عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –
لم ألتق رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمدالله على انفراد ، ولم أقابله عن قرب ولكني صافحته في حضور عام .. وهذا لا يعني أنني لم أتابع عمله وخطواته في العمل العام منذ جاء إلى منصبه في 6/6/2013، حين لم يكن معروفا إلا في الأوساط الأكاديمية .الكثيرون كانوا يشككوا في إمكانية هذه الشخصية الأقرب إلى التكنوقراط والأكثر مهنية عنها من السياسة خاصة وأنه جاء في مرحلة من التحول على الصعيد الداخلي الفلسطيني وعلى الصعيد الموضوعي في التعامل مع الاحتلال الاسرائيلي ومع المجتمع الدولي .
في البداية, لاذ بالصمت لم يصرح ، وما زال قليل التصريحات ، وراح يعمل في مظلة العمل المؤسسي الذي عمل على تأكيده وتعميقه وأيضا الإخلاص لانتمائه التنظيمي وقيادته . والتمتع بمهنية عالية تؤمن بالتراكم والعمل المثابر .
فالرجل الذي يعمل في مكتبه لساعات طويلة تصل أحيانا إلى ضعف العمل اليومي ما زال ينتقل إلى بلدتة في الشمال (طولكرم) في المساء المتأخر ليعود إلى مكتبه في رام الله في النهار الباكر دون كلل أو ملل أو تعب أو تذمر .
يوصف الرجل بالصبر ومواصلة الحوار المختصر والابتعاد عن التنظير ويؤمن بالتشاور وبسط الرأي ويدرك أنه جزء من قيادة مختبرة ترسي تقاليد صعبة وسط أوضاع معقدة ومتشابكة سببها الاحتلال ، كان حمله ثقيلا ولكنه لم ينؤ به ولم يضعف ولم يبرر فقد مضى يتحمل مسؤولية أن يدير حكومة وحدة وطنية ظل مخلصا ومتطلعا إلى مزيد من لحمتها وقدرتها على تمثيل طيف واسع من توجهات الشعب الفلسطيني وآماله، ولم تأخذه الأوهام بعيدا ، فقد ظل يدرك أن المسيرة صعبة ، وأنها ما زالت في الحصار وأن الأولوية هي الحفاظ على الحلم … على بقاء المشروع الوطني الفلسطيني الذي لم يعد على الورق ولكنه مولود بين اليدين يحتاج للتعهد والرعاية والصبر والكفاح..
أدرك الدكتور رامي الحمدالله القادم من أروقة الجامعات والذي يؤمن بالعودة للكتب والانصات للأراء الصائبة والاسترشاد بالحكمة أن إدارة الموارد مسألة ذات أولوية في مجتمع تحت الاحتلال يتحكم المحتل في موارده وخططه ، ولذا عمد إلى الابداع في إدارة الموارد ، وكان صلبا في وجه تبديدها ، لم يبحث عن رضى أولئك الذين كانوا يريدون المزيد من الامتيازات على حساب شعبهم .
حين جاء الرجل وما زال يسعى ، لم يكن صاحب أجندات خاصة أو قنوات خفية ، ولم يستقو بجهة إقليمية أو دولية ولم يعمل لذى مؤسسات أجنبية تعطيه فضل التفوق أو ادعاء التفوق، بل جاء بموقف وطني جسده من خلال إخلاصه لقيادة شعبه الممثلة بالرئيس محمود عباس وقبوله الجلوس في أي مقعد يفوضه له ولذا كان دخوله للموقع مريحا وخروجه منه مريحا. صدع بما أمر به وتقبل الرأي وأخلى الموقع برحابة صدر ليستجيب لأية أوامر لاحقة تراها قيادته.
لم يكن الحمد الله الذي كان يجري الزج به في أكثر من موقف صعب ومعقد على يد مراكز قوى في الداخل والخارج يلتفت إلى الوراء أو يرغب في الاشتباك الجانبي ، فهو لم يرصد مالا أو يجيش عناصر تهتف له أو تلهج بإسمه أو حتى ترفع صوره ، فقد ظل ابن القرية التي أحبها ولم يغادرها في سكنه حتى وهي تتحول إلى مدينة كما ظل أبن أسرته التي ظل قريبا منها أيضا.
لم يتذرع في سبيل الوفاء لها بالانشغال..
عاش وما زال يعيش حياته العادية التي ملأها عملا أحس به الكثيرون من أبناء شعبه.
ميزة الرجل حرصه على الموارد المحدودة ، وإعادة تدويرها وتوزيعها ، فقد كان ينجز الكثير بالقليل ولم يكن ممن ينجزون القليل بالمهدور الزائد من الأموال في المشاريع التي يمكن أن يتولوها ، لم يشكل مركز قوى في القيادة ليمدحه البعض أو يهجوه البعض الأخر لكن بقي هناك من يكيد له ويرغب في مغادرته من أولئك الذين كُفت أيديهم ولم يستطيعوا أن يواصلوا مدها على راحتها باتجاه أخذ ما لا يسحتقون.
اليوم والحمد الله يغادر الموقع في رئاسة الحكومة في رام الله ويبقى في إدارته كما رغب الرئيس عباس ريثما تأذن له قيادته وحتى يتم تشكيل حكومة جديدة إقتضت المصلحة الوطنية والظروف الموضوعية ومتطلبات إعادة البناء لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة أن تكون من الفصائل الوطنية الفلسطينية هي من يتولى الحكومة.
لم يقل الحمد الله لتوجه القيادة التي يقودها أبو مازن “لا ” ولم يشكك في الخطة أو يسحب عنها التبرير بل اعتبرها من مقتضيات الحال والمرحلة ، ولذا لم يتراجع في عمله ولم يتحرف لاشتباك أو يتحيز لخندق ليستقوي به من أجل الموقع.
ولأن الحبال طويلة في محاولة اقناع اطراف عديدة من الفصائل الوطنية وغير الوطنية فإن الحمد الله وهو يدرك أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل” وان الصبر والعمل والخبرة والحكمة والانتماء الحقيقي يمكنها أن تلهم الوطني الفلسطيني سبيل الرشاد, ولذا فانه يراهن على ذلك…
لقد استثمرت القيادة الفلسطينية في شخص الحمد الله الكثير حتى توفرت له هذه القامة الوطنية المخلصة البعيدة عن المزايدة,وشخصياً وقد أدمت السؤال باستمرار عن أدائه لسنوات أمضاها في الموقع فوجدت كل القيادات تحترمه وليس فيها من يهاجمه أو يحاول النيل من عمله أو توجيه أي تهمة له, فقد ظل يؤمن بتراكم العمل رغم محاولات وضع العصي التي جاء أكثرها من سياسيات الاحتلال واقلها ممن أرادوا إدمان الانقسام أو رأوا لامتيازاتهم أن تستمر..
أتذكر يوم توجه الحمد الله إلى غزة واستهدف موكبه بالقصف وتعرضت حياته للخطر..لم يتراجع ولم يتذمر ولم يضرب أخماساً في أسداس ولم يستعدي ولم يفقده ذلك إيمانه بقضية شعبه أو بموقعه أو بالمهمة التي ذهب من اجلها وقد أصر على استكمالها ومضى بها حتى استكملها , لم يذهب إلى التشهير و التذمر بل صنف الأشياء في إطارها حين لم تأخذه العزة بالإثم وخطأ الآخرين بالكفر!!!
ظل يؤمن أن المزايدة أخت المناقصة وكلاهما فيه ابتعاد عن الصراط الوطني والخدمة العامة ولذا التزم الاعتدال ودافع عنه وبالتالي دافع عن الوحدة الوطنية وأمن بها رغم أن حماس حولت مسالك هذه الوحدة الى الانقسام والصعوبة والتعقيد والاستعصاء ورغم ان دعاة الانقسام بالمقابل أرادوا الحمد الله أن يتعصب للون واحد يغلق الأبواب والنوافذ ويتذرع بالصعوبات وينكفئ على ما يتوفر..
تعلم الحمد الله من الرئيس عباس الكثير تعلم الصبر وتوسيع مساحات التفكير والتروي في القرار وتجاوز الإساءة ووضع البوصلة على الهدف الوطني ونبذ الفرقة وعدم مهادنة الفاسدين..
أعداء الحمد الله هم أولئك الذين لم يقبل أن يتوسط لهم أو يمرر لهم رغباتهم المتصادمة مع المصلحة الوطنية هذه الفئة القليلة التي لم يعبأ بموقفها وما زال هي التي تنتظر رحيله وترك الفراغ بعده علهم يجدون فيه من يناصرهم أو يتفهم مأربهم.
شخصيا وأنا لا املك أهلية التزكية وليس لي فيها غرض ولا يحق لي , فإنني من قبيل رأي المراقب المحايد والمتابع أرى أن الاستثمار في موقع الحمد الله وفي شخصيته الجادة المثابرة ضرورة وطنية يجب أن تستمر وان لا تهدر وان لا تجري العودة للتجريب رغم أن التجديد ضرورة لا يرفضها إلا من امن بالجمود ..ومع ذلك فان رأيي المتواضع اعتقد فيه أن يبقى الرجل وان يعيد تشكيل حكومة جديدة فصائلية كما أراد الرئيس عباس الذي أراد بها ( أي الحكومة) الفصائلية استكمال البناء الوطني كوسيلة لخدمة المشروع الوطني الفلسطيني وذلك بإجراء انتخابات للمجلس التشريعي وإعادة صيانة وتقوية منظمة التحرير الفلسطينية من خلال فصائلها وأيضا ردم الانقسام من خلال القوى السياسية الحية التي تمثلها فصائل العمل الفلسطيني ومغادرة الشلل الذي سببه انقلاب حماس واجتثاث الأورام آلتي أثقلت الجسم الفلسطيني
نعم يستطيع الحمد الله أن يترجم توجهات الرئيس أبو مازن وان يجسدها فقد بقي مخلصاً لقيادته ومبدعاً في ترجمة خططها وقريباً من شعبه لم يستنكف عن أي مهمة ولم يتردد في تقديم الجهد والنصح والتلاحم في فريقة الوزاري..
نتمنى للحمد الله مرحلة انتقالية موفقة يعبر فيها عن امال شعبه وتوجيه قيادته وابداع عمله وعسى أن تدوم المسيرة بالتئام الوحدة الوطنية في الصيغة الجديدة التي تخرج متخففة من المتخلفين عن المسيرة والذين في قلوبهم مرض والذين شغلتهم أموالهم وعقائدهم وتبعياتهم عن المشروع الوطني الفلسطيني الذي عمدته فتح وأطرته منظمة التحرير وما زالت السلطة الوطنية الفلسطينية وفيّه له رافعة لرايته….
يا أبا مازن: لقد “عجمت عوده” فوجدته الأصلب!!
10
المقالة السابقة