عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب-
أحسنت جمعية الشؤون الدولية التي أعتز بالانتماء إليها في موقع عضو مجلس الإدارة بدعوة أمين عمان الدكتور يوسف الشواربة، والذي قدمه لأعضاء الجمعية الدكتور وليد الترك بعد أن استقبله الدكتور عبد السلام المجالي رئيس الجمعية.
كان مقرراً أن يعطي الدكتور الشواربة نصف ساعة من الحديث تحت عنوان “أمانة عمان التحديات والفرص” و نصف ساعة للأسئلة، ولكن الأمين استنفذ ساعة وزيادة من الحديث المملوء بالمعلومات، ومن تقديم مبادرات واستنتاجات ذكية، لم نشعر بالوقت الذي كان يمر بسرعة وسط انتباه وصمت من الحاضرين الذين كان بينهم أمين عمان الأسبق الدكتور ممدوح العبادي، وشخصيات من العمل العام من مواقع متقدمة.
لفت انتباهي بدايةَ تعليق صديقي الدكتور حسين الصعوب “وزير النقل الاسبق” الذي أشار إليه الأمين وهو يتحدث أكثر من مرة، حين علق الصعوب لي قائلاً: هل لاحظت تسلسل أفكار الأمين ودقة معلوماته وقدرته الواضحة على السرد بتنظيم مدهش لاكثر من ساعة، و كأنه يقرأ من ورقة ،هذا الرجل مستعد ويحفظ درسه .. وكان الصعوب يريد أن يسترسل في التعليق هامسا لولا أن هدوء القاعة اثناء حديث الأمين لم يكن يسمح ببروز أي صوت.
لفت انتباهي أيضا قدرة الأمين على السرد الهادئ وعلى اختيار اللغة الفصحى الحديثة وعلى الدخول الى التفاصيل دون الغرق فيها، فقد كان علميا ومنهجيا حين اختار محاور محددة للحديث، ولم يذهب الى كل حمولة الأمانة ،وهي حمولة متعددة يزيد توزيع عناوينها عن عشرين عنوانا، وانما اكتفى بأربعة منها، أبرزها موضوع النقل وما يتعلق به وتحديدا “الباص السريع” والأسئلة المعلق عليه، والاجابات التي لم نكن نعلم عنها الكثير.
الأمين بمهارة واضحة بدد الحيرة والقلق وأعاد زرع الثقة بمشاريع الأمانة ودافع عنها، عن واقعها ومستقبلها، وتلقى أسئلة التحديات، وقدم عليها أجوبة مقنعة وعلمية غير مفرطة وفي نفس الوقت شافية..
الأمانة تشغل 23 الف مستخدم بين خبير و إداري وفني و عامل وطن، والتي لديها موازنة تصل نصف مليار دينار، استطاعت ان تقدم عمّان كعاصمة نابضة بالحياة رغم ثقل ووطأة القفزات السكانية التي اوصلت عدد سكان عمان الى حوالي 4.5 مليون نسمة في نمو غير طبيعي لا تقوى على تحمله أي مدينة في الأرض دون ان تشكو أو تئن بصوت عال..
استعرض الأمين كافة العقبات ولم يراوح حولها، بل تتخذ قرارات التنفيذ من خلال طواقمه ليبدأ عمل متصلاً لمسه المواطن، رغم ان البعض ضايقه فتح الورش المتصلة على طريق الباص السريع.
المشروع يرافقه تطور حضاري ومعرفي وسلوكي ربما غفل عنه الكثيرون، فهو يعيد انتاج سلوك السائقين حين يكون الدفع بالبطاقة الذكية، فقد انتهى زمن الكنترول والفراطة، والتهرب من مطابقة التحصيل، كما انتهى زمن تأخير الباص أو مستوى البنية الناقلة وكذلك كيفية الوصول وتغذية المحطات والانطلاقة غير المرهونة إلّا بالزمن المحدد الذي يتمكن مستخدم الباص من الوصول لوجهته في الزمن المحدد.
ولأن مواطننا العمّاني يستحق, فقد أراد الأمين له ان يحصل على حافلة كما المواطن الفرنسي او الاوروبي، حين اختار نوع الحافلة والبرامج التابعة لها, وكيفية إدارتها, والسلوك الناتج عن استعمالها, والتكيف مع هذا السلوك, وقد جاءت حوافز مجزية للسائقين وخضوع لمبدأ الثواب الذي يصل بالراتب لأكثر من (700) دينار وينقص بالمخالفات ليصل الى (350) دينار .
لم يحشر الأمين نفسه في موضوع الباص، فقد أمطرته الاسئلة من الحاضرين الذين وزع عليهم اجابات مقنعة لجوانب عديدة, بعضها لم يكن في عنوان المحاضرة خاصة الجوانب المتعلقة بالبعد الأمني ومعاقبة المخالفين و بعض السلوكيات التي لا مسؤولية للأمانة عنها.
حين كنت استمع إليه وقد سألت بما مضمونه أنني اعتز ان أعيش في عاصمة يملك أمينها هذا التصور لتطويرها, اذ أن البرامج المذكورة ينجز الكثير منها خلال عام او عامين, وبالتالي يترك أمين عمان بصمات مرحلته لتكون واضحة امام المواطنين الذين ظل يؤكد دائما انهم يستحقون اكثر وان الزمن الذي كان يمكن ان يقدم للناس اشياء اقل مما هو في العالم قد ولّى, وان الادراك المعرفي لدى المواطن يفرض متابعة الامانة لآخر التطورات في النقل والخدمة والفضاء الالكتروني.
كنت اتمنى ان تكون محاضرة الامين مبثوثة تلفزيونيا وان تكون مدونة لقيمتها ولِكَم المعلومات فيها, وخاصة الجديدة التي لم تصل للمواطنين ورغم ان الامين يشتكي من بعض مواقع الميديا الاجتماعية وعدم متابعتها وأخذها لجوانب سلبية واحباطية, إلا انني ادعوه الى اهتمام اكبر بالإعلام لتحميل رسائله التي تستحق ان تصل الى الجمهور وان يستمر في التكرار الذي هو سمة الرسالة الاعلامية المعاصرة, حتى يدرك الجميع مسؤولياتهم, فالمدن كالأشجار تثمر وتزهر وتتفتح او تذبل وربما تموت وخاصة لجهة روحها, فعمان مازالت تحتاج الى جوانب تتعلق بروح المدينة واكسابها هذه الميزة بتغذيتها اكثر بالفن والثقافة والإبداع والنحت والحدائق والتماثيل والنصب التذكارية وساحات الموسيقى والحفلات, صحيح ان في العاصمة من هذا, لكن العواصم الجميلة تحتاج الى مزيد من الاكسسوارات والمعالم التي تميزها.
والحقيقة أنني أحسست بالغبطة وأدركت أن هذا الأمين المنتمي لمدينته التي فيها مسقط رأسه, يحتاج الى دعم إعلامي أوسع لتوصيل رسالته بالشكل الواضح، الذي لا يستطيع عابر او مستخفاً ان يشاغب عليها.
لقد جمع الامين الحالي المتخصص بالقانون و ليس الهندسة القدرات التصورية لعمان القادمة والرغبة الميدانية في المتابعة التي كانت تنقص البعض أو تنقصه التصورات لعمان القادمة.
اتمنى ان يتحدث الأمين عن افكاره ومشاريعه التي هي مشاريع الأمانة, وان يحافظ على قدرته على التفكير خارج الصندوق, وان يستلهم الجديد الذي يراه الناس صعباً ولكنه يراه عكس ذلك.
سادعو الأمين مستقبلاً لمزيد من الحديث عن ما تحدث به في صالون جمعية الشؤون الدولية, فهناك اشياء منه استمع اليها لأول مرة, وقد فوجئت بها رغم انني عَماني منذ الولادة وأتابع تفاصيل العاصمة كما يتابع العاشق تفاصيل وجه حبيبته.