عروبة الإخباري – أكَّد يُوسف بن علوي بن عبدلله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العُمانية، أنَّ السلام في منطقة الشرق الأوسط أصبح مطلباً مُلحًّا، وأنه حان الوقت لإطفاء الحرائق المشتعلة في المنطقة، والتي أضحى استمرارها يُمثّل تهديداً للأمن والسِلم الدوليين.. جاء ذلك على خلال كلمة السلطنة التي ألقاها معاليه أمام الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس.
وقال بن علوي إنَّ من مَهام الأمم المتحدة العمل على صيانة الأمن والسِلم الدوليين، ومواجهة التحدّيات والصراعات الدولية، والعمل الحثيث على تسوية النزاعات باستخدام الدبلوماسية الوقائية، وبذل الجهود لتحقيق السلام والاستقرار في العالم؛ من خلال تعزيز تدابير بناء الثقة وحل الخلافات بالوسائل الدبلوماسية، كما ينصُّ على ذلك ميثاق الأمم المتحدة. وأضاف: “انطلاقاً من إيمان بلادي بأن الحوار والمفاوضات هما أنجع الوسائل لحل الخلافات، فإننا نؤكّد دائماً على أن سلطنة عُمان ودول أخرى تبذل جهوداً مشتركة ومساعي خيّرة لدعم المبادرات الإقليمية والدولية التي من شأنها المساعدة على تحقيق السلام ونشر ثقافة الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وأضاف بن علوي أن السلطنة تؤمن بأنَّ السلام ركيزة أساسية للاستقرار والتنمية المستدامة، معربا عن أمله في تبنّي منطلقات جديدة في العلاقات الدولية تتوافق مع مبادئ حسن الجوار واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ لبناء عالم يسوده العدل والإنصاف والتعايش والتسامح لينعم الجميع بالرخاء والأمن والاستقرار.
وأكَّد بن علوي أنَّ السلام في منطقة الشرق الأوسط أصبح مطلباً مُلحاً، وقد حان الوقت لإطفاء الحرائق المشتعلة في المنطقة، والتي أضحى استمرارها يُمثّل تهديداً للأمن والسِلم الدوليين، ويُشكّل تحدّيات كبيرة اقتصادية واجتماعية وأمنية لشعوب المنطقة، أنتجت العديد من المشاكل ومظاهر العنف والتطرُّف والارهاب، وموجة نزوح وهجرة مستمرة إلى مناطق العالم المختلفة، موضحا أنَّ على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي التحرُّك بجدية لبناء التوافقات الإقليمية والدولية ودعم الجهود السلمية لإنهاء حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
ودعتْ السلطنة -في كلمتها- كافة الأطراف المتنازعة إلى التوجُّه نحو المستقبل والتسامي فوق الخلافات لتغليب المصالح الوطنية العليا، وتبنّي الحلول والمقاربات السياسية والدبلوماسية التي تحفظ للأوطان وحدتها وتماسكها، وللشعوب كرامتها وأمنها وعيشها الكريم.
ورحَّبتْ السلطنة بالتوافقات السياسية السلمية التي تم التوصّل لها في جمهورية السودان والتوقيع على وثائق الانتقال للسلطة المدنية؛ مما يُسْهِم في تحقيق السلام والأمن والاستقرار للشعب السوداني الشقيق، مُثمنا جهود الوساطة الإقليمية التي أسهمت في مساعدة الأطراف السودانية للتوصل لهذا الإنجاز الوطني.
وتابع بن علوي قائلا: “تُعْنَى سلطنة عُمان بحركة الملاحة في مضيق هرمز؛ باعتبارها إحدى الدول المطلّة على المضيق، الذي يُعتبرُ أحد أهم المضايق المائية الدولية في العالم، والذي تقع ممراته ضمن نطاق المياه الإقليمية العُمانية، ومن منطلق سيادتها الوطنية ومسؤولياتها الدولية في الإشراف المستمر على هذا الممر، للتأكُّد من سلامة الملاحة وضمان حركة المرور الآمن للسفن العابرة في هذا المضيق الحيوي، فإنَّ سلطنة عُمان تدعو جميع الدول للتعاون البنَّاء واحترام خطوط الفصل الملاحية وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لا سيما ما نصت عليه المادتان 37 و38 في حق المرور العابر المتواصل والمادة 39 من ذات القانون التي تحدّد واجبات السفن أثناء المرور العابر”. واستطرد قائلا: “كما تدعو (السلطنة) كافة الأطراف إلى عدم التصعيد وحل الخلافات بالوسائل الدبلوماسية، بما يجنّب المنطقة أية عواقب قد تكون لها انعكاسات خطيرة على حرية الملاحة وحركة التجارة الدولية والاقتصاد العالمي، ونعتقد أن على المجتمع الدولي والدول ذات المصلحة في استخدام المضيق السعي من أجل إيجاد الحلول التوافقية السلمية كوسيلة مُثْلَى لحفظ الاستقرار وسلامة الملاحة البحرية والتي نعتقد بأنها أكثر ضماناً وتأثيراً من أية وسائل وترتيبات أخرى”.
وقال بن علوي إنَّ استمرار الصراع والحرب في اليمن وعدم تمكّن الأطراف المتنازعِة من الوصول إلى اتفاق سياسي يُنْهِي هذا الصراع، أدّى لوضع مأساوي إنساني واقتصادي واجتماعي للشعب اليمني، يتطلّب منا جميعاً مضاعفة الجهود السياسية والدبلوماسية والإنسانية لمساعدة اليمن للخروج من حالة الحرب والصراع المسلّح الذي يزداد تعقيداً.
وأكد بن علوي أنَّ السلطنة تدعم كل الجهود المبذولة من أجل التوصّل لحل سياسي في اليمن، وفي مُقدمتها جهود الأمم المتحدة والمبعوث الخاص للأمين العام مارتن غريفث، داعيا جميع الأطراف للتعاون والتفاعل الإيجابي مع هذه الجهود، وأن يتّم التركيز خلال المرحلة المقبلة على المسار السياسي للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة تحقّق الأمن والاستقرار لليمن الشقيق وتحفظ أمن ومصالح الدول المجاورة في المنطقة. ودعا بن علوي جميع الأطراف اليمنية إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا، كما حث القادة السياسيين اليمنيين إلى أخذ زمام المبادرة في إنهاء هذا الصراع من أجل مصلحة اليمن والشعب اليمني العزيز، ودعا أيضا “الدول الإقليمية والمجتمع الدولي لدعم الجهود لعودة السلام والاستقرار إلى اليمن بشكل خاص والمنطقة بشكل عام”.
وأكد أن السلطنة -وبحكم الجوار الجغرافي والعلاقات المتجذّرة تاريخيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، مستمرة في تقديم التسهيلات والمساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني الشقيق.
ودعتْ السلطنة المجتمع الدولي والأطراف المعنية إلى تَبنّي مشروع إنساني جاد يتيح وصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق والمحافظات اليمنية بدون استثناء وبدون عوائق، وتسهيل استخدام كافة الموانئ والمطارات والمنافذ لهذه الغاية الإنسانية النبيلة.
وحول القضية الفلسطينية، أكَّد يوسف بن علوي أن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية يُعتبر من الضرورات الإستراتيجية لتحقيق السلام والاستقرار والتعايش السِلمي، وأنه لا بد من العمل على صياغة منظور متكامل لمستقبل العلاقات الخاصة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي والدول المحيطة، مبني على تعزيز قيم السلام والتعايش والمصالح المشتركة بين كافة شعوب المنطقة لتحقيق الأمن والسلام والرخاء الاقتصادي للجميع، ونعتقد أنَّ عدم قيام الدولة الفلسطينية يؤدّي لاستمرار حالة العنف والإرهاب.
وقال إنَّ تعاون المجتمع الدولي والأطراف المعنية لإيجاد الظروف المناسبة لإنهاء هذا الصراع المستمر منذ أكثر من سبعين سنة أصبح واقعاً ملحاً لبناء شرق أوسط جديد مستقر ومزدهر.
وأضاف: “إننا في سلطنة عُمان ومن منطلق مواقفنا الثابتة لدعم السلام والاستقرار في المنطقة على استعداد للتعاون مع الأطراف الدولية، بما يُمكّن من عودة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ودعم الجهود الرامية للتوصَّلِ إلى اتفاق على أساس حل الدولتين، وبما يُسْهِمُ في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وقال بن علوي إنّ فِكْرَ الاستدامة التنموية من أهم مرتكزات الرؤى المستقبلية والخطط التنموية الخمسية المتعاقبة في السلطنة، وهو امتداد لقيم ومبادئ الاستدامة للمساواة والعدالة والسلام الراسخة في المجتمع العُماني والذي يتجلّى بشكل واضح في النظام الأساسي للدولة.
وأضاف: “لقد كانت بلادي شريكاً فعّالاً في كافة المنتديات والمداولات والحوارات الأممية والإقليمية التي تَمَخَّضَ عنها الإعلان عن أهداف التنمية المستدامة 2030؛ حيث سعت إلى ترجمة التزامها الدولي لتحقيق تلك الأهداف بوضع سياسات وإستراتيجيات طويلة الأجل وخُطط وبرامج عمل متوسطة وقصيرة الأجل، وأصبحت مُكَوّناً رئيسياً من مُكونات ومحاور الخطة الخمسية التاسعة (2016 – 2020) ورؤية عمان 2040”.
وتابع القول: على ضوء ذلك، قدّمت بلادي تقريرها الطوعي الأول في شهر يوليو الماضي حول أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والذي لاقى استحسان الجميع نظراً لما تضمّنه من مؤشرات تنموية إيجابية عن السلطنة.
وختم بن علوي كلمة السلطنة قائلا: “تُجَدّدُ بلادي دعوتَهَا سائر دول العالم للتمسّك بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي وحل الخلافات بالوسائل السلمية والدبلوماسية. كما ندعو إلى إعطاء دور أكبر للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية لتسوية النزاعات وتوطيد دعائم السِلم والأمن الدوليين ونشر ثقافة السلام والتسامح لتجنيب البشرية ويلات النزاعات والحروب التي تُعصف بأماني الشعوب وتطلّعاتها للأمن والاستقرار والرخاء والازدهار”.