برنامج نتنياهو الانتخابي مُعلن، وغير مخفي، وواضح وصريح، ولا يوجد طلاسم بين نصوصه، فبرنامجه يقول أولا: “هذه بلادنا ووطننا” (يقصد باقي أرض فلسطين التاريخية في الضفة الغربية والقدس). ثانيا: “سنواصل تطويرها وبناءها”. ثالثا: في أي خطة سياسية (صفقة القرن أو غيرها) لن يتم اقتلاع أي (مستعمرة، ولا مستوطن واحد). رابعا: الجيش والأجهزة الأمنية سيستمرون في السيطرة على كل المنطقة من البحر إلى النهر. خامسا: لا تمييز بين الكتل الاستيطانية والبؤر الاستيطانية المعزولة، والتي ستنتقل إلى المرحلة القادمة للسيادة “الإسرائيلية”. وكذا الحال بالنسبة للجولان السوري المحتل الذي أصبح “جزءا من أرض إسرائيل” وفق نتنياهو بعد قراره ضمه والمباركة الأميركية لهذا القرار غير الشرعي والمرفوض من المجتمع الدولي.
ومن الواضح مدى تناقض هذا البرنامج، برنامج نتنياهو، مع الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة، والقفز عن أي حل حقيقي مع الفلسطينيين، بما في ذلك النسف العملي لمشروع “حل الدولتين” الذي يحظى بإجماع دولي، باعتباره خيارا لا بد منه لتوفير درجة مقبولة من الإنصاف، يعتبرها الفلسطينيون مرحلة في سياق توفير العدالة الانتقالية للشعب الفلسطيني وحقه بتقرير مصيره على جزء من أرض وطنه التاريخي.
نتنياهو، وبالرغم من برنامجه الانتخابي الواضح والصريح، إلا أنه يواجه متاعب داخلية، لها علاقة بملفات الفساد التي تلاحقه وتلاحق زوجته، وهي تأتي في ظل الصراعات الحزبية في “إسرائيل” على أبواب الانتخابات التشريعية، بما فيها وجود منافسين له، وآخرين من تيارات اليمين ومنهم زعيم تيار اليمين العلماني (أفيجدور ليبرمان)، الذين يحاولون إسقاطه لدواعٍ ليست سياسية بالدرجة الأولى، بل لاعتبارات داخلية “إسرائيلية”، وعلى ضوء فشله في تشكيل ائتلاف حكومي بعد انتخابات الكنيست التي جرت في نيسان/أبريل الماضي 2019، فضلا عن قضايا مالية وغير مالية، يواجه فيها اتهامات جنائية ومعه زوجته. وفي هذا الإطار أكد رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، أفيجدور ليبرمان، الممثل لتيارات اليمين العلماني في “إسرائيل”، أكد: “إن قياديين في حزب الليكود يستعدون لسيناريو للإطاحة بزعيم الليكود ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في حال عدم فوز معسكر أحزاب اليمين والحريديين بـ61 عضوا في الكنيست بعد انتخابات الكنيست، في 17 أيلول/سبتمبر المقبل، وبالتالي عدم تمكنه من تشكيل الحكومة المقبلة”. ليبرمان، وحسبما ما نقلت عنه صحيفة “يديعوت أحرونوت” الأسبوع الماضي قال: “إنه التقى في الأسابيع الأخيرة مع أعضاء كنيست ورؤساء بلديات وأعضاء في هيئات مركزية في الليكود”، وأنه “بتقديرهم أن ثلثي كتلة الليكود في الكنيست يصلّون ألا يكون هناك 61 عضو كنيست، وستنشأ فرصة لتغيير مرشح الليكود لتشكيل الحكومة”، أي نتنياهو. وعليه ليس من المستبعد أن يجتمع القياديون في حزب الليكود وكتلة الحزب في الكنيست القادمة، لاتخاذ قرار بشأن المرشح لتشكيل الحكومة وحدهم من دون الحاجة إلى العودة إلى مؤسسات حزب الليكود وبالتالي استبدال نتنياهو.
ومن المعروف بأن أفيجدور ليبرمان، وحزبه الذي يمتلك عشرة مقاعد في الكنيست، هو من أفشل تشكيل الحكومة السابقة، عندما رفض المشاركة مع نتنياهو بحكومة يمين فيها الأحزاب الحريدية (الدينية المتزمتة)، وما زال ليبرمان إلى الآن ملك تلك اللعبة، حين تقدر له استطلاعات الرأي أن يحصد حزبه “إسرائيل بيتنا” نحو عشرة مقاعد، وبالتالي فإن بيده كتلة برلمانية مقررة في تحديد الائتلاف الحكومي، لذلك نراه يهدد الليكود ونتنياهو باللجوء إلى التحالف مع الكتلة الكبرى الثانية المنافسة لحزب الليكود، ونعني كتلة حزب (أزرق/أبيض) أو (كاحول/لافان) بقيادة الجنرال بيني جانتس وذلك لتشكيل حكومة ائتلافية بعد الانتخابات القادمة.
إن كل تلك المتاعب الداخلية التي تواجه نتنياهو، واحتمالات انتهاء حياته السياسية، دفعته باتجاه الإشارة لأشخاص محتملين لخلافته، وباختياره الشخصي حتى لا يختارهم غيره، فهو لا يرى الآن سوى مرشحين اثنين فقط بدلا منه لتولي القيادة في حزب الليكود ورئاسة الوزراء حال فازت قوائم الحزب واليمين، وهما رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية “الإسرائيلية” والمعروف بجهاز “الموساد” (يوسي كوهين)، وسفير تل أبيب لدى واشنطن (رون ديرمر).
يوسي كوهين، شخصية أمنية بامتياز، فقد شغل مناصب تنفيذية واستخباراتية وإدارية بالموساد لنحو 31 عاما، تولى خلالها مهام سرية، وشارك بعمليات “خطيرة”، وقد نشط والده آرييه كوهين في منظمة “إيتسيل” الإرهابية الصهيونية قبل العام 1948. فيما نجد أن السجل السياسي لسفير تل أبيب في واشنطن (رون دريمر) أقل زخما من سجل (يوس كوهين) المطبوع بالصبغة الأمنية.
حزب الليكود، القوة الحزبية والسياسية الأولى في “إسرائيل” من حيث الوزن والحضور في المجتمع اليهودي، ومن حيث عدد أعضائه ومقاعده في الكنيست الحالي والمتوقع بعد الانتخابات التي باتت على الأبواب، والذي ينتمي إليه بنيامين نتنياهو، ممتلئ، وحتى التخمة، بزبدة المتطرفين وعتاولة اليمين، والبدائل متوافرة داخل صفوفه حال انتهت الحياة السياسية لنتنياهو، بغض النظر عن الأشخاص الذين يحاول ترشيحهم وتزكيتهم لخلافته، ومنهم رئيس الموساد وسفير دولة الاحتلال في واشنطن. وبالتالي نحن أمام إعادة إنتاج الحالة الليكودية من جديد وبزعامة تحت اسم آخر حال مغادرة نتنياهو لمقعد قيادة الليكود.
أخيرا، إن مسألة “المسيَّرات”، وطائرات الــ”درون” وما وقع في الضاحية الجنوبية من بيروت وفي استهداف بعض الأماكن في ريف دمشق وحتى في العراق من استهداف لمواقع الجيش العراقي، لا يعطي نتنياهو زادا في المجتمع “الإسرائيلي” لإثبات حضوره، وتحقيق إنجازات ما، والدفاع عن مصيره السياسي بين الاستمرار أو التقاعد النهائي، فهناك أوزان كبيرة في حزبه، حزب الليكود، تترصده، وقد تكون ساعة الإطاحة به ليست ببعيدة.
بدائل نتنياهو الليكودية / علي بدوان
15
المقالة السابقة