عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
ما رأيت وجه أبو حسن العيسوي بشوشا متهللا كما رأيته ساعة الاحتفال بمناسبة المئوية وشرعية الانجاز والتي عقد لها احتفالا الوزير السابق حازم قشوع ، أما الرئيس الرزاز فقد أخرج من جيبه أوراقه ثم أخذ شهيقا مريحا وزفيرا محدودا وتوجه إلى المنصة ليقدم كلاما أعجب الجمهور وقد لحق هذا الكلام كلام آخر أعجبني شخصيا من فيصل الفايز رئيس مجلس الأمة الذي يزداد بهجة حين يتكلم عن الملك والهاشميين ، فقد أنجز في هذه السيرة طويلا والتقط منها الحكمة والموعظة الحسنة ، وأخذ الأردنيين إلى قناعاته وهو يدرك أن الناس لا تساق إلى الجنة بسلاسل ولكنه كان يراهن على جيل ترتبط قناعاته بالأردن الجديد المعتمد على نفسه وهو القائل دائما بلدنا “مرزوقة” .. وقد ظل يؤكد حين كان في بيت الأردنيين موصلا للرسائل الملكية ومستقبلا لها في ذلك الزمن الجميل (وما أنا إلا رسول أمين) حتى لا يحمّل نفسه فوق طاقتها أو يحمّل أحدا جميلة حين تمتد يد ملوك الهاشميين بالخير.
أعود إلى حازم قشوع الذي أراد أن يضيء شمعة للمناسبة تبدد أي ظلام يمكن أن يصيب العيون ويشير إلى النهج والبوصلة في كتاب جميل حضرنا إطلاقه وتسميته ليحمل في دفتيه الرؤية الملكية في أبهى تجلياتها وهي الاوراق الملكية التي وصفت بالنقاشية ووصفت بصفات أخرى لكنها في النهاية رؤية ملكية وهي ثمرة سيرة وتجربة ورؤية ومعاينة..
قشوع دق صدره وتحمل الوزر بارتياح وزر التقييم والنقد الذي لم يوفره فقد تخصصت مجموعة تطلق الاتهامات على كل من رفع الاذان بالانجاز وعظم الفعل الأردني وربطه بأصحابه .. قلنا له وهو حزين من كيل الاتهامات الظالمة والنقد الجائر يا حازم “إتق شر من أحسنت إليه”.. ويا نار النقد كوني بردا وسلاما.
ولعل معالي رئيس الديوان الملكي أكد له ذلك أيضا.. فالذي يريد ان يسير في المقدمة يطعنه مشككون .
فرحة الانجاز في اللقاء الذي أقامه حازم قشوع في الفندق الذي شهد قمة عربية ذات يوم وهي قمة الوفاق والاتفاق أطفأت كل تشكيك ولمعت وما زالت تلمع لتدعو في عام المئوية هذه الكثيرين ليقيموا للمناسبة احتفالات مختلفة الاشكال ومتعددة الوسائل.. فهذا النموذج الذي قدمه حازم قشوع بحشد يزيد عن خمسمائة شخص في الفندق ننقل سمعهم ومشاهداتهم بين كلمات وفيلم وثائقي وشعر وغناء وحضور فرق من وزارة الثقافة ومن الاذاعة والتلفزيون .. كلهم لهجوا باسم الملك عبدالله الثاني .. وبالانجاز الأردني وتذكروا مثل تلك المناسبات التي غابت أو تكاد تغيب للانصراف غير المبرر عنها..
هذه عمان إذن عاصمة الهاشميين التي تحمل رايتهم راية المملكة الرابعة أطلقت صافرة بدء الاحتفالات بالمئوية في هذا الاحتفال المهيب.
نعم كان احتفالا شعبيا لم يقتصر على نوع أو فئة أو عمر بل تنوع ما بين أهل العاصمة والأرياف والقرى والمخيمات والبادية .. كان خليطا ونموذجا لما يمثله الأردن والأردنيين الذين انصهروا في بوتقة الانجاز ليضيفوا المكون الأساس لمكونات الدولة الأردنية التي امتلكت الشرعية الدينية والتاريخية والحضارية لتتوج بشرعية الانجاز وتتحول إلى قلعة صامدة أمام رياح السموم وعواصف الصحراء ، فكانت ثغرا وحصنا لا يؤتى من قبلها وقد اختارت أن تكون على حد الصحراء كما قال ياقوت الحموي عنها..
تلى علينا حازم قشوع مضمونا جميلا عن الأوراق الملكية التي قرأها وفسر أركانها وضرب الأمثلة فيها وعليها وأعرب جملها ولم يورد أن فيها جملة معترضة أو غير قابلة للأعراب أو غير معجمة ، ورأى فيها برنامجا سياسيا كاملا لـ (58) مبادرة ملكية نوعية في كل المجالات وموزعة على خمسة محطات منها الحكومة البرلمانية وما هي وكيف تكون؟ وكيف يمكن أيضا تعزيز المجتمع المدني؟ وما حجم المجتمع المدني القائم وكيف ندفعه لمزيد من التكامل والمشاركة ووضع الكتف إلى جانب الروافع السياسية الأخرى وتطوير هذا المجتمع ليحمل الحداثة ويبشر بالدولة المدنية ويحصن من الردة أو الانقلاب على الانجازات الماثلة.
دعا حازم من خلال الأوراق النقاشية الملكية أن نبصر أهتمامها بالتعليم والتعلم المعرفي وأن يجري الاستفادة من التوجهات الملكية المتكررة في هذا المجال والتي انبثقت عنها لجان وهيئات ومنصات وأشكال عديدة استهدفت اصلاح التعليم ودفعه ليكون مثمرا في الاقتصاد والاجتماع والوعي الوطني وتعزيز الروابط والوحدة الوطنية .
وجلى حازم في قراءته النصية ما رمت إليه الأوراق عن تعزيز النهج الإداري لصناعة المركزية القادرة على ايصال عوائد التنمية وجعلها مستدامة وتحقيق مقولة ملوك الهاشميين “الانسان أغلى ما نملك” فمنه التنمية وإليه تعود..
إذن لنغادر الاقتصاد الريعي ونغادر انتظار المساعدات ونذهب إلى ساحة النزال في الاعتماد على النفس والأخذ بناصية الاقتصاد الانتاجي وتعظيمه بالمعرفة ونجعل لاقتصادنا علامات فارقة تميزه عن غيره وتظهره بالبصمة الأردنية الى جانب البصمات العالمية وقد قيل هذا هو الأردن وهذه هي صناعته وابداعاته وتجلياته.
نعم كل ذلك لا بد أن ينبت في حقل الديمقراطية وهي الولودة الودودة ووسيلة التطوير والشراكة والرافعة الحقيقية للأمن الوطني .. قالها الدكتور حازم بلا مواربة فالرهان هو على التجربة الديمقراطية وصقلها وبلورتها وزراعتها وتعهدها وهي غضة إلى أن تكبر وتثمر وعلينا أن نتحمل المشوار في الصبر عليها والصبر من أجلها.
وحين تحدث الدكتور حازم بالعامية ذات المضمون الغزير كان يريد للشحنة أن تكون على مستوى (3 فاز) فالعامية المثقفة سالكة حين تُحمّل بمضامين جادة وقد تمكن أن يقدم من خلالها عرضا جذابا لفت الانتباه وقد أدرك الحاضرون انه يقدم برنامجا وطنيا متكاملا ومنقذا وقابلا للتطبيق ومتعاملا مع الواقع ومجيبا على أسئلة هذا الواقع وخاصة تلك الأسئلة التي ظلت معلقة وبرسم أن تتنزل إجاباتها في برنامج يشارك فيه الأردنيون ..
كنت أرى الرئيس الرزاز وكأنه يدون ملاحظات هامة فقد دخل الدكتور حازم قشوع إلى زوايا عديدة وكشف غطاءات مختلفة ورجع إلى نقاط التقاط أولى وأساسية ظل يجري القفز عنها رغم أهميتها الكبرى…
نعم اعتقد ان حازم قدم برنامجا فوق حكومي تناول قضايا عديدة للدولة وبين ان الرحلة تستطيع ان تدرك اهدافها طالما ان الراحلة قوية والفارس طموح ..
نعم هذه المسيرة لا تخشى شيئا ولا تخاف من التشكيك وهي صامدة حتى في زمن التكالب والإنكار والجحود وهي مشتبكة مع الواقع ومتطلعة لتغييره لجهة الوصول إلى بر الأمان رغم التحديات والعقبات والمشاكل وانصراف ذوي القربى عن حق الأردنيين عليهم ..
نعم يستطيع الفارس القائد كما قال حازم ان يمضي وتسجل له الشجاعة ان خيله لم تجفل ولم تعد ولم تكبو كما قال المتنبي في خيل سيف الدولة :
وفارس الخيل من خفت فوقرها ……في الدرب والدم في أعطافها دفع ..
وهنا لا بد أن يكون الحديث عن درع الوطن وقواته المسلحة وأجهزته وقد أفرد لها حازم في كلامه الذي استند إلى الأوراق النقاشية مساحات من الكتابة ليضمن للمؤسسة العسكرية والأمنية ما تستحق من ثناء في هذه المسيرة فقد بقيت طاهرة السلاح وفية محترفة لا تزاحم أحداً ولا تنال من حرية أحد التزم الدستور واخذ بالقانون …
نعم توقف الاحتفال في كلماته عند خصائص هذه الدولة الرائدة والتي لن يلهيها عن رسالتها تجارة أو نقد وتجريح بل سيظل سيفها بالحق يلمع وحجتها بالحكمة تظلل المسيرة، فلقد ظلت الحكمة ضالتها …وظل العدل فيها أساس الملك وإلا لما بلغت المائة لتنطلق في شباب المئوية الثانية وقد جربت أشكال التعامل مع التحديات فكانت ناعمة في أهلها ومواطنيها وقدمت تعبيرات على ذلك وإشارات واضحة حين دخلنا الربيع العربي ورسم الأردنيون ربيعهم،وقد تعامل القائد الفنان معه بأسلوب الحرص والمحبة فسقت الشرطة المواطنين الماء البارد في الصيف تخفيفاً عن المعاناة وتضامنا مع المطالب اخذاً بقول الراحل الحسين :” الجرح الحي يؤلم ” وتحقيقا لرغبة الملك عبد الله الثاني..
وقد نقل حازم ما سمعه عن الملك عبدالله الثاني من توقه للمشاركة في الدوار الرابع حين رأيناه يطالب بالضغط من تحت ليقوم جلالته بالضغط من فوق إلى أن تتحقق المطالب، كما رأيناه يمتدح أفعال الشباب الوطني المخلص ويلاقيهم في منتصف الطريق يستمع لمطالبهم ويتحسس ألامهم وأمالهم ..
نعم كانت القيادة ناعمة في الداخل. خشنة حين تطلب الأمر احمرار العيون وامتطاء السلاح لردع الإرهاب على حدودنا وإرسال الرسائل لداعش وغيرها جلية واضحة ترد الصاع صاعين لنكون شركاء حقيقيين شهد لنا الداني والقاصي كيف كنا رقما لا يجري تجاوزه في الأدبيات الدولية، وما تقول به منابرها من ثناء على الأردن ودوره ، وها نحن نصمد امام تحديات اقليمية عسفت بالكثيرين وقد نالنا الكثير منها ، معتمدين على إيمان مطلق وعلى شرعية قائمة في الإنجاز ومزروعة في التاريخ وتحمل رسالة الإسلام نقيه ومعبر عنها في رسالة عمان ..
نعم نعرف التحديات وقد قلنا نعم للقدس عربية مسلمة ولا لتهويدها وضمها وما زلنا نقول وامسكنا على هذا الموقف إمساك المؤمن على الجمر بيديه، ورأينا ان اسناد اخواننا الفلسطينيين هو بالدعوة والعمل من أجل دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، وإننا لن نغادر حل الدولتين مهما قست الظروف وارتبطت بلقمة العيش او عدد ساعات النوم …
نعم نواجه حركات التفاف وموضعة عاصفة لمواقف دول صديقة وشقيقة لم يزدنا خوفها الا إيمانا بموقفنا، ولم يزدنا غرور اعدائنا الا ثقة بإرادتنا وها نحن نصمد سواء جاءت صفقة القرن او غادرت.. تموضعت ام تفككت فالبوصلة الأردنية لن تخطيء القدس ولن تبرح التأشير الى دعم الشعب الصامد المرابط الذي هو منا ونحن منه ..
تجاوزنا تحديات وجودنا وتحديات ديننا بالتشويه وتحديات الارهاب المتجدد كالنجيل والذي استعصى حصاده على الكثيرين ولكنا خبرنا التعامل معه وما زلنا نواجه سياسات لم تفهم مصالحنا او وقعت في خطأ الاجتهاد واستلزم ذلك أن نشرح ونسعى ونعلن مواقفنا ..
كان حازم قشوع الذي قدم مساهماته ليدعو غيره الى مثل عمله قد دعا لتوسيع الدبلوماسية البرلمانية والشعبية لتكون ظهيرا للدبلوماسية الرسمية، لان المرحلة تتطلب ذلك وتطلب ان ينخرط الجميع في خدمة الوطن ولذا جاءت دعوة حازم اخيرا لإرسال رسالة الى القائد ابي الحسين موقعه من 1200 شخصية بارزة رفعوا الى مقامه قدرتهم ورغبتهم الالتفاف حول قيادته وتأييدها والسير معها تحت شعار انجازات مئوية البيعة وشرعية الإنجاز.
يا حازم انا متأكد ان رسالتك باسمنا جميعا قد وصلت وان مسعاك لن يخيب وان الشمعة التي اضأتها بددت كثيرا من الظلام.. فليكن لك ما اجتهدت من أجله وأعطاك الله العافية وجزاك عن الوطن كل خير.
بيّض الله وجهك يا حازم قشوع..
7
المقالة السابقة