عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
عُمان لا تضع رأسها في الرمل وتتظاهر بعدم الاهتمام، بل إنها تشغل كافة حواسها لأن الحريق المرشح للاشتعال هو في جوارها وعند وسادتها وفي شريان الحياة العالمي في “مضيق هرمز” الذي يعتبر جزء منه من مسؤوليتها.. ولذا تتحرك سلطنة عُمان من خلال دبلوماسيتها النشطة التي لم تتوقف عن ادوارها العديدة وخاصة ذلك الدور الذي تميزت به وهو توظيف فائض جهدها في الانتصار للقضايا العالمية و محاولة نزع فتيل الازمات وتحديداً في المنطقة والاقليم، وحمل الرسائل وتقريب وجهات النظر والسعي بين الاطراف دون تدخل او انحياز، وإنما لتدرك تلك الاطراف مصالحها دون المزيد من العنف او الصراعات او الحاق الضرر في اطراف اخرى.
انطلقت الدبلوماسية العُمانية لتدخل مرحلة معلنة جديدة الآن حيث وصل وزير الشؤون الخارجية العُمانية يوسف بن علوي الى طهران وفي جعبته مهمة محددة ومراجعات اخرى لها علاقة بذيول و اطراف الازمة القائمة بين ايران والولايات المتحدة و اخرى ناشبة ومتفاقمة وما زالت تتفاعل وهي ازمة احتجاز طهران لسفينة بريطانية في “مضيق هرمز” كانت قد وقعت كردة فعل على احتجاز السلطات البريطانية سفينة ايرانية بالقرب من جبل طارق في البحر المتوسط.
الدبلوماسية العمانية النشطة والخبيرة تحركت نيابة عن كل الاطراف المحبة للأمن والاستقرار في المنطقة وخاصة في الخليج، وتحديدا في “مضيق هرمز” الذي يشكل قناة نقل لاكثر من 30 % من تصدير النفط العالمي.
دائما كانت مسقط تتأكد أن إطفائيتها جاهزة و أنها تسارع بما يتوفر لها لإطفاء اي حريق ناشب، اذا ما اقتضت ضرورة مصالحها، واذا ما اقتضت أيضا الرغبة الدولية التي طالما تطابقت مع الرغبة العُمانية حيث تظل المصالح العُمانية العليا دائما تنبع او تصب في المصلحة الدولية حين تحدد سلطنة عُمان اين تقف مصالحها وبالتالي تحافظ على هامش من التعاون والمبادرة.
عُمان التي تحتفل هذه الايام بمغادرتها قبل ايام للعيد التاسع والاربعين لانطلاقة نهضتها المباركة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد باتجاه العيد الخمسين القادم حيث “اليوبيل الذهبي” للسلطنة، وحيث تحتفل الدبلوماسية العُمانية بخمسين عاما على انطلاقتها الحديثة التي ترفد قرونا سابقة من دبلوماسية بنتها الامبراطورية العُمانية التي كانت تمتد في شرق افريقيا الى جنوب باكستان.
لقد راكمت هذه الدبلوماسية خبرات عميقة وكان لها مواقف يشار اليها على المستوى الدولي، وكانت تحتفظ لها بذكر في التاريخ وفي العلاقات الدولية.. فالسلطنة كانت في وقت الحرب العراقية- الايرانية وكانت في إعادة مصر للصف العربي او إعادة النظام العربي الى مصر بعد “كامب ديفيد” وسلطنة عُمان كان لها موقف مختلف من غزو الكويت في الحفاظ على خيط مع العراق، وكانت ضد حصار قطر وأبدت وجهة نظرها .. وضد اسراج خيول مجلس التعاون باتجاه معاداة ايران .. وضرورة ان تبقى الامور متوازنة في تحديد عدو الخليج ..ولها ايضا موقف لم يتخل عن قضيه الشعب الفلسطيني ولم يبخل بإسناد هذه القضية المركزية لجهة تحريك مياهها وبث الامل في ايجاد فرصة سلام فيها وقد حاولت سلطنة عٌمان متخطية الكلام الى العمل حين زار يوسف بن علوي رام الله والتقى القيادة الفلسطينية.. وأيضا حين قام الرئيس محمود عباس بزيارة مسقط، كما ظل موقف عُمان واضحا من القدس ومن حل الدولتين ودور السلطنة كان واضحا ايضا في خفض التوتر وفي ازالة الاحتقان وتأجيل ساعة الصفر واستبدالها بساعة الفرج في كثير من المواقف والمناسبات، فكانت دبلوماسية السلطنة وراء الافراج عن رهائن امريكيين وبريطانيين وفرنسيين وايرانيين وقعوا ضحايا في صراعات بدت مستمرة وبدأ أمل اطلاقهم ضعيفا. ولعل اوضح المسالك في نهج الدبلوماسية العُمانية كانت في قدرتها على إحداث اختراق كبير في صراع واسع بين الولايات المتحدة وايران حين نجحت الدبلوماسية العُمانية في توفير حاضنة محادثات بين الطرفين وحين دفعت باتجاه انجاز الاتفاق النووي المعروف (5+1) بين ايران والولايات المتحدة واطراف دولية اخرى.
إذن سلطنة عُمان التي تتواصل حيويتها اليوم وهي في عيد انطلاقتها الـ(49) ما زالت في ذروة هذه الحيوية، وما زالت تعمل على انقاذ المنطقة من مزيد من التوترات و ايجاد مساحات من التفاهمات يمكن البناء فيها وتوسيعها لحوارات تفضي الى المصالحة او حفظ المصالح.
ولعل التصريحات الايرانية الاخيرة على لسان الرئيس حسن روحاني تأتي لتسمح لمثل هذه المبادرة الجديدة العُمانية من النجاح.
حتى وإن بدت هذه المبادرة محدودة وضيقة في مجال العمل لإطلاق سراح السفينة البريطانية لأن النجاح في هذه المهمة قد يقضي إلى نجاحات أوسع لان الدبلوماسية هي في جانب من جوانبها جهد يعتمد على التراكم وزرع الثقة اكثر مما يعتمد على الصفقات السريعة أو الواسعة التي قد لا تصمد….
لقد قدمت عمان نفسها في دبلوماسية بلون مختلف وأصيل حين خرجت عن الموقف الخليجي الذي ذهب الى الحرب على سوريا او شجع ذلك ولم تكتف بالحياد الصامت بل بادرت الى إستقبال المسؤولين السوريين في الحكومة والمعارضة وقام المسؤول عن الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي بزيارة دمشق اكثر من مرة ولأكثر من هدف كلها ظلت تصب في حماية سوريا وشعبها ووحدة ترابها الوطني….
لقد نصحت الدبلوماسية العمانية جيرانها بلا استثناء في عدم الذهاب بعيدا الى حرب في اليمن لعدم جدواها وفي حقن الدماء وتحييد الشعب اليمني عن صراع المصالح الضيقة كما نصحت سلطنة عُمان نفس الاطراف وأخرى بعدم تعميق العداء بين دول الجوار الخليجي وخاصة مع ايران لأن هذا صراع لا ينتهي ولا يمكن حسمه لصالح اي طرف من الأطراف حتى لو جرى الاستعانة بكل قوى العالم ولن تجد الأطراف الخليجية إلا ضرورة العودة الى النقطة التي بدأت منها بعد ان تكون أموالها القائمة وأموال الاجيال القادمة قد بددت…
أعود إلى مهمة بن علوي في طهران والتي تقوم بهدوء كعادة العمانيين وتميزت دبلوماسيتهم بدون ضجيج او إعلام او أثارة غبار حتى إذا ما انعقد لها النجاح قامت الأطراف المستفيدة أو حتى الحاسدة بالحديث عن ذلك اخذاً بقول الشاعر:
وإذا اراد الله نشر فضيلة طويت اتاح لها لسان حسود
السلطنة تمضي ليكون العام ال 50 الذهبي محطة احتفال حقيقية متوهجة بمزيد من المساهمات العمانية على المستوى العربي والدولي…
ان ما تقوم به السلطنة من عمل إيجابي وخير وإنساني يستحق الثناء عليه وتعظيمه لأنه في “الليلة الظلماء يفتقد البدر” ولأن مصباح “ديوجين” الذي تحمله السلطنة الآن في الازمة الخليجية يأخذ أهميته القصوى كون الأطراف تنغمس في الصراع الذي تبتعد عنه عُمان بضع خطوات لتظل ترى الحقيقة وتظل تمسك بها وتساهم من خلال الانفراج رغم انها ترى انه
وَلَيسَ يَصِحّ في الأفهامِ شيءٌ إذا احتَاجَ النّهارُ إلى دَليلِ
فهل بعد دليل عجز العرب وتفرقهم وضياع أموالهم وعملهم على حفر قبورهم بأيديهم وهم يصبون الزيت على أزمة أرادتها الولايات المتحدة لصالح إسرائيل في الخليج من برهان ودليلِ!!!