان إقامته حتى عودته إلى حي الحنانة في النجف، حيث مقر إقامته في بداية العام 2011، ليتبين لاحقا أنه أمضى أكثر من أربعة أعوام في مدينة قم الإيرانية لمتابعة دروس في الحوزة العلمية.
ويقول الباحث في العلاقات الدولية كريم بيطار إن “الصدر شخص ذو خط متعرج، تنقل من كونه قائدا وطنيا مناهضا للولايات المتحدة خلال حرب العراق، لنجده متحالفا مع السعودية، وعاد فجأة مرة أخرى لاتخاذ منعطف جذري والتقرب من الإيرانيين”.
والمعروف أن شخصية الصدر ونهجه موضع إشكال لدى إيران والولايات المتحدة على حد سواء، فإذا كانت واشنطن لا تنسى جيش المهدي، فإن طهران لا تنسى بدورها المواقف العدائية لآل الصدر في الأساس المعروفين بزعامتهم الدينية ذات الاحترام الواسع، وهي مواقف ناجمة أساسا عن صراع بين المرجعية المحلية (النجف) والمرجعية الإيرانية في قم.
قام الصدر مؤخرا بزيارة مفاجئة إلى طهران، حيث التقى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، ما شكل صدمة في الشارع العراقي.
ويقول أحد الخبراء العارفين بالشأن العراقي إن هذه الزيارة جرت “لأن الصدر كان يطلب الحماية، لأنه أحس بالخوف من إمكانية اغتياله”.
الدليل الأقرب لهذا الاحتمال كانت في خضم الموجة الشعبية التي يشهدها العراق اليوم، والتي اتسمت بعنف غير مسبوق جنوبا، حيث أحرقت مقار أحزاب وفصائل مسلحة تابعة للحشد الشعبي الموالية لإيران، قال مراقبون إنها “تأتي في إطار عمليات تصفيات الحساب”.
لكن الصدر “خبير بعلم المجتمع رغم أنه متعدد التوجهات”، بحسب ما يقول الباحث ريناد منصور من “شاتام هاوس”.
عودته من إيران إلى النجف كانت في لحظة حساسة، وجد نفسه في الشارع بين المتظاهرين، يتجول بسيارته ومجددا في مقعد الربّان.
ويتوجه الصدر بشكل شبه يومي إلى مناصريه، مستغلا منصة تويتر التي يحرك من خلالها شارعا، ويهدئ آخر.
ويشير منصور إلى أن الصدر وهو من القادة القلائل الذين عايشوا فترة صدام حسين، “يوصف بالمتناقض مع مرور السنين، لكنه في نهاية الأمر يجري بما يشتهي الشارع”.
وبالفعل، فرغم أنه كان عراب الحكومة الحالية التي يرأسها عادل عبدالمهدي، لم يرض الصدر، وفق منصور، أن “يرى حكومة شكلها تفشل”.
وبالتالي، فإن موجة الاحتجاجات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 240 شخصا، كانت عذرا كافيا للصدر الذي يتزعم حاليا ائتلاف “سائرون” الذي فاز في الانتخابات التشريعية الأخيرة ونال 54 مقعدا في البرلمان، ليضع ثقله فيها ويسقطها في الشارع وحتى بالتحالف مع فصائل الحشد التي لم يكن على وفاق معها.
ويقول حداد إن “الدعم الصدري كان حاسما في تشكيل الحكومة الحالية وحكومات سابقة عدة، لكن يبدو أن هذا التناقض كان له تأثير كبير على صورة الصدر خارج قاعدته الصدريّة”.
وأضاف أنه رغم الخوف من أن يركب الموجة “هناك انقسام داخل النخبة الشيعية، خصوصا مع قلق الصدر وغيره من التأثير المتزايد للجهات الفاعلة الأكثر قربا من إيران في المؤسسات السياسية والعسكرية العراقية”.
وذلك لأن الصدر يتمتع بشعبية واسعة في أوساط فقراء الشيعة، وخصوصا في مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية العالية في بغداد.
ومعروف أنه كرّس كل يوم جمعة من الأسبوع موعدا للشارع، على مدى السنوات الأربع الماضية، للتظاهر ضد الفساد. وكان العام 2016 خير دليل بأنه قادر على هز حصون المؤسسات الرسمية بعد اقتحامه مع أنصاره لبوابات المنطقة الخضراء بوسط العاصمة.
ورغم الرسم البياني المتعرج لمسيرة الصدر السياسية، يقول بيطار إنه “شخصية خلافية ذات مسار متقلب نعم، لكنه سيبقى ضرورة في السنوات المقبلة في العراق”.