عروبة الاخباري – كتب سلطان الحطاب
يقول الرئيس محمود عباس:(حتى عام 1970 لم أكن أعرف وغيري كثيرون أن نسبة اليهود القادمين إلى إسرائيل من الدول العربية لا تقل عن 70 % من سكانها وهذا يدلك على أن الدول العربية هي التي أهدت الكيان الصهيوني معظم مواطنيه وهي التي اثثت الكيان الصهيوني الناشئ والمغتصب لأرض فلسطين بالسكان لتقوم إسرائيل في قلب العالم العربي)..
لماذا تفعل الدول العربية ذلك؟ هل عن “جهل أم وعي أم تآمر” ؟ خاصة وان اليهود العرب أجبر أكثرهم على الرحيل من بلدانهم العربية إلى إسرائيل بالإكراه واستعملت ضدهم وسائل عديدة ابتكرتها الحركة الصهيونية لتكون هذه الوسائل مشاريع نفذتها الحركة أو أوكلت لأنظمة عربية تنفيذها بعلم أو بدون علم.. ففي احد النماذج لترحيل اليهود المغاربة إلى فلسطين وابتزازهم قامت الحركة الصهيونية بتتبع رحلة لطالبات يهوديات مغربيات إلى فرنسا.. فلما وصلن جرى اختطافهن وابتزاز أهليهن والضغط عليهم بأنهن لن يعدن إلا إذا هاجرت عائلاتهن إلى إسرائيل وتركوا المغرب, وقد تكررت مثل هذه الأعمال بأشكال مختلفة وبوسائل ابتزاز أيضاً..
ففي العراق على سبيل المثال أوعزت الحركة الصهيونية لمن يلقي قنابل وأدوات حارقه على متاجر اليهود العراقيين في بغداد وغيرها ومن يحرض على قتلهم و نشرت الخبر لينتشر الرعب والخوف في أوساط الأقلية اليهودية التي تعرضت للخطر، واضطر الكثير من أفرادها للهجرة وخاصة إلى إسرائيل… وفي مصر وقعت عملية نافون التي خطط لها ” إسحاق شامير” والذي أصبح فيما بعد رئيسا لوزراء إسرائيل حيث جرى إحداث مجموعة من التفجيرات في القاهرة ومدن مصرية أخرى عام 1954 في عديد من المكاتب لترحيل يهود مصر..
كانت إسرائيل تشجع الهجرة وتجعلها من أولوياتها حين تزامنت الهجرة مع بناء المستوطنات وكانت آنذاك تقبل المهاجرين من اليهود الشرقيين والمدنيين “السفارديم” قبل أن يبدأ هؤلاء بالمعاناة في إسرائيل نتيجة التهميش والاضطهاد والتمييز ضدهم عرقيا ولون البشرة والتشكيك في يهوديتهم وولائهم للدولة العبرية ،وأيضا بما كان يعتمل في نفوس كثير من اليهود البيض الاشكنايزيم…الذين تدفقوا على إسرائيل وقد حملوا أفكاراً عنصرية وقاسية ونازية عبروا عنها في عمليات قتل منظمة ضد اليهود السود وخاصة من الفلاشا… وأخر عملياتهم قتل الشاب “سلمون تيكا” الذي لم يصل عمره العشرين عاما..
إسرائيل التي كانت بحاجة إلى اليهود الشرقيين لإثبات دعاواها أنها دولة لكل اليهود حسب ما تدعيه تضيق ذرعا الآن باليهود الشرقيين والفلاشا وغيرهم لأنها تريد هوية بيضاء لمواطنيها من الاشكنايزيم…
ولدوافع عنصرية جرى إسكان اليهود العرب والشرقيين والفلاشا على الحدود وفي مناطق صعبة وأحياء فقيرة مهمشة وأنشأت لهم مستعمرات خاصة وجرى عزلهم عن غيرهم ووضعوا في مواجهة العرب من سكان فلسطين التي احتلت عام 1948. وعام 1967 بشكل تدريجي وإيهام هؤلاء اليهود المميز ضدهم أن العرب ينافسونهم في أعمالهم الرثة والسوداء وأنهم يشكلون مخاطر على مستقبلهم…
وهذه الممارسات انكشفت أخيرا في سلسلة من عمليات التمييز الصهيونية ضد الفلاشا واليهود والشرقيين وكان نموذجها في قتل الشاب اليهودي الأثيوبي “سلمون تيكا” الذي أكد قتله على عنصرية الدولة الإسرائيلية التي تدعي أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وفي بحر الدكتاتوريات العربية، وهذه ما ظلت إسرائيل تسعى إلى تأكيده دون أن يحاسبها العالم على التمييز ضد مواطنيها العرب في إسرائيل والمقيمين في مدنهم وقراهم أو يحاسبها على التمييز ضد الشعب الفلسطيني تحت احتلالها خاصة وهي تحاصر أكثر من مليونين فلسطيني في قطاع غزة لمدة زادت عن 12 سنة….
تسقط اليوم الديمقراطية الإسرائيلية ويسقط عنها القناع الذي لم يكشف عنه النظام العربي ولم يسقطه بل أسقطه اليهود المظلومين أنفسهم من الشرقيين والفلاشا وسط صمت عربي مريب لوسائل الإعلام العربية التي تكتفي بنقل الخبر عن الوكالات الأجنبية.وعن الدول الصديقة لإسرائيل في حين نرى الفضائيات العربية تملئ الفضاء العربي كله وهي تقود حروبا إعلامية بينية عربية دون كلل أو ملل …
فالفضائيات العربية التي تغطي الصراعات العربية – العربية التي فتتت البلدان العربية وحرقت الأمن القومي العربي تصمت صمت القبور، أو ترش الرماد في العيون حين يتعلق الأمر بالتركيبة الداخلية الإسرائيلية، ويدخل النظام العربي إلى التطبيع مع إسرائيل ونقل أخبار ديمقراطيتها و انتخاباتها ويغطي ذلك لكنه يتغاضى عن الصراعات الداخلية والعنصرية المغيبة عنه التي تمارسها إسرائيل…
يقول المفكر محمود عباس رئيس دولة فلسطين في واحد من كتبه التي لم تنشر بعنوان ” الله لا يسامحكم ظلمتونا وظلمتوهم” عن اضطهاد اليهود الشرقيين في إسرائيل واقتلاعهم من بلدانهم ومدنهم ومصالحهم : “انه في عام 1949 جرى تهجير خمسين ألف يهودي من اليمن ولم يكونوا يعرفون إلى أين يسافرون والطائرات الأميركية TWA” ” تسير الرحلات المستعجلة بين مطار “صنعاء” ومطار “اللد” وسميت العملية في حينه عملية “بساط الريح” وتكررت في نقل يهود الفلاشا في التسعينات من القرن الماضي باسم “جناح الحمامة” …
وفي عام “2/3/1950” يقول الرئيس عباس:(وبالتواطؤ بين الحكومة البريطانية ونور السعيد تم اقتلاع 150 ألف يهودي عراقي بحجج مختلفة) …
وكانت الطائرات العراقية الناقلة بحراسة جنود عراقيين تتكفل بتسيير مئات الرحلات بين مطار بغداد ومطار حيفا …
وسميت العملية ب “علي بابا” وكان عدد المنقولين من يهود اليمن والعراق يعادل ثلث سكان إسرائيل عام 1948 واستمرت العمليات من بلدان أخرى أيضا ليصل العدد إلى أكثر من ستمائة ألف نسمة جاءوا من سوريا ولبنان ومصر وليبيا وتونس وقد بلغت الجالية اليهودية من المغرب أكبر الجاليات اليهودية في إسرائيل …
والمستحضَرون بالآلاف من الهند وروسيا وأغلبهم مسلمين ومسيحيين استغلتهم إسرائيل وهي تراهن على تهويدهم حين يتوزعون على أحزابها السياسية اليمينية لترضي بهم قادة تلك الأحزاب في صراع غربي شرقي… لا ينتهي ولكنه حسم أخيرا لصالح البيض الفرنسيين الاشكنايزيم..
لا مجال للتوسع في هذا الموضوع الذي نؤلف فيه الأطروحات، لكن الدافع للكتابة فيه هو ما آلت إليه اوضاع اليهود الفلاشا الاثيوبيين الذين تدعي التقارير الصحية الإسرائيلية انهم مصابون بالإيدز بنسبة هائلة تكبد موازنات الدولية لمعالجتهم ملايين الدولارات، وانهم مشكوك في ديانتهم وان كان غير مشكوك فيه يهوديتهم لانسلاخهم عن اليهودية ودخولهم الى المسيحية في اثيوبيا ثم لأنهم يتناقضون مع المجتمع الاسرائيلي الحاكم الذي يمارس عليهم عنصرية أبشع من عنصرية البيض في جنوب افريقيا قبل استقلال تلك الدولة وطرد المستعمرين البيض….
يشكل اليهود الشرقيون والسود من الفلاشا وغيرهم قنبلة موقوتة في مجتمع عنصري سيأكل بعضهم البعض، خاصة بعد صعود اليمين الى السلطة وبعد الممارسات النازية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في اوضح مظهر مارسته إسرائيل في حصار غزة….
والمحير كيف يصمت اعلام النظام العربي عن التناقضات البارزة والواضحة في المجتمع الاسرائيلي و لا يتحدث عنها وعن امكانية تحريكها خاصة وان اسرائيل منذ ان قامت وهي تعزف على اوتار التفرق العربي..
وتقسم المجتمعات العربية طائفيا واثنياً وتُحرض اطرافاً على أخرى وتوالى أطرافا وتحتوي أخرى أو تصادمها، فهي ضد شيعة حزب الله ومع شيعة أخرى ومع سنة في مكان وضد سنة في دولة أخرى وهي تتعامل مع طوائف لها امتداد في فلسطين، فهي تُميز وتجند الدروز والبدو وتحارب المسلمين وهكذا، ولأن الصراع منوع ومتعدد في أشكاله فلا بد من دراسة المجتمع الإسرائيلي من الداخل، فإسرائيل ليست كتلة واحدة ولا “قلم قايم” وإنما تكوينات فسيفسائية فيها كثير من الهشاشة والصراع الكامن الذي قد يغطى بعوامل قمعية أمنية أو اقتصادية احتوائية..
والغريب أن العالم العربي يفتقر إلى مراكز دراسات معنية بالشأن الإسرائيلي و بتركيبة المجتمع الإسرائيلي، ولا يجري تعليم العبرية في العالم العربي،ولقراءة إسرائيل قراءة متخصصة لمعرفة نقاط القوة من الضعف، في حين أحصيت أكثر من “22” مركز دراسات متخصصة في إسرائيل للعالم العربي ولمختلف دولة وطوائفه واثنياته وعاداته وتقاليده وتاريخه وميوله، وكيفية تجنيد واستمالة العملاء مستفيدين من معاهدات السلام ومن التطبيع ومن التفاهمات الأمنية ومن العلاقات مع الأنظمة العربية الرسمية التي تفتح المجالات لإسرائيل بشكل بدأ يتزايد.
حان الوقت لإدراك أن إسرائيل يمكن أن تكون ضعيفة وهشّة في تراكيبها الاجتماعية بغض النظر عن قوتها العسكرية ويمكن أن تكون ” كبيت العنكبوت ” وأن الضعف ليس مقتصرا على النظام العربي ودولة التي تعبث إسرائيل بأمنها وتهددها وتعقد معها الصفقات.
ما وقع من صدامات مع اليهود السود الفلاشا الإثيوبيين هي مؤشرات ورؤوس خيوط يمكن الإمساك بها والبدء في غزلها لمعرفة كيف يمكن أن تلوى اليد الإسرائيلية العدوانية ووقف عبثها وتصفية احتلالها…
إن العودة الى قراءة ما كتبه وما صرح به الرئيس محمود عباس عن هذا الجزء من الصراع ضروري جداً لمعرفة الوجه الآخر من إسرائيل ومعرفة كيف يمكن التعامل معها بالقطعة وليس “قلم قايم”!!