عروبة الاخباري – كتب سلطان الحطاب
لا داعي للكلام الكثير أو المحاججة فشركة الفوسفات التي تعثرت وارتطمت بالأرض وكتب البعض نعيها حين نزفت خسائر كبيرة تعود اليوم لتربح في حالة اقرب للخيال …كيف؟
كيف تسنى لنفر هم أعضاء مجلس الإدارة بتقدمهم رئيس المجلس الذي حّرض الإدارة التنفيذية على المزيد من العمل وتغيير العتبات أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه وان يزفوا أمس خبر توزيع أرباح بنسبة 20% وقد تحدّوا كل موجات التشكيك والرطانة وكل أشكال الدس والإشاعات ليعلنوا أن القادم افضل وانه سيحمل أرباحا مضاعفة وان الفوسفات قد خرجت من الوهن إلى الحياة بعزيمة جديدة وإيمان راسخ بقدرتها على أن تعود واحدة من أعمدة الاقتصاد الوطني الذي كانت تشكل فيه رافعة أساس …
لا يملك الدكتور محمد الذنيبات ومجموعته في مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية عصا سحرية, ولا خاتم سليمان, ولا حجر الفلاسفة الذي كانوا يعتقدون انه يحول المعادن الخسيسة إلى ثمينة, ولكنه جاء وهو يحمل أملا وإرادة ويترجم إحساسا وطنيا حين وقف امام شركة “واقعة” وبدل أن يخاف الفشل الذي يودي به وبسمعته “شمر عن ساعده” ومضى, وقد عزل نفسه عن أشياء كثيرة إلا عن الشركة التي قلبّها ذات الشمال وذات اليمين وعاين واستمع وفتش وصمت وتعلم إلى أن وجدناه أمس خبيراً لا يُشق له غبار, لدية اجوبة على اسئلة موغلة في التخصص والخبرة فلقد خاض نقاشات مُعجزة على مدار ثلاث ساعات كان اشبه فيها بأبي”علي الجبائي المعتزلي” أمام مناوئيه في امتحان ومحنة إحياء الفوسفات حتى اولئك الذين ادمنوا الصيد وانتظروا الفشل بفارغ الصبر اعادوا موضعة ارائهم وامتدحوا أعمال إدارة الذنيبات فالشمس لا تغطى بغربال وال 20% ارباحا موزعة لم تأت كقرض بنكي وإنما كفائض ربحي وهناك ما يعادلها ويزيد بقيت ادخاراً محسوباً ومرصوداً..
كنت من الذين استمعوا لوعده حين جاء للشركة قبل عامين واعترف أنني اشفقت عليه من الوضع المتهاوي ومن اولئك الذين ما زالوا يرون في الشركة ضرعاً يواصلون رضعه دون أن يهمهم مآلاتها وضعفها وقلة انتاجيتها فكانوا فيها وعليها “كالقراد على البقر” ولأنه درس الإدارة والاقتصاد فقد ادرك أن “الاقتصاد في النفقة نصف الموازنة” ولذا عمد إلى ضغط النفقات في الإنتاج وفي الإدارة وواجه ضغوطا وفتاوى وفلسفات وحجج تقول “إنا وجدنا اباءنا على هذا”.. ولكنه لم يُعر أذنه لكل الذرائع وراح يكشف بهدوء عن مواقع الخلل وعن خطايا التلزيم الذي اصاب مشاريع هامة حين كانت فلسفة التلزيم المخالفة لكل شرائع الاقتصاد الحديث وما زال معمولاً بها بالملايين رغم أنها تدخل إلى مرحلة الكفر ان زادت عن مائة آلف دينار !!
كشف ذنيبات أن الخسائر الحقيقية متكونة من ثلاثة أرقام من درجة المليون حين قال أنها (444) مليوناً وليس كما جاءت مخففة على السنة رواة ظلوا يعتقدون بمعالجة السرطان بالاسبرين , لقد داهم أرقام الخسائر وكشفها ولم يهيل عليها تراب الفوسفات ليحجبها أو يرحلها لمن سيأتي من بعده …
لقد احترمت فيه أمس ثناءه على كل الإدارات السابقة التي لم ينل من عملها بل وجد لها اعذاراً مختلفة سواء لجهة السوق أو الاسعار, ولم يذكرها إلا بالخير حين قال أنها “بذلت جهودها وعملت على كل ما تستطيع “وقال:”أننا توقفنا عند كثير من الاتفاقيات السابقة والعقود وما احسسنا أن فيه خلل احتكمنا لهيئة النزاهة والمكافحة “!!
لقد وضع الذنيبات أمس المساهمين في الصورة التفصيلية لما حدث وبشفافية وحتى في المفاوضات مع بعض المقاولين الذين الزمهم بإعادة عشرين مليون دينار للشركة وهي اموال جرى التفاوض عليها واخيرا اقرار الجهات التي جرى مطالبتها بها وقد عادت كما ذكر على شكل عقارات منقولة وغير منقولة واموال وان الشركة بصدد بيعها لأنها لا تريد الاحتفاظ بها كونها لا ترغب في احتراف أعمال ليست لها وقد طالب على ذلك موافقة الهيئة العامة للمساهمين …
أمس انهارت صفوف المشككين بالتوالي خاصة ممن اعتقدوا أن رئيس مجلس الإدارة لن يزيد في الفوسفات إلا ديونا ولن يتمكن من انتشالها أو وقف النزيف الذي ضربها منذ أكثر من عشر سنوات ” فقد بهت الذين كفروا حين لقفت عصاه ما صنعوا !!”
اعتقد أن تجربة الفوسفات في السنتين الاخيرتين لا بد أن تدرس وان تجري إضاءتها فقد راهنت على هذه الإدارة حين كتبت عنها في المرة السابقة وقد نقدني بعض اصدقائي واعتبروني قد غامرت بسمعة قلمي حين دافعت عن شركة عليها علامات استفهام ولكنني اليوم اكسب الرهان واحظي بمزيد من التأييد والتشجيع من نقابات العمال وممثليهم في الفوسفات وبمن انضم إلى موقفي من المتفائلين فواجب الإعلامي أن يحتفي بالنجاح وأيضا وأن لا يكون همه فقط النقد وتصيد الزلل والخطأ كما يذهب بعض الإعلاميين ..
نحتفي بعودة الفوسفات إلى نادي الشركات الرابحة في زمن صعب نحتاج فيه إلى من يبشر بأي انتعاش اقتصادي إمام موجه عاتية من البطالة تزيد عن 30% فها هو مشوار اشعال الشموع يتفوق على لعن الظلام وإذا كنا نحتفي الآن بأرقام الفوسفات الجديدة التي أثمرت فاننا أيضا لا بد أن نذكر أن هذه والشركة وفي كل مراحل مدّها وجزرها ظلت تحمل آلاف العائلات حين كانت تُشغل معيليها وتحفظ كرامتهم بالعمل خاصة في جنوب أردننا العزيز وقد ذكرّنا نقيب العاملين في الفوسفات النائب خالد الفناطسة بمقولة خالدة للراحل عبد الوهاب المجالي الذي نقل الفوسفات إلى حالة مؤسسية عندما سُئل أين الأرباح؟ فقال:” اسألوني أولا كم تُعيل هذه الشركة من الأردنيين وكيف نحافظ على حياة كريمة لهم أولا ثم اسالوا بعد ذلك عن الارباح ” ..
إذن هذا نهج جديد يشد فيه الذنيبات الاحزمة ويواصل الإقلاع ويجتث الترهل ويضيء المناطق العتمة التي قد تنبت فيها طحالب الانتفاع غير الشرعي .
هذا النهج الجديد يستثني العمال ولا يقترب من امتيازاتهم بل يكرسها ويحافظ عليها حتى وهو أي رئيس المجلس يضع سلالم وتصورات جديدة للتشغيل والتوظيف على أسس جديدة مختلفة تقوم على التدريب والتأهيل والكفاءة والاستفادة من التعليم المهني والدراسة المتوسطة غير الجامعية إذ يعمد الآن إلى الاستفادة من هذه الفئات لتكون الذرائع الفنية والمهنية في الشركة ومما يحفظ قدرتها على ضبط الانفاق وتوخي الاستفادة من كل موظف , فقد انتهى عند الذنيبات زمن التكسب والاعالة غير المبررة فالشركة التي كانت تغطي بطالة مقنعة بلغت حوالي (7) آلاف منتفع هي الآن لا تصل إلى (3) آلاف مستخدم ..
وقد اشعلت فيهم الإدارة حافزية العمل واعادت تعريف دور العامل والفني والمدير على قاعدة الثواب والعقاب وعلى قاعدة هذه شركتكم وعليكم الانتصار لها ..
أحصنة الفوسفات الآن تتلقى قطعة السكر لتواصل الركض بعد أن ادركت الفوز وذاقت حلاوته!! ..
لم تعد الفوسفات اليوم بقرة واقعة تتناوبها السكاكين وتتحول إلى مادة للخطابة البرلمانية واروقة الاتهامات أنها تخرج مرة أخرى لتشرح للناس ..للمساهمين عن طول غيابها وعن مرحلة كادت أن تدفن فيها وهي حيّة إلى أن سُخر لها من أبناء هذا الوطن من أقال عثرتها, واصبحت تعطي بدل أن تأخذ وهي تجلس الآن في موقع الربح بدل الخسارة وفي مرحلة الانطلاق الذي ازعم انه لن يتوقف وسيعود للشركة ألقها التاريخي ودورها, فقد ادركت إدارتها انها “لا تستسمن الورم” ولم تعد راغبة أن تبيع التراب الخام الذي له منافسة شديدة, ويعتمد على الكم المزعج وليس الكيف النوعي, حين توجهت هذه الإدارة لتعيش عصر الثورة الصناعية الرابعة وتدعو إلى تصنيع المشتقات والتوسع فيها والدخول في شراكات عالمية تستشرف العصر وتستفيد من خبرات الدول المتقدمة..
لقد أخذت فرصتك يا ذنيبات وها أنت تنجح وما زالت الطريق طويلة أمامك. إذ أن ما قطعته في رحلة الألف ميل ما زال متواضعا خاصة اذا احتسبنا الإرادة والإدارة الكفوءة والقوى البشرية الأردنية القادرة التي لا يعوزها إلا التمكين والانطلاقة والحفز.
الفوسفات في مجالها الان تقدم نموذجا جديدا لكل الشركات المتعثرة وترد على دعاة الخصخصة وعدم الخصخصة لتكسر الحلقة وتقول : “ليس المشكلة في الخصخصة أو عدمها”, فلو أن ادارتنا اشتغلت جيدا لما احتجنا إلى الخصخصة أما وقد حصلت فإن الرهان هو على المضي على طريق الإنتاج وبعد ذلك تنتهي الأعذار وتغيب التصنيفات الواهمة .. ونمتلك نوذجاً جديدا قدمته إدارة الفوسفات دون أن تشغل نفسها في الجدل أو تبكي على ما مضى!!!.
شركة الفوسفات …ولادة جديدة !!
14
المقالة السابقة