نشرت «هآرتس»، وهي واحدة من أفضل صحف إسرائيل، في عدد 20 أغسطس، تحقيقاً تعلّق بالسبب الكامن وراء استمرار وقوع إسرائيل في قائمة الدول الأكثر سعادة في العالم، بالرغم من كل الأخطار السياسية التي تحيط بها، وغلاء الأسعار، وانخفاض الأجور، وتعدد حروبها في المنطقة؟ فهي حالياً في المرتبة 11 من قائمة الأمم المتحدة لعام 2018، متقدمة على أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، فكيف يمكن فهم ذلك؟
يقول المحرر آمير مندل إن %65 من الإسرائيليين يعتبرون أنفسهم غير دينيين أو حتى ملحدين، وإن الإلحاد متجذر في عمق المجتمعات الإسرائيلية، وكثير من اليهود الآخرين يمارسون بعض الطقوس الدينية، ولكنهم يميلون الى العلمانية. ويضيف أنه يورد نتيجة التقرير الدولي ويعلم، كأصحابه الآخرين، أن الكثيرين تركوا إسرائيل، في هجرة معاكسة، لدول أكثر استقراراً وتقدماً وأقل خطورة، وأفضل معيشة. وبالتالي من المحير، على ضوء هذه الحقائق، فهم تقرير الأمم المتحدة الذي بُدئ العمل به عام 2012.
ويقول ريتشارد لايارد أحد أساتذة الاقتصاد الثلاثة الذين وضعوا قواعد التقرير، الذي أجرته مؤسسة «غالوب» العالمية، إن عملهم لم يكن اعتباطياً أو تصادفياً أو نتيجة خطأ، بل تم بناء على مؤشرات دقيقة ومحددة، وأن إسرائيل بالتالي مكان جيد للعيش.
يعتمد التقدير في قياس مؤشر الحياة في أي دولة على 14 عاملاً، بعضها موضوعي يمكن قياسه بسهولة، وبعضها شخصي أكثر صعوبة وتعقيداً، وجميعها تعتمد على الملاحظة، وعلى جداول من علماء اجتماع، وغالباً من واقع بيانات استقصاء تم جمعها من مجاميع عشوائية، معتمدة على ستة مفاتيح مهمة، وهي الدخل، الصحة، التوقعات المستقبلية، الدعم الاجتماعي، الحرية، وأخيراً الثقة والكرم.
وورد في التقرير أن الدول العشر الأكثر سعادة لعام 2018 كانت فنلندا، النرويج، الدنمارك، إيسلندا، سويسرا، هولندا، كندا، نيوزيلندا، السويد وأستراليا، والتي سبق أن تكررت أسماء الكثير منها في قوائم سابقة، ولكن مع فارق بسيط في الترتيب. كما كان المهاجرون لهذه الدول أكثر سعادة مقارنة بغيرهم. وجاءت إسرائيل في المرتبة 11 للسنة الثالثة من دون تغيير. ولم تأت هذه النتيجة اعتباطاً، بالرغم من أنها كانت دائماً مثار تساؤل، خاصة أن الوضع في إسرائيل، بنظر الكثيرين، ليس بتلك الصورة الوردية، فتكلفة السكن مرتفعة جداً، والفساد منتشر، والأمن متدهور، وغير ذلك من أمور لا يمكن القبول بها! والرد يأتي من فرق أخرى ترى إن اقتصاد إسرائيل مستقر تماماً، وهناك تقدم في معدل العمر، والجميع يحصل على خدمات طبية مميزة ونظام دعم اجتماعي وأسري جيد، وجميعها تعطي الفرد شعوراً بالأمن والانتماء.
ويقول الكاتب، منتقداً ما جاء في التقرير، كيف يمكن لإسرائيل أن تحتل هذه المكانة المتقدمة في مؤشر السعادة إذا كانت الحياة فيها بهذه القسوة، والشكوى من كل شيء غالبة، وبالتالي من المهم حصر النقاش في ما يقوم المؤشر بقياسه. ويجيب بأنه يقيس قدرة الدولة أو المجتمع على توفير الضمان المادي والعناية الطبية وعناية للمتقدمين في السن والشعور بحرية الحركة والكلام والشعور بالانتماء الى مجموعة ما والثقة بها. ويقول إنه ليس على ثقة من أن مثل هذه الأمور تجعل شعباً أكثر سعادة، ولكنها المعايير التي تعتمد عليها الأمم المتحدة.
التقرير طويل ومتشعب، ويمكن الرجوع إليه على موقع الصحيفة. ولو تم تطبيق معايير الاستطلاع الثلاثة على الوضع الاقتصادي والصحي والقضايا الاجتماعية في الكويت، لتبين واضحاً سبب حلول الكويت في المرتبة الـ39 بالرغم من كل بحبوحة العيش التي تعيشها الأغلبية.
«سعادة إسرائيل» مقارنة بنا / أحمد الصراف
3