عجبتُ لأمر بعض دول الخليج العربية، تُعطي ولا تأخذ، تُضحي بأموال شعوبها دون مقابل، تدفع المليارات لتخوض حروبا لا قبل لها بها ثم تستغيث بغيرها لينجدها، تفتح أراضيها للامتيازات والتسهيلات للدول الكبرى لتحميها، وفوق ذلك يدفعون الجزية لـ”حاميهم” عن يد وهم صاغرون، يشترون الأسلحة لتخزينها، أو لتهديد جيرانهم، دول كريمة تُنعش اقتصاد الولايات المتحدة والغرب ذوات الموارد الضخمة والمتعددة، بينما تُغرق نفسها في مستنقع الكساد الاقتصادي والديون وهي المعتمدة على المورد الواحد..! فأي كرم حاتميّ هذا؟!
تضع العراقيل أمام شعوبها، وتفرض الضرائب عليهم، وتضيّق الخناق على رقابهم، ثم تطالبهم بأن يصمتوا وأن لا يعبّروا عن سخطهم، وبدلا من محاصرة العدو الحقيقي والتاريخي لهم يقومون بمحاصرة جيرانهم، ويطلق إعلامهم أبواق تسب وتشتم إخوانهم، ويوعزون لهؤلاء بتوسيع الشقة والفرقة بين شعوب دولهم المسالمين في الأصل، دول غريبة ترسل استخباراتها وأسلحتها لخوض حروب لا ناقة لها فيها ولا جمل، حكومات تدّعي الإصلاح، وهي عاجزة عن إصلاح نفسها، تعمل ليل نهار على حبك المؤامرات والدسائس- التي هي في غنى عنها- لزرع الفتنة في دول عربية أخرى، وتعتقد بأنّها دول عظمى، ذات قدرات هائلة، وهي لا تقدر حتى عن الدفاع عن حدودها!!
لو أنّ بعضًا من دول الخليج فطنت إلى قدراتها، ونقاط قوتها، واستغلّت أوراقها الرابحة مثل النفط والموقع الاستراتيجي وغير ذلك من هبّات سماويّة لما تجرأت عليها الدول، ولما أصبحت أضحوكة في فم الزمن، ولو أنّها تعاملت مع الدول الكبرى بمبدأ المنافع المشتركة لتغيّرت المعادلة، ولعرف الغرب أنّ لدى هذه الدول الصغيرة عزة وكرامة وطنية لا يمكن المساومة عليها، ولو أنّها استغلت أموال النفط في تطوير قدراتها، وتعزيز اقتصادها، وعملت حسابًا لليوم الأسود لكانت اليوم في حال أفضل.
لو أنّ هذه الدول تركت المغامرات الصبيانية والبطولات الكرتونية بعيدا، وأقامت علاقات مشتركة قائمة على المصالح المشتركة مع جيرانها لكانت اليوم في خير حال، ولو أنها بنت جيشها الوطني وزودته بالعدد والعتاد لأصبح سدا منيعا لها في الظروف الحالكة، ولما احتاجت للهاث خلف دول أخرى لحمايتها، والتي تقوم باستنزاف مواردها واستغلال خوفها من (العدو) القريب، بينما يقبع العدو الحقيقي هناك في البعيد، يتربص بها الدوائر، ويحلبها كما يحلب الراعي الشاة!!
لو أنّ مجلس التعاون الخليجي عمل على استثمار القاعدة الشعبية ولبّى متطلبات شعوب دوله، ولو أنّ بعض أعضائه ابتعدوا عن لعب دور الهيمنة والوصاية على الآخرين، ولو عرفت هذه الدول أنّ مصلحتها القومية الكبرى تقوم على تعزيز وتكامل الجهود والخدمات لما وصل بها الحال إلى ما هي عليه اليوم، حيث تحدق بها الأخطار من كل جانب، وأصبحت كالفريسة المحاطة بالضباع والذئاب كل يريد افتراسها، وهي تولول بالويل والثبور وعظائم الأمور، بينما يمر الزمن والفرص من بين يديها وهي تنظر بحسرة إلى ما فرطت به في أيام عزها الغابرة.
دول الخليج تعيش حالة صراع وجودي بين فكي كماشة، بين رحمة أمريكا، ومخالب إيران، وهي في الوسط لا حول لها ولا قوة، تتمسك بالقش وسط بحر متلاطم وهادر، وتعوّل على الغريب الذي يبتزها، ويمنّ عليها حمايته لها، ويموّل جيشه بأموالها، بينما يدفع المواطن من قوت يومه ثمن سياسات انفعالية عمياء، ومغامرات لا آخر لها.
إنّ العالم يحترم العدو القوي أكثر من تقديره للصديق الضعيف المتخاذل، وستظهر قريبا حجم المؤامرة التي تحاك لهذه الأوطان بيدها، وبيد عدوها وصديقها معا، وكل شيء يهون في سبيل “صفقة القرن” وأمن إسرائيل:
ستبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلا/ ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزودِ.