عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –
رغم أن معالي وزير النقل الأسبق مالك حداد لا يمتهن السياسة من خلال حزب ، ولا يمتهن الكتابة وإنما ظل يدير شركة نقل ناجحة “جت” مكنته من المشاركة الواسعة التي رغب فيها خلافا للكثيرين الذين لم يغادروا حدود شركاتهم وأبعاد تقاريرها السنوية من الربح والخسارة والحرص على ذلك ، فقد عمل حداد ليرتقي بعمله المهني أولا وبناء شبكة علاقات واسعة مع كتاب وصحفيين وسياسيين وأكاديميين ومسؤولين ، وظل قريبا من التفكير الرسمي بل وأحد أبرز الأشخاص الذين ساندوا هذا التفكير عمليا من خلال دوره ، ولقد ظللنا نرى قراراته الإدارية ومواقفه العملية تنهض في الأزمات التي يواجهها بلدنا ففي كل أزمة تستوجب الفزعة أو العون أو الاستجابة السريعة كنا نرى معاليه يتصدر من يصلوا أولا، ومن يضع امكانيات شركة جت في الخدمة الوطنية حتى غدت الشركة من خلال قيادته موقع ثقة ونموذجا لما تصنعه الإدارة من عمل متقن.
الصديق مالك حداد والذي تكونت لديه خبرات ممتدة وعميقة في العمل العام يطرح أفكار بين حين وآخر وهذه الأفكار التي لا تستهدف التلميع أو لفت النظر، تأتي ناضجة لتصيب في إطار العمل العام، وكثيرا ما تأتي لتجيب على أسئلة متزاحمة أو على حالة ساخنة يعوزها التفكير فترد على طرح أو ترود وتؤسس لطرح جديد..
كان الوزير حداد من قبل قد قدم حلولا لمعضلة النقل العام في البلاد من خلال تجربته العميقة في هذا المجال وتقديمه للنموذج الافضل فيه، ولكن عمره القصير في الوزارة لم يتح له أن يعبر عما ظل يراه، وما ظل يقدمه، ولا يبخل به حتى وهو خارج إطار العمل الرسمي.
الجهات العربية المعنية بالنقل التقطت تفكير الوزير حداد وقدرته ليشغل بذلك موقع رئيس قطاع النقل العربي بكافة انماطه، وأعيد انتخابه في ايار من العام 2018 رئيسا لمجلس ادارة الاتحاد العربي للنقل البري لولاية جديدة لمدة اربعة سنوات.
وبالتالي المساهمة على المستوى العربي بحلول ناجحة ولما كان الوزير في الأصل منصبا سياسيا، ولما كانت الإدارة الناجحة ثمرة من ثمار السياسة الناجحة التي تظل كافة النشاطات ، فالسياسة ليست فن كلام فقط وليست رطانة وعبارات ما يجب وما ينبغي بل إنها مشاريع وأفكار ورؤى ومواقف واضحة وجمل يمكن إعرابها . ولذا نجد الوزير حداد يطرح أفكارا عملية تتخطى الرؤية الإدارية المحضة في مجاله لتصل إلى فكرة .
أردت اليوم أن اعلق عليها بعد أن قرأتها في تغريدة مهمة له مفادها دعوة سريعة من جانبه وفي عبارات مقتضبة كعادته حين يكتب ليقول: “أنه يدعو إلى حوار مجتمعي حول عدة قضايا مصيرية أصبحت تهدد مجتمعنا الأردني الواحد كي نصل إلى ثوابت نهتدي بها مستقبلا”.
دعوة مالك حداد قد لا تكون اكتشافا ارخميديسيا ولكنها تأتي كالدواء حين المرض لا قبله ولا من بعده ، ولكن لعلاجه وبوصفة متقنة يحدد مقاديرها وطبيعتها حتى لا ينصح الدعوة ردة فعل غاضبة أو شماتة وادعاء الحكمة بأثر رجعي.
حداد يرى في “البرشامة” أو الروشيتة أو الوصفة لمن يريدون العربية الفصحى التي أميل إليها أنها أي -حالة الحوار- هي وسيلة تحدد في مضامينها حين تسري كأفكار وتتجسد كخطوات عملية وقرارات يجمع عليها المجتمع ويقوم بإنفاذها هي من تحدد مستقبل الوطن بالكامل.
ويرى حداد أن هذا الحوار يجب أن يكون له إطار يجمعه ومرجعيات تصونه ، ولا يجب أن نضعه في موقع اللغو أو الرطانة أو جلد الذات أو محاولة التخلص من الشعور بالإثم إن لم نقل ، فالقول ليس غاية في حد ذاته ولا يجوز أن يكون كذلك وإنما القول الذي يأخذ شكل الحوار لا بد أن تكون له مضامين واصلة وجهات تأخذ به ولا تركنه في الملفات أو على الرفوف وإنما يسبقها الايمان بذلك والحاجة إلى ذلك..
ومالك الذي لا يريد للحوار أن يصب في قربة مخزوقة أو نعود إلى تبديده كما فعلنا من قبل في العديد من المحطات التي دعونا فيها إلى الحوار ولم يثمر ولا حتى في أهم محطاته وهي الأجندة الوطنية, ومن قبل أهل العزم والأردن أولا وحتى الميثاق الوطني أو هيئة الحوار الوطني وغير ذلك الكثير من المحطات …
دعوة حداد لا بد أن تلتقطها الأحزاب والمنظمات المدنية وكل من يعنيه الحوار وهي دعوة تأتي بهدوء لتمس أوضاعاً ساخنة بل وملتهبة ولذا يريده أي الحوار أن يكون مدعوماً من الجهات الرسمية ليمر عبر أجواء من الحرية والمكاشفة وهو يريد الرسمية للحوار لأنه يريده أن يصل ويثمر ويريد له الغطاء الشرعي (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) وهو يريده حواراً هادئاً مدروساً غير منفعل أو قائم من ردة فعل صاخبة حتى لا يكون مؤسساً على ممارسة التخوين و الترهيب والابتزاز والاملاءات, ولعل فكرة الحوار التي أطلقها حداد تستند فيما أرى إلى كلمة جلالة الملك الأخيرة في الزرقاء والتي أعاد فيها تعريف الموقع الأردني من القضية الفلسطينية وهو تعريف مكرر جاء للرد على موجة الاتهامية والتخوين والترهيب والاملاءات ويرى حداد أن دوائر الحوار ومجالاته وإطاراته لا بد أن تتوسع لتشمل كافة القوى والمنظمات والشخصيات العامة , وان تشارك كل هذه الأطراف بما ترى في حرية كاملة , وان يتاح لأفكارها أن تنشر ويعبر عنها عبر وسائل الإعلام كافة وخاصة الرسمية التي عليها أن تغادر امتهان الحوار الرسمي وان تتبع حواراً فيه رأي ولا يقدم رأياً أخر أو يغيب عنه الرأي في الأساس ليحل محله الرأي الأخر لكل ما يشوبه من اتهامية واشاعية وشعبوية وخلط للأوراق والسماح بدخول غبار يزيد في خطورته عن الحاجة الهامة للتنفس حين فتح النوافذ.
إذن دعوة حداد هي لكل أطياف المجتمع التي تعاني من مشاكل وقضايا عديدة تمس كل شرائح المجتمع بلا استثناء كل شريحة حسب أولوياتها وان يضمن لها جميعها التعبير عن مشاكلها في محاولة لإيجاد الحلول لها, وان تعمد الجهة الرسمية التي لا بد أن يجري الحوار في حاضنتها إلى عدم استثناء احد وان لا تقرر من الذي يحضر ومن الذي لا يحضر أو من الذي يتكلم باسم تلك الجهة أو من الذي لا يتكلم بل يترك لكل تلك الجهات أن تمثل نفسها بمن تريد وتشاء وان تعبر عن أرائها خدمة لمصالحها التي تتجانس مع المصلحة الوطنية العليا التي يقررها الدستور والمجتمع كله وليس جهة معنية حتى وان كانت رسمية .
لقد ظل الحوار المؤسس على النخبوية والانتقائية والإقصاء للبعض من الكل حواراً عقيماً دفعنا ثمنه وحان الوقت لرفع اليد عن مسارات الحوار وطرقه وطريقة اختيار المتحاورين والاكتفاء الرسمي بتوفير مناخات الحوار ومظلته ورعايته وقبوله نتائجه ووجوب الاخذ بها وادراجها في القرارات التشريعية والقانونية .
مالك قال ما عليه وعلى الآخرين أن يقولوا:”ويظل هاجسنا مثله محبة الوطن وخدمته وقول الحق له وفي سبيله”…