عروبة الإخباري – اعتبرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن ما تتعرض له غابات الأمازون من حرائق هائلة منذ أيام، قد يقطع الطريق أمام المساعي الدولية الجادة من حماة البيئة والمدافعين عن النظم الإيكولوجية لإقامة “نظام أخضر عالمي”، مشيرة إلى أن بطء تحرك حكومة البرازيل لاحتواء اشتعال “رئة العالم” يهدد بتبعات خطيرة على قضية التغير المناخي.
وقالت المجلة في تقرير إن المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء أعلن أن الحرائق كانت تشتعل في منطقة الأمازون بأعلى معدل منذ أن بدأت تسجيلها في 2013. وشهدت البرازيل 72843 حريقًا هذا العام- نصفهم في الأمازون- بنسبة زيادة 80% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018. ويعزو العديد من المراقبين حالة الغابات المطيرة السيئة إلى رئاسة جائير بولسونارو، الذي خفف من التشريعات البيئية وجادل بأنه “لا توجد موارد” لمحاربة الحرائق.
وفي عام 1992، بعد بضع سنوات فقط بعد انقضاء الحكم العسكري، أولت البرازيل اهتماما متناميا بقضية البيئة الدولية، عندما استضافت “قمة الأرض” في ريو دي جانيرو؛ أحد أكبر الأحداث وأكثرها طموحًا على الأطلاق برعاية الأمم المتحدة. وشجع مؤتمر قمة الأرض دول العالم على إعادة النظر في التنمية الاقتصادية وإيجاد طرق لإبطاء الضغط الذي يخلقه البشر على هذا الكوكب. وتوجه الآلاف من الناشطين في مجال البيئة وقادة الأعمال والسياسيين إلى ريو دي جانيرو، إلى جانب حوالي 10000 صحفي، مما يضمن اهتمامًا غير مسبوق بالبيئة ويمهد الطريق لظهور “نظام أخضر عالمي”.
وتعتمد البرازيل على مصادر الطاقة المتجددة (بما في ذلك الوقود الحيوي) أكثر من أي من كبار مستهلكي الطاقة الآخرين في العالم. وبين عامي 2005 و2012، دشنت حملة ناجحة للحد من إزالة الغابات بحوالي 80 %. لكن ثمة جدال دائر بأن انتخاب بولسونارو العام الماضي جعل وضع البلاد كمنارة بيئية موضع شك. فالرئيس الجديد يعتقد أن التنمية الاقتصادية تتعارض مع حماية البيئة، وأنه لا ينبغي السماح للاعتبارات المتعلقة بالكوكب بمنع الصناعة، لا سيما القطاع الزراعي الضخم في البرازيل.
وتحقيقًا لهذه الغاية، هدد بولسونارو بانسحاب البرازيل من اتفاق باريس للمناخ. وبدأ في فتح منطقة الأمازون أمام التعدين والتنمية الزراعية عندما “قام بتحويل سلطة تنظيم وإنشاء محميات محلية- والتي تمثل حوالي 13% من أراضي البرازيل، بما في ذلك مساحات شاسعة من الغابات المطيرة- من الوكالة الوطنية الهندية إلى وزارة الزراعة.
ولا يجب بالضرورة أن تتعارض التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، ففي الوقت الحالي، تمثل طاقة الرياح حوالي 8% من إمدادات الكهرباء، وتمثل الطاقة الشمسية 0.5%، لكنها تنمو بمعدل مدهش. ولتحقيق هذه الغاية، اقترحت حملة بولسونارو تسريع الترخيص البيئي لمحطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة وتطوير صناعة محلية لإنتاج الألواح الشمسية وتركيبها وصيانتها في شمال شرق البلاد الفقير، والذي يزخر بموارد وفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وبعد مرور ثمانية أشهر تقريبًا على تولي بولسونارو الحكم، تجلت آثار هذه القرارات. ووفقًا لروبرت موجاه، من معهد “إيجارابيه (Igarapé)”، فإن معدلات إزالة الغابات في الأمازون “كانت أعلى بنسبة 50% بين أغسطس 2018 ويوليو 2019 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق”. وبدأ العلماء في إصدار التحذيرات. وكما كتب موجاه: “إذا تم خفض نسبة 20 إلى 25% من غطاء الأشجار، يقدر العلماء أن قدرة الحوض (غابات الأمازون) على امتصاص ثاني أكسيد الكربون ستتعرض لخطر شديد، مما يؤدي إلى توقف أحد أكبر أحواض الكربون في العالم. بسبب تسارع معدلات إزالة الغابات لإفساح المجال أمام الماشية، وزراعة فول الصويا، وتعدين الذهب، يمكن الوصول إلى نقطة التحول هذه خلال عقد من الزمن”.
ويثير ستيفن والت، الكاتب في مجلة فورين بوليسي سؤالا هاما مفاده: “ما الذي يتعين على المجتمع الدولي فعله لمنع رئيس برازيلي مضلل (أو قادة سياسيين في بلدان أخرى) من اتخاذ إجراءات قد تضر بنا جميعًا؟”، وذلك نظرًا لخطورة تغير المناخ، حيث يشير إلى أن العقوبات أو التهديدات باستخدام القوة قد تكون خيارًا. وأضاف والت “قد يبدو صعبا تخيل الدول التي تهدد بالعمل العسكري لمنع هذا اليوم، لكن من المرجح أن تصبح أسوأ الاحتمالات لمستقبل مناخنا قابلة للتحقق”. وتابع حديثه قائلا “علاوة على ذلك، من غير المحتمل أن يُطلب من مجلس الأمن (التابع للأمم المتحدة) السماح باستخدام القوة ضد الدول الأضعف، لأن الأعضاء الدائمين لا يرغبون في ذلك، ومن المؤكد أنهم سيستخدمون حق النقض ’فيتو‘ ضد الاقتراح”.
واختتم فورين بوليسي تقريرها قائلة: “هذا ما يجعل القضية البرازيلية أكثر إثارة للاهتمام، وعلى عكس بوروندي وأماكن أخرى، فإن ما تفعله البرازيل يمكن أن يتسبب في تأثيرات ضخمة، لكن البرازيل ليست قوة عظمى حقيقية، وتهديدها إما بفرض عقوبات اقتصادية أو حتى باستخدام القوة إذا رفضت حماية الغابات المطيرة، ربما يكون حلا مطروحا على الطاولة”.