من مهازل المعالجات في العالم العربي اللجوء إلى خفض رواتب الوزراء والنواب والمسؤولين في أي بلد، عند مواجهة ظروف صعبة، او حساسة، او غضب جماهيري، وكأن خفض الرواتب سوف يحل الازمة، باعتباره السبب وراء الانهيارات في كثير من الدول.
هذه معالجات شكلية ودعائية، لأن أساس البلاء مرتبط بالفساد، وهدر المليارات، وسرقة كل شيء، لكن الدول حين تعجز عن معالجة ملف الفساد، تلجأ الى وسائل بديلة من أجل إسكات الناس، أي خفض راتب الوزير او النائب، وغير ذلك من إجراءات تجميلية، لم تكن هي المشكلة أساسا، وهي أيضا إجراءات لن تحل مشكلة أي خزينة خاوية من المال.
رأينا ذات السياسة في العراق، ولبنان، ورأيناها في دول أخرى، وكلما اشتد غضب الناس، كلما خرجت الحكومات بقرارات من هذا القبيل، هذا على الرغم من ان التقشف هنا ليس هو المشكلة الأساس، بل المليارات التي تمت سرقتها او هدرها، او حتى سوء ادارتها، خصوصا، ان المواطن العربي، لن يضره راتب الوزير قبل التخفيض اذا كانت سياسات الدولة تسير على ما يرام، وانفاق المال يجري بطريقة صحيحة على المشاريع والمواطنين، وأبواب الفساد المغلقة، ولا مال حرام في الجيوب، ولحظتها لن يهتم المواطن ولن يعترض على سفر سفير بدرجة أولى، ولن تصير قصته راتب الوزير أو النائب.
اللافت للانتباه هنا، أن كل عناوين الشعوب تتحدث أساسا عن الفساد، لكن لا أحد يجرؤ على فتح ملفات الفساد، ولا على تبرير ثروات كثيرين، ولا يجيبك أحد في العالم العربي، عن أسباب المديونية ولا عن سياسات اغراق الدول بالديون، وكلما دق الكوز في الجرة، تسارع الحكومات من أجل استيعاب غضب الناس، فتقرر خفض رواتب الوزراء والنواب، او وضع سقف لسفر المسؤولين، او حتى تقنين كميات الوقود المصروفة لسيارة هذا المسؤول او ذاك، وهي حلول وهمية لا تؤدي في الأساس الا لتوفير بضعة ملايين في موازنة كل دولة.
يوم امس الجمعة انفجر العراق أمنيا، شهداء وجرحى، في مواجهات ضد الحكومة، سبقتها مظاهرات خلال الأسابيع الماضية أدت الى مئات الشهداء والجرحى، ولم تجد الحكومة العراقية من حل في وجه هذا الغضب الا الحديث عن تقنين رواتب الوزراء وغيرهم، في بلده نخره الفساد، ومديونيته تتجاوز مئة وثلاثة وسبعين مليار دولار، مع آلاف المشاريع الوهمية التي تم سلب المال بذريعتها، وهي ذات قصة لبنان التي تتجاوز ديونه الثمانين مليار دولار وتصل في بعض التقديرات الى مئة مليار دولار، بسبب الفوضى والفساد، لكن حكومته، أيضا، لا تجد حلا سوى بيع الاحلام للجمهور الغاضب، فتقرر خفض رواتب الوزراء والنواب، وهي حلول كما أشرت شكلية تهدف الى استيعاب الغضب وتنفيس الحقد على المسؤولين، لا حل المشكلة جذريا.
الحكومات في أكثر من بلد اتخذت خطوات شبيهة بخفض رواتب وزراء بنسب معينة، او منع تقاعد النواب، والشعارات تتطاير ضد رواتب الوزراء المتقاعدين، وغير ذلك من قصص يشترك من يطالب بها بمن يتجاوب معها، بكون الطرفين يضحكان على بعضهما البعض، لأن كل المبالغ التي يمكن توفيرها عبر هذه المعالجات لا تتعدى بضعة ملايين، فيما مشاكلنا بالمليارات، والملفات الأهم، أي ملفات الفساد وسوء إدارة المال العام، وغياب التنمية، تغيب تحت وطأة عناوين ثانوية لها دور وظيفي في استيعاب غضب الجمهور، دون تأثيرها الفعلي على الموازنة.
لقد آن الأوان في العالم العربي، ان لا يتم الالتفاف على العناوين الكبرى مثل محاربة الفساد، وتفسير مديونية المليارات، باللجوء الى قرارات شعبية ليست ذات قيمة مالية فعلية سوى انها ثأرية ودعائية غايتها تنفيس الغضب، وعلينا أن نقولها هنا بصراحة إن المواطن العربي لن يقف عند راتب الوزير، ولا درجة السفر بالطائرة، ولا غير ذلك من قصص نتشاغل بها، ما دامت بقية الأمور تسير بشكل صحيح، ودلوني على بلد واحد اتخذ إجراءات شكلية مثل التي تحدثنا عنها، فتفجر النفط بعدها من أراضيه، وتنزلت عليه حلوى المن والسلوى.
رواتب المسؤولين ليست هي المشكلة/ ماهر أبو طير
11
المقالة السابقة