في لقاء الرئيس عمر الرزاز مع الأمناء العامين للأحزاب السياسية صباح الأربعاء 19/12/2018، في دار رئاسة الوزراء، تم طرح ثلاث أمور على جدول أعمال اللقاء، الأمر الأول يتعلق بالأوراق النقاشية لجلالة الملك فيما يخص مستقبل الدولة الأردنية، والأمر الثاني يتعلق بالإصلاح الوطني على الصعيد السياسي والاقتصادي وبأيهما نبدأ وأين تكمن الأولوية، والأمر الثالث يتعلق بدور الأحزاب السياسية، وقد بدأ الجلسة بالحديث عن قضية الإمساك بعوني مطيع باعتبار ذلك يشكل خطوة مهمة على طريق مواجهة الفساد، وتحقيق ما وعدت به الحكومة على هذا الصعيد.
ما أود الإشارة إليه في لقاء الرئيس حديثه حول شعار «الدولة القوية» الذي ورد في ثنايا الأوراق النقاشية، وأعتقد أن هذا الشعار من الشعارات الجميلة التي تستحق التوقف طويلاً منا جميعاً على معالم هذا الشعار ومضامينه ومقتضياته، وشروط تحقيقه، فالدولة القوية أمنية كل شعوب العالم في كل الأزمنة والأمكنة.
الدولة القوية أولاً تحتاج إلى حكومة قوية من حيث رئيسها ومن حيث فريقها، والحكومة القوية تستمد قوتها الحقيقية من شعبها ومجتمعها، فرئيس الحكومة القوي يستند إلى قاعدة جماهيرية واسعة أسهمت في إفرازه واختياره وقامت بالالتفاف حوله ودعم برنامجه وحماية قرارته، وقاعدة جماهيرية تشكل درعاً حصينة للرئيس وفريقه، ، فالرئيس مدعو إلى مسلك الحصول على القوة من أسبابها الجوهرية، ومن هنا فالذهاب إلى الحكومة البرلمانية يشكل وجهاً من وجوه القوة المطلوبة على هذا الصعيد، والحكومة البرلمانية ينبغي أن تكون منبثقة من برلمان سياسي حزبي برامجي، والبرلمان السياسي الحزبي البرامجي يحتاج إلى قانون انتخابات ونظام انتخابي يرتكز بجوهره على حصر التنافس بين الكتل الحزبية والقوائم السياسية البرامجية، ويجب التخلص إلى الأبد من كل الأنظمة الانتخابية التي تكرس التنافس بين الانتماءات الجهوية الضيقة البعيدة عن السياسية والبعيدة عن أسباب القوة الحقيقية.
معالم الدولة القوية تتمثل بسيادة القانون بحيث يصبح المواطنون أمام القانون سواء، وأمام مبدأ تكافؤ الفرص على قاعدة العدالة بين شرائح المواطنين والتجمعات السكانية من حيث الجغرافيا وتقديم الخدمات وتوزيع عوائد التنمية، وتسود في المجتمع مشاعر الاحساس العميق بالعدالة والمساواة وانتفاء كل مظاهر التمييز والتعصب والتنمر والتمرد على القانون والنظام.
ومن معالم الدولة القوية أن تصبح دولة انتاجية ذات اقتصاد ذاتي قادر على الصمود والاستمرار، بدلاً من الاعتماد على القروض والمنح الخارجية، وهذا يحتاج إلى فلسفة اقتصادية جديدة مختلفة تعتمد على عودة السكان إلى الأرض، وإعادة بناء القطاع الزراعي بقوة ودعم منقطع النظير، إلى جانب القطاع الصناع والسياحي، وبموازاة الانطلاق في عالم الحوسبة والعالم الرقمي بكفاءة، وتعزيز مسيرة البحث العلمي المنتج والنظام التعليمي الانتاجي المرتبط بأهداف تزويد الشباب بقدرات بناء ذواتهم وأوطانهم بكفاءة.