عروبة الاخباري – كتب سلطان الحطاب
في الساعة المكثفة التي أمضيتها في ضيافته لأهديه بعض كتبي, عرفت منه الكثير وقدمت رأياً ….. كان السفير الكويتي الذي مضى على عمله في المملكة اقل من سنه قد أدرك من المعرفة بالأوضاع الأردنية وحتى بالأسماء والشخصيات دقائق الأمور وتفاصيلها بأكثر ممن أدركه ممن سبقوه وامضوا كامل مدتهم التي استغرقت عدة سنوات…. عنده قدره على الاستماع يفتقر اليها كثير من السفراء وخاصة من العرب “المعجوقين” بمسائل خاصة أو لا يعلمها إلا هم…. السفير عزيز الديحاني وصل عمان وبدأ منذ اللحظة الأولى من عمله لتنشيط العلاقات الكويتية الأردنية التي كانت بحاجه إلى دفع دبلوماسي وخدماتي توفره السفارة ليصل إلى مستوى العلاقة الفائقة والمميزة على مستوى القائدين والزعيمين الكويتي والأردني…. صاحب السمو الامير صباح جابر الاحمد والملك عبد الله الثاني….
ينسج السفير العارف بطبيعة العلاقة على منوال الموروث العميق لهذه العلاقة التي ظلت دائما تستند إلى تصورات مشتركة….
الخبرات التي يتمتع بها السفير الديحاني منوعة وهي ذات طابع دولي وعربي (مندوب الكويت بالجامعة العربية) وسفير في أكثر من بلد عربي وحتى صاحب صلة قوية بالقصر الأميري بموقع القرار فيه…
ونتاج للمراهنة الدائمة على دوره وجهده، ولذا خصه صاحب الولاية أن تكون المملكة الأردنية موقع سفارته….
نعم يستطيع السفراء ان يطوروا العلاقات وينشطوها بين بلدانهم وسفاراتهم ويستطيعوا ان يصنعوا مبادرات قد لا يفكر فيها القادة او قد لا تخطر على بالهم او قد لا تكون في أولوياتهم… ويستطيعون ان يقربوا البعيد وان يعيدوا الى حد كبير تشكيل العلاقات وإعادة إنتاجها…
ولأنني صديق للكويت ومحب لقيادته وكنت على معرفة بسفرائه بفضل السفير العماني الأسبق المميز الصديق مسلم البرعمي فقد ربطتني بهم وبسفراء مجلس التعاون الخليجي الآخرين من الذين مرت فترة سابقة كانوا على درجة من التميز…
فانني أستطيع أن أقول أن الفترة القصيرة الماضية من عمر سفارة الديحاني كانت فاعلة على المستوى الرسمي لدور السفارة وعلى المستوى الشعبي حيث يبقي السفير الأبواب مفتوحة والإجابات متوفرة والحيوية متدفقة… لقد عادت السفارة الآن إلى الواجهة بعد ان لمعت جهود السفير الديحاني الذي دفع بها إلى الأمام وأعاد ترميم الكثير من الجوانب ورتب الأولويات وحرّض طاقم السفارة على العمل الجاد والمثمر معيداً توصيف المهام ومؤكداً على ضرورة الإنجاز وانفاذ خطة وضعها بعد وصوله….لم أكن أعرف سعادة السفير قبل ان لقيته في مناسبة وفّر انعقادها الصديق ابو محمد “جمال الصرايرة” نائب رئيس الوزراء السابق ورئيس مجلس إدارة شركة البوتاس حاليا حين دعا خريجي جامعة الكويت من الأردنيين و هم زملاؤه فللذي لا يعرف فإن الصرايرة هو خريج جامعة الكويت في تخصص اللغة الانجليزية وآدابها…. لقد جاء من المدعويين اكثر من أربعين شخصية أردنية متخرجة من الكويت واكثر من نصفهم من حملة الدكتوراة ومعظمهم في درجة بروفيسور موزعين على الجامعات الأردنية وقدّ عدٌ الصرايرة أربعة منهم كانوا أوائل المملكة في سنوات السبعينيات…
وفي السبعينيات من القرن الماضي كان الأردن يخص مبعوثيه المتفوقين على مستوى المملكة في الثانوية العامة بأن يرسلهم الى جامعة الكويت حتى تشكل هذا السرب من الأكاديميين المميزين في عدة حقول….
كانت مفاجأة السفير الذي أولم الصرايرة على شرفه وبحضور زملاء الدراسة في الكويت في منزله في مؤتة على مرمى حجر من ضريح جعفر بن ابي طالب ان للكويت سفراء من المواطنين الأردنيين يفوقون عدد السفراء في المملكة وأنهم كلهم يلهجون باسم البلد الذي احتضنهم ووفر لهم البعثات والرعاية وحتى العمل إلى أن اكتمل مشوار الكثيرين منهم فحملوا خبراتهم المميزة وعادوا ليشكلوا قيادات أكاديمية وإدارية مميزة….
بعض الحاضرين على الغداء المميز الذي أقامه الوزير الصرايرة ألقوا كلمات جميلة مؤثرة ولو أتيح للجميع لتحدثوا في حين تحدث السفير عن العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد قدم جملة من المواقف والمعطيات وتوقف على عديد من المحطات وكشف عن دور اخوي عميق ليس بحاجة ان يُشرح مؤكداً ان ما تقوم به الكويت إزاء الأردن وقيادته وشعبه هو واجب لا منّة فيه…. وأن الكويت كانت دائما في مقدمة دعم الأشقاء العرب والوقوف الى جانب قضاياهم وخاصة قضية فلسطين التي تميزت الكويت بمواقف واضحة فيها…
احد الحاضرين علق بعد كلمة السفير بما قدمته الكويت من استثمارات بالمليارات في المملكة ما زالت قائمة وعن حجم العطاء الذي مارسته وما زالت….
يعود الوهج مجدداً لسفارة الكويت ولدورها ويتزامن ذلك مع الانتقال للمبنى الجديد جوار رئاسة الوزراء والذي أعيد تأهيله ليليق بأن يحتضن سفارة الكويت….
لقد ودعّت السفارة زمن البطء والتأجيل والانشغال عن القضايا الأساسية كما ودعت مرحلة الشخصنة والشعارات إلى مرحلة العمل على الأرض وإعادة ربط الخيوط لتكون الكويت من خلال سفارتها في المنزلة التي تليق بها وحتى تكون قادرة على ترجمة محبة الأردنيين للكويت وقيادتها…
لست في هذا الصدد ارغب في الحديث عن مواقف الكويت العربية والقومية وخاصة إزاء القضية الفلسطينية فذلك ملموس ومؤكد لدرجة أن بعض الكويتيين قالوا “انهم في مواقفهم فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين” ومن يتابع ذلك يجد أن القيادة الكويتية ممثلة بسمو الأمير أمسكت على مبادئها ومواقفها الناصعة ورفضت أشكالاً من الضغوط التي تتالت على الكويت وحاولت أن تنال من حيادها إزاء الصراعات العربية البينية…
لقد نذرت حكمة الأمير صباح جابر الصباح نفسها. للسعي في التوافق والمصالحات العربية العربية وفي انتشال دول مجلس التعاون مما آلت إليه أوضاع المجلس في أعقاب خلاف بعض دوله مع قطر, ولولا مسارعة دور سمو الأمير عبر مجلس التعاون وخارجه وعبر محافل دولية هامة لانتزاع فتيل صراع كان يمكن ان يؤدي الى صدامات وحرائق لا يعرف مداها إلا الله…. كما لعب الأمير دور في تسكين خلاف إماراتي عماني سعى الى إطفاء توتره بأسلوب هادئ إضافة إلى اختراقات نوعية في العلاقات الكويتية مع كثير من دول المنطقة والإقليم فالأمير زار طهران واعاد تقييم العلاقة وكسر الهيمنة الغربية وانفتح على الصين اقتصاديا…وزار العراق وطوى صفحة سوداء ليدرك الشعبان الكويتي والعراقي أنهما امتداد حضاري مشترك…. كما صمتت الكويت وابعدت يدها لتظل نظيفة عن الصراع في سوريا وكذلك فعلت مع اليمن وكان موقف الأمير يشبه موقف “زرقاء اليمامة” حين غلبّ البصيرة على البصر…. وموقف “الهرم بن سنان” حكيم العرب الذي اوقف حرب داحس والغبراء فمدحه الشاعر زهير بن ابي سلمي على موقفه وكان أيضاً قد تمثل قول الشاعر الذي عاتبه قبيلته حين نصحهم فلم يستمعوا…
أَمَرْتُهُمُ أَمْرِى بمُنعَرَجِ اللِّوَى … فلم يَسْتبِينُوا الرُّشدَ إِلا ضُحَى الغد
اليوم تتجلى الحكمة الكويتية وتصطف الكويت مع مصالح أمتها وتطلعات شعبها وتمسك على مواقفها المكلفة إمساك الكف على الحجر لا تعبأ بابتزاز او تهديد وانما تمضي لحمل نفس الرسالة التى حملها أمراؤها وشيوخها الذين كانوا جذر حكام المنطقة على طول الساحل الذي كان يسمى ساحل عمان…
كنت أُذكر سعادة السفير بأننا فتحنا عيوننا على صحف الكويت القومية وعلى أحزابها وشخصياتها عميقة الفكر العربي وعلى مجلة العربي التي جعلت الثقافة في متناول الجميع حين كانت العربي تباع بأقل من دولار وحين شكلت مدرسة للفكر والصحافة والتنوير ….
يعترف بعض العرب ويجحد بعضهم الدور الكويتي المبكر في مساعدة دول الخليج في مجالات التعليم والصحة والرعاية ومد يد العون كون الكويت استثمرت النفط مبكراً ووفرت بنية للعمل حيث استقطبت في وقت مبكر من الخمسينات آلاف الفلسطينيين والعرب …
لا اريد أن استطرد أكثر لأنني سأعود الى موضوعات عديدة توقفت عن كتابتها حين كانت السفارة لا تشارك في القراءة او الكتابة او الإسهام في التنوير بالعلاقه بين البلدين بما يكفي اما وقد عادت الآن لتبرز صورة الكويت الأصيلة فإن ما نكتبه سيكون مقدمة لما يأتي كون السفير يشكل إضافة نوعية في الثقافة والاعلام والأدب والعلاقات مكنني من اكتشافها كما قلت مُحب الكويت وخريج جامعتها صديقي جمال الصرايرة…!!!