سعت دولة الاحتلال ومنذ اقامتها على أنقاض المجتمع الفلسطيني إلى ضرب وتخريب كل المقومات المحتملة لإعادة ترميم ما خلفته نكبة العام 1948 وما تلاها، وكانت واعية تماما لضرورة ربط الفلسطيني باقتصادها لما لهذا الأمر من أهمية كبيرة وأساسية في استدامة احتلالها، وادامة تبعية الفلسطيني في كل شؤون حياته لها لأن هذا يمكنها من التحكم بالمصير السياسي ورسم “الحلول” التي تخدم استراتيجيتها في جعل الفلسطيني مجرد ادة لخدمة مشروعها في إقامة “الدولة اليهودية” من النيل إلى الفرات.
واجه الشعب الفلسطيني ولا يزال هذه السياسة وشكلت تجربة الانتفاضة الأولى عام 1987، في مقاطعة الاحتلال بكل مفرداته وبناء الاقتصاديات المحلية أو ما سُمي في حينه “اقتصاد الحاكورة” نموذجا مهما في قدرة المجتمع الفلسطيني على خلق البدائل لمنتوجات الاحتلال لا بل أيضا تحميل اقتصاد الاحتلال خسائر جراء المقاطعة الشعبية لمنتجاته، وكان الالتفاف الجماهيري حول مقاطعة الاحتلال حالة وطنية وذراع من أذرع المقاومة المُكلفة للاحتلال.
الآن وبعد تبدل الظروف والتوسع والتطور الذي حصل على الاقتصاد الفلسطيني منذ توقيع اتفاقية أوسلو وانتشار ثقافة الاستهلاك في أوساط المجتمع الفلسطيني، واهمال قطاع الزارعة نتيجة عوامل عديدة واحدة منها سياسات الاحتلال وممارساته، وزيادة ارتباط المنشآت الاقتصادية الفلسطينية بالاقتصاد الإسرائيلي بحكم أن معظم المواد الأولية التي تستخدمها في الصناعة يتم استيرادها من دولة الاحتلال مباشرة أو عِبرها، ولا يوجد هناك سر في القول بأن هناك مشاريع اقتصادية مشتركة يتم انشاؤها سرا وعلانية، وايضا هناك وكلاء فلسطينيين لمنتوجات الاحتلال، وهناك شراء لعقول الشباب الفلسطيني في مجال التكنلوجيا وتوظيفها في شركاته وتسخيرها لخدمة أهدافه، الآن أصبح من الضروري والمُلح وضع سياسات واتخاذ اجراءات وتدابير لا تحمي فقط المجتمع الفلسطيني من تبعات الاحتلال الاقتصادي بل أيضا تجابه هذا الاحتلال وتحمِله خسائر مادية وتدفعه للتراجع، وهذا الامر لا بد له أن يكون كأداة نضالية وواجب وطني وأخلاقي علينا جميعا أن نسعى إلى نشره وتعميمه.
شكلت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) نموذجا نضاليا سلميا ببعد محلي وعالمي، ونجحت في خلق ثقافة لدى الشعوب وبعض المؤسسات الرسمية في العديد من دول العالم لمقاطعة دولة الاحتلال سياسيا واقتصاديا واكاديميا وثقافيا، ولا زالت تعمل من أجل زيادة هذه المقاطعة مما جعل دولة الاحتلال تعتبرها من أكثر الحركات التي تشكل خطرا عليها. هذا النموذج الأولى لنا كفلسطينيين نعيش في الأرض المحتلة عام 1967، أن نقتدي به فنحن الاقدر، في حال أن التزمنا في مقاطعة دولة الاحتلال اقتصاديا، أن نوجعها ونكبدها خسائر اقتصادية ليست بقليلة.
هناك العديد من المبادرات والاجسام التي تعمل على تعميم ثقافة المقاطعة داخل المجتمع الفلسطيني، ولا شك بأن عملها لغاية الآن، ورغم أهميته، ليس له تأثير كبير على تغيير الثقافة المجتمعية، وهذا له أسباب عديدة منها ضعف ثقة المواطن بالمنتوج المحلي من حيث السعر والجودة، بالإضافة إلى قلة وعي المواطن أحيانا بتأثير المقاطعة على اقتصاد الاحتلال، وضعف تعاون أو عدم استجابة بعض المؤسسات والشركات والمنشآت الاقتصادية لدعوات المقاطعة، وتفضيلها زيادة أرباحها على المسؤولية الوطنية والاخلاقية الواجبة عليها.
لا شك بأن الانفكاك عن اقتصاد دولة الاحتلال ليس بالأمر السهل وهو ينتهي بانتهاء الاحتلال وهذه حقيقة لا يمكن اغفالها، ولكن وفي ذات الوقت علينا جميعا واجب أن نقلل من اعتمادنا على اقتصاد دولة الاحتلال إلى الحد الأدنى وهذا الأمر يبدأ بتضافر الجهود الحكومية مع القطاع الخاص بأذرعه من اتحادات ومنتديات وغرف تجارية وصناعية وزراعية، والتي من واجبها العمل بشكل أكثر فاعلية وتأثير لخلق واقع اقتصادي مقاوم، وثقافة رافضة لمنتوجات الاحتلال.
علينا أن نستثمر مهرجانات التسوق ومعارض المنتوجات الوطنية لاستعادة ثقافة المقاومة ولتعزيز ثقة المواطن بالمنتج الوطني، وتعريف المواطن بالعلاقة اللصيقة ما بين دعم المنتج الوطني والتخفيف من حدة البطالة وتشغيل الأيدي العاملة الذي في جانب منه يُحمل دولة الاحتلال خسائر مادية ليست بقليلة ويخفف من حاجة الأيدي العاملة إلى السوق الإسرائيلي لاستيعابها في ظروف قد تصل أحيانا إلى حد الاستعباد وما يحمله هذا من مخاطر كبيرة على العمال وأسرهم.
لنجعل مهرجانات التسوق ومعارض المنتجات الوطنية ليس فقط مناسبات ترويجية بل أيضا مدارس وساحات نضالية ضد الاحتلال ومنتجاته، ولنجعل زيارتها والمشاركة بها أداة من أدوات نضال الشعب الفلسطيني في تحصيل حقوقه المشروعة، ولنرفع ضمن شعارتها شعار نرفض التطبيع الاقتصادي، ونرفض السلام الاقتصادي، الاقتصاد أداة نضال ووسيلة مُكملة وداعمة للنضال الوطني وصولا إلى الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية.