عروبة الإخباري – تستعد روسيا للتوقيع على اتفاق مع الحكومة السورية يقضي باستئجار ميناء طرطوس لـ 49 عامًا، قابلًا للتمديد، وهو ما يعد ”نصرًا إسترتيجيًا“ لموسكو التي سعت دائمًا إلى إيجاد موطئ قدم لها، طويل الأمد، في المياه الدافئة.
ورغم أن روسيا هي أكبر دول العالم مساحة، تمتد من شرق أوروبا إلى أقصى شرق آسيا، لكن هذه البلاد القارية الضخمة عانت من ”لعنة الجغرافيا“ التي لم تمنح لها سوى البحار المغلقة أو المياه المتجمدة، فكان الحلم الذي راود قادتها وزعماءها منذ حقبة القياصرة وصولًا إلى الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، هو الوصول إلى البحار المفتوحة والمياه الدافئة.
وضمن هذا السياق يمكن فهم الموقف الروسي الصلب إزاء التعاطي مع الملف السوري، فقد وضعت موسكو كل ثقلها العسكري والسياسي من أجل حماية نظام حليف لها في الشرق الأوسط، هو النظام السوري، ساعية إلى هدفها الإستراتيجي، الوشيك التحقيق، بحسب خبراء.
ويرى خبراء، أن روسيا التي وقفت بكل قوتها إلى جانب النظام السوري، تتطلع الآن إلى قبض ثمن الفاتورة، خاصة أن العمليات القتالية الكبرى قد هدأت، بعد 8 سنوات من المعارك الدامية، وحان الوقت للحصول على المكافأة.
ومع أن الحديث عن التغلغل الروسي في الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي لها الرئيس السوري بشار الأسد، واستحواذ روسيا على ميناء طرطوس، ليس جديدًا، غير أن دخول الاتفاق حيز التنفيذ، بشكل رسمي، هو الجديد في هذا الملف، وهو ما كشفت عنه روسيا.
ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن يوري بوريسوف، نائب رئيس الوزراء الروسي قوله، السبت، إنه ”من المنتظر أن توقع روسيا قريبًا عقدًا لاستئجار ميناء طرطوس من سوريا“، مشيرًا إلى أن بلاده ”تأمل أن يتم التوقيع في غضون أسبوع“.
وكان البرلمان الروسي صادق في 2017 على اتفاق مع دمشق لترسيخ وجود روسيا في سوريا ولتمهيد الطريق أمام وجود عسكري دائم في قواعد بحرية وجوية هناك.
وسبق أن وقع الجانبان السوري والروسي اتفاقية العام 2017، حول توسيع مركز الإمداد المادي والتقني للأسطول الحربي الروسي في طرطوس، وحول دخول السفن الحربية الروسية للمياه الإقليمية، والمياه الداخلية، والموانئ السورية.
وتقضي بنود الاتقافية بشأن طرطوس أن تكون سارية لمدة 49 عامًا، يتم تمديدها تلقائيًا لمدة تبلغ 25 عامًا، إلا في حال إبلاغ أحد الطرفين للآخر، قبل عام من انتهاء مدة الاتفاقية، عن قراره وقف سريانها.
وتعطي الاتفاقية الحق للجانب الروسي، شريطة التنسيق مع الجانب السوري، بإجراء عمليات الترميم والتطوير وإعادة الإعمار والهدم للمنشآت التي يستخدمها، والقيام بعمليات بناء في الأراضي التي يشغلها الميناء، وبناء مراسٍ عائمة، وإجراء عمليات تعميق القاع.
واللافت أن وسائل الإعلام السورية الرسمية، تحدثت عن لقاء بوريسوف مع الرئيس السوري بشار الأسد، لكنها لم تذكر ميناء طرطوس في تقاريرها، وهو ما يشير إلى حساسية هذا الملف الذي يمس السيادة السورية، بحسب نشطاء.
وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية، السبت، أن ”الأسد التقى بوريسوف لمناقشة التجارة والتعاون الاقتصادي، خاصة في قطاعات الطاقة، والصناعة، وزيادة التبادل التجاري“، من دون أية ذكر لميناء طرطوس الذي يعد القاعدة البحرية الروسية الوحيدة في البحر المتوسط.
وشهدت العلاقات الاقتصادية السورية، الروسية تطورًا كبيرًا شمل مختلف القطاعات والحقول، بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا 2015، الأمر الذي قلب موازين القوى لصالح النظام السوري.
وكانت تقارير سابقة نقلت عن مسؤولين في البحرية الروسية قولهم عن وجود نوايا روسية بإعادة بناء ميناء طرطوس وتطويره ليَتمكن من إيواء سفن حربية ضخمة لا تسطيع الرسو فيها بحجمها الحالي.
وأضاف مسؤولو البحرية الروسية، أنه يُمكن لميناء طرطوس أن يكون مركزًا للطرادات ذات الصواريخ الموجَّهة مستقبلًا أو حتى لحاملات الطائرات.
واعتادت روسيا منذ حقبة الحرب الباردة الاحتفاظ بقطع بحرية في البحر المتوسط، لكن لا توجد أي قاعدة عسكرية يُمكن أن ترسو فيها هذه القطع سوى ميناء طرطوس، الذي بات يشكل رمزًا للنفوذ الروسي في سوريا والشرق الأوسط.
ومع اقتراب التوقيع على اتفاق استئجار ميناء طرطوس، يرى خبراء أن روسيا كسبت وجودًا طويل الأمد في المنطقة بما يضمن ألا تكون القطع البحرية الروسية مثل ”البراميل العائمة“، كما كان يصفها عسكريون روس إبان الحرب الباردة، حينما كانت الأساطيل الروسية لا تجد قواعد ترسو فيها خاصة في المتوسط، على عكس القواعد الأمريكية المنتشرة في كل مكان.