فيما قيل وسيقال في صفقة القرن بأنها ستنهي المشروع الوطني الفلسطيني وتؤبد الاحتلال على فلسطين التاريخية، وتؤسس للدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، وهي جزء من خطة الحركة الصهيونية في السيطرة على الشعوب العربية وتحويلها إلى عبيد لخدمتها، هو جزء من حقيقة أكبر تتعلق بقدرة الحركة الصهيونية في تهيئة الظروف واستخدام الضعف العربي والفلسطيني لصالحها، وأيضا قدرتها على تسخير كل التناقضات السياسية والعرقية والدينية والاثنية من أجل الدفع باتجاه تفوق “الدولة اليهودية” الناشئة لقيادة الاقليم بحكم أنها نموذجا حديثا يمتلك كل المقومات ليكون القائد المسيطر على المنطقة ولاحقا يمكن لها أن تقود العالم وتُحكم سيطرتها عليه.
ويبقى السؤال الأهم وهو: أمام هذه الحقيقية ماذا نحن فاعلون؟، اذا ما امتنعنا عن الإجابة أو تجاهلناها سنكون نحن الفلسطينيون أول الخاسرين، وإذا ما اجبنا إجاباتنا المعتادة وهي أن الشعب الفلسطيني قادر على اسقاط كل المؤامرات فنحن أيضا الخاسرون لأن وضعنا الحالي لا يسمح بأن نكون سدا منيعا امام الطوفان القادم، فنحن لم نعد فقط منقسمون سياسيا وجغرافيا بل وصلنا إلى حالة متقدمة من الشرذمة وتغليب المصالح الفئوية والشللية المقيتة على المصالح الوطنية، وأصبحنا في انغلاقنا على ذواتنا أكثر من مناطقيون وعشائريون بل فرديون أنانيون في تفكرينا وتصرفاتنا، وهذا يقود حتما إلى الهاوية التي ليس لها قاع.
علينا أن نقف أمام ذواتنا ونتحلى بالشجاعة اللازمة للإجابة على سؤال: ماذا نحن فاعلون؟، لأنه السؤال الأهم، السؤال الذي يعرينا أفرادا وجماعات، لم نعد قادرين على الاجابة لأننا فقدنا كل مقومات الفعل وأصبحنا، في أحسن الاحوال، نتعامل بردات الفعل، ولا أريد القول بأننا أصبحنا نضع رؤوسنا في الرمل حتى لا نرى ما يدور حولنا من انهيار شامل في السياسية والاقتصاد والاجتماع والثقافة وفي كافة مناحي الحياة الأخرى، اصبحنا مفعول ليس لأننا نريد ذلك بل لأنه لم يعد لدينا القدرة على الفعل الجماعي بسبب حالة الانقسام والتشرذم التي يجب أن تنتهي قبل فوات الأوان.
نتنياهو استثمر الظرف الفلسطيني والعربي والاقليمي والعالمي لصالح “دولة الاحتلال” واستطاع أن يًحكِم سيطرته على القدس ويتنزع اعترافا بأنها عاصمة “إسرائيل” واستطاع أن يتنزع اعترافا أمريكيا أيضا بأن الجولان جزء من “أرض إسرائيل” ويعمل الآن وبكل أريحية على بسط السيادة “الإسرائيلية” على المستعمرات المقامة على الأرض المحتلة عام 1967، كمقدمة لانتزاع اعتراف بأن فلسطين التاريخية هي أرض “إسرائيل”، ويجول طولا وعرضا في البلاد العربية لتطبيع العلاقات معها متجاوزا الحقوق الفلسطينية، وهناك تطبيع، سري وعلني، من قبل بعض الأنظمة العربية مما يُنذر بما هو أسوء لقضيتنا الوطنية أولا ولمستقبل الشعوب العربية ثانيا.
وعودة إلى سؤال: ماذا نحن فاعلون؟، فإن الإجابة تبدأ من الاعتراف بأن إنهاء الانقسام هو ضرورة وليس خيارا لأن الوحدة هي حجر الارتكاز في مواجهة “صفقة القرن” وفي حماية المشروع الوطني، وهذا يتطلب وضع كل خلافاتنا جانبا وتوظيف كل تناقضاتنا الداخلية وتوجيهها نحو التناقض الأساسي والرئيسي مع دولة الاحتلال، نحن بحاجة إلى الاتفاق على أسس العمل الجمعي المشترك، نحن بحاجة إلى حوار وطني شامل دون اشتراطات أو افتراضات، حوار مفتوح بين الكل الفلسطيني دون التمسك بالشكليات، نحن بحاجة إلى تغليب المصالح العامة على المصالح الفردية والفئوية، نحن بحاجة إلى إعادة روح التكافل بين الفلسطينيين أفرادا وجماعات، وإعادة ثقافة المقاومة لآنها الطريق الوحيد لانتزاع الحقوق.