من المفيد أحيانا اللجوء الى نظرة بعيدة المدى في تحليل الاقتصاد ورصد بعض المتغيرات فيه، ومع الانشغال الدائم في التفاصيل اليومية نتناسى على نحو كبير ما الذي حصل في المجتمع والاقتصاد من مستجدات، وهل هذه المتغيرات إيجابية أم سلبية، وما هي السيناريوهات العديدة التي كان يمكن ان تحصل، وكيف حصل التكيف مع التحديات التي برزت والأحداث المتلاحقة وتداعياتها.
ضمن هذا السياق اصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني دراسة شملت العديد من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية على مدى عقدين، وما تم إنجازه وأبرز التحديات الماثلة، وشملت الدراسة العديد من المتغيرات على المستوى الكلي حيث نما الاقتصاد من حوالي 6 مليارات دينار العام 2000 ليتضاعف حوالي 5 اضعاف تقريبا بنهاية العام 2018 ليبلغ 28.7 مليار دينار، ضمن نفس الفترة ارتفع عدد سكان الأردن من اقل من خمسة ملايين نسمة إلى حوالي 10 ملايين نسمة، وهي تمثل قفزة هائلة في عدد السكان، وهذه الزيادة ليست طبيعية بل نجمت بسبب تداعيات الظروف الإقليمية وخاصة ما حدث في سورية، وترتب على ذلك أعباء كبيرة تمثلت بالضغط على المرافق العامة وتراجعا في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وكذلك ارتفاعا في معدلات البطالة والتي بلغت بنهاية العام الماضي مستويات غير مسبوقة.
وخلال فترة العشرين شهد الأردن احداث الربيع العربي، انقطاع الغاز المصري، تراجع حجم المبادلات التجارية بين الأردن والعراق وسورية، وهو ما انعكس سلبا على الصادرات، كذلك شهد العالم ازمة مالية عالمية بدأت في العام 2008 نجم عنها تراجع في مستويات النمو، حيث كانت معدلات نمو الناتج قبل تلك الفترة تزيد على 6 في المائة بالأسعار الحقيقية، في حين ان معدل النمو في الفترة اللاحقة لم يتجاوز بالمعدل 2 في المائة، وبمقارنة مستوى النمو على طول فترة الدراسة مع بقية دول العالم ودول المنطقة يتضح ان أداء الأردن كان بالمتوسط افضل من الكثير من الدول.
الدراسة أيضا أظهرت احدى المشاكل الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد والمتمثلة بضعف الطلب المحلي، وعزت ذلك الى تدني مستويات الأجور، فوفقا لبيانات مؤسسة الضمان الاجتماعي، فإن نسبة من يتقاضون رواتب دون 300 دينار شهريا تبلغ حوالي 24 في المائة، في حين ان النسبة الأكبر والبالغة حوالي 40 في المائة تقع ضمن شريحة ما بين 301-500 دينار شهريا، وهذا المستوى من الدخول لا يساهم بتعزيز الطلب المحلي او الانتقال فيه الى مراحل جديدة لتنويع الطلب على المنتجات. وهناك ضرورة لربط مستويات الأجور بالإنتاجية على المدى الطويل لإحداث النقلة المطلوبة في الاقتصاد وزيادة فرصة تحسين المدخرات التي يمكن ان تمول الاستثمار.
المسألة الأخرى المهمة في جانب التحديات تتمثل بالثقة في المؤسسات العامة، حيث انه وباستثناء الثقة في الأجهزة العسكرية والأمنية، فإن معظم المسوحات والدراسات تظهر تراجعا في مستويات الثقة بمؤسسة البرلمان والحكومة على حد سواء مما يجعل وضع السياسات العامة وتنفيذها مسألة غاية في الصعوبة.
ان المراجعة بعيدة المدى للأداء الاقتصادي والنظر بموضوعية واجراء المقارنات مع عدد من دول العالم تتضمن تقييما مبدئيا يخرج من دائرة الانشغال بالتفاصيل الصغيرة ويظهر حقيقة ما تم إنجازه وما هي التحديات الماثلة حتى الآن.
ابراهيم سيف يكتب …الاقتصاد الأردني في عقدين
9
المقالة السابقة