عروبة الإخباري –
• إعداد: إبراهيم السواعير
عز الدين المناصرة
• في إطار مشاركتها في مؤتمر «القدس في الأدب العالمي الحديث» بعمان، قدّمت الناقدة الجزائريّة ورقةً عنوانها (الشاعر الفلسطيني عزّ الدين المناصرة أنموذجاً لشعراء المنفى)، بصفته شاعرا وناقدا، يحمل بلاده في اشتغالاته الإبداعيّة، علاوةً على كونه مثقفاً معروفاً في الأوساط المحليّة والعربيّة، وله إسهامات في نقد الأدب العالمي، كذلك، من واقع تخصصه في النقد الحديث والأدب المقارن.
في لقاء الدكتورة نصير، تطرقت إلى موجبات اختيارها، بالرغم من كلّ هذه المساحة الفلسطينيّة التي تمور بالإبداع والريادة، عز الدين المناصرة؛ إذ ينشد كثيرٌ من النقّاد الشاعر درويش وشعراء بعينهم لأسباب يضيق عنها المقام، وهو سؤال قاد إلى إنّ فكرة الوطن برزت لدى المناصرة، كما ترى الناقدة، كثيراً، في كنعانياته وتراب الخليل الذي ما انفكّ يحمله، وهو ما جعلها تعدل عن فكرة أن تأخذ شعراء أو نصوصاً لشعراء فلسطينيين عيّناتٍ على الموضوع، فتدرس (الشاعر المناصرة) حالةً إبداعيّةً وموضوعاً لافتاً في مجلدين.
و قالت إنّ الهمّ الوطنيّ كان الشغل الشاغل للشاعر الذي عاش في بلاد عربيّة ومنها الجزائر فترةً كافيةً وموضوعيّةً لأن يُدرس أنموذجاً في شعراء المنافي، فهو، وبالرغم من أنّ الشعراء يسكنون الأوطان، ما يزال الوطن يسكنه كما تقول.
“ما الذي استثار الناقدة لتدرس شعر المناصرة في سياقه الإبداعيّ؟!”، وفي هذا السياق تقول (نصير) إنّها يلفتها فيه أنّه يكتب ما يسميه «التوقيعات»، الأشبه بالومضات، ومفردها «توقيعة»، وأنّه في أسطر قليلة يشحن المتلقي بمشاعر آخذة؛ فهو ليس شاعراً وعظيّاً بالمعنى السلبي لذلك في الاشتغال الإبداعيّ، وإنّما هو شاعرٌ مجرّب تجاوز السبعين، واعترف حتى بقصيدة النثر، وانفتح ذهنه نحو الإبداع، فلم يتمترس أو يقف بالضدّ من هذا الإبداع.
تطرّق اللقاء، مع الناقدة التي تحمل الدكتوراة في النقد ، إلى إطار (المؤتمر)، فيما إذا كنا نحتاج إلى لغة إبداعيّة جديدة للتعامل مع أوطاننا في المنافي؛ خصوصاً وأنّ فلسطين هي القضيّة المركزيّة الأم، وفي ذلك تقول نصير إنّنا ونحن نعيش هذه المرحلة المظلمة، وهي ليست المرحلة الوحيدة ظلاماً في تاريخنا العربيّ، ما نزال نعيش قدسيّة المكان والصراع العَقَدي والتاريخي، وهو ما يجعل من فلسطين تتصدّر دائماً قضايانا، بالرغم من وجود قضايا مقلقة، اهتمامنا بفلسطين لا يشكّل انتقاصاً لها أو ترتيباً ثانوياً لأهميّتها، فهي مشاهد أليمة تمزّق القلوب، كما أنّ ما يميّز الشعر الفلسطيني أنّه ارتبط بالقدس فكانت له ريادة على فتح أعيننا على المحتلّ وبداية الخيبات بعد عام ثمانية وأربعين، فهي النسخة الأصيلة وما يتفرع عنها من قضايا لا بدّ يرتبط بها ولا يغايرها بل يمثّل انعكاساً لها لا تقليداً في نهاية المطاف.
وللاستفادة من تخصص الناقدة وأطروحاتها في السرد، انزاح اللقاء قليلاً إلى أدباء مغاربة كالطاهر بن جلون مثلاً، أو إبراهيم الكوني، عالجوا موضوع الاغتراب النفسي لنماذجهم داخل بلدانهم؛ إذ نحن أمام اغترابٍ ربما لا نحتاج معه إلى المنافي، وهو ما تقرّ به الناقدة وتسهب في تفاصيله، لنتجاوزه نحو تأثير الثقافة الغربيّة في التقنيات العربيّة في الشمال الإفريقيّ الذي كان تأثيراً إيجابيّاً على مستوى الإبداع وعلى مستوى أنّ الأديب الجزائريّ الذي يعيش في فرنسا على سبيل المثال لا ينفصل عن همّ بلاده حتى وهو يكتب بلغة غيره الأجنبي، فتفاصيلنا تسكنه، وأجواؤنا حاضرة في ما يكتب، حتى وإن اختلفت لغة التوصيل.
هل أنتنّ في الجزائر فخورات بأنّ (أحلام مستغانمي) أثّرت في أجيال، وفتحت لهنّ نافذةً للتفكير أو باباً للهروب؟!.. تجيب الناقدة نصير بأنّ كثيراً من الأصوات النسائيّة ظلّ يمتح من مستغانمي التي باتت نجمةً مؤثّرةً، وقدّمت للأدب العربي النسوي تحديداً الكثير من الكشف، والأمر هو ذائقة إبداعيّة في التلقي أو التأثر في نهاية المطاف.
تطرّق اللقاء إلى مدى عناية الدولة بالأدب النسوي ومساحة التعبير في الجزائر؛ على اعتبار أنّ مساحة التعبير إنّما هي مخاض اجتماعي طويل، تُوّج أخيراً بمرحلة «الربيع العربي» التي انطلقت من تونس في فتوحات إنسانيّة سار معها الأدب موضوعاً مهمّاً للإبداع، وفي ذلك أكّدت نصير أهميّة هذا المخاض وطوارئ المرحلة التي جعلت من الشعر يتزحزح للرواية في تجارب جديدة تستحق الوقوف لقراءة المرحلة على أكثر من صعيد.
لا ترى نصير أهميّةً أن نظلّ نجلد الناقد الأديب بأنّ ممارسته النقد تقتل إبداعه في ضوابطه وحدوده، بل إنّ المبدع ناقداً كان أم غير ناقدٍ هو حالة ينبغي دخولها بتناسي المبدع نظرية النقد، مع أنّ أسماء مشهورة كتبت ومارست على أنفسها النقد، ولكنّ نصوصها كانت منسابةً بعيداً عن نظريّة النقد، على أهميّة هذه النظريّة في قراءة الإبداع.