عروبة الإخباري – في هذا اليوم وتعبيرا عن مشاعر الإنتماء والولاء لهذه الشخصية العظيمة نتشرف بأن تكون لسفارتنا في عمان مشاركة متواضعة نقف بها جنبا إلى جنب مع الشعب الأذربيجاني بكافة أطيافه لإحياء الذكرى الوطنية المجيدة – ذكرى وفاة الزعيم القومي الرئيس السابق حيدر علييف رحمه الله – الذي وافته المنية يوم 12 ديسمبر 2003.
قبل خمسة عشر عاما ، ودع الشعب الأذربيجاني بالحزن والآسى قائده ومؤسس جمهورية أذربيجان الحديثة واعترافا من الشعب الأذربيجاني بفضل هذا الزعيم في تأسيس وبناء دولة أذربيجان الحديثة ، فان الشعب الأذربيجاني وأصدقاءه من مختلف دول العالم يستذكرون هذا القائد العظيم بالمزيد من الفخر والاعتزاز لانجازاته العظيمة والذي له الفضل الأول والأخير في وضع أذربيجان على خارطة العالم الحديث كدولة قائمة على اساس التعددية السياسية والديمقراطية .
سيبقى الشعب الأذربيجاني وقيادته وفيا ومكملا لمسيرة النماء والعطاء التي أسسها هذا القائد ولن يحيد عن خطاه ومبادئه التي رسمها في بناء مستقبل الشعب الأذربيجاني ، وسيبقى دائما يستذكر هذا البطل ويجدد العهد للسير على خطاه.
وانني بهذه المناسبة أتشرف كسفير لجمهورية أذربيجان لدى المملكة الأردنية الهاشمية أن أتحدث عن بعض وابرز جوانب حياة هذا الراحل العظيم الذي قاد الشعب الأذربيجاني على مدى عقود واصبح بذلك الزعيم التاريخي والشخصية الخالدة في الذاكرة الجماعية للشعب الأذربيجاني .
لقد قاد فخامة الرئيس حيدر علييف أذربيجان من التفكك والتشرذم إلى الوحدة والاستقرار ومن الفقر والتخلف إلى التقدم والازدهار في كل مناحي الحياة ، إنه بحق الزعيم التاريخي الخالد وباني نهضة أذربيجان الحديثة . لقد شكل صمام الأمان للوحدة الوطنية، وحال دون قيام حرب أهلية في فترة من الفترات الصعبة من مسيرة الشعب الأذربيجاني.
في يوليو- 1969 جرى انتخاب حيدر علييف سكرتير أول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأذربيجاني ومنذ تلك اللحظة أصبح قائدا لجمهورية أذربيجان بموجب الأنظمة والقوانين المتبعة في ظل الحكم السوفياتي السابق وقد استمر في قيادة الجمهورية حتى عام 1982 حيث كان له الفضل الأول في رفع وتحسين المستوى الاقتصادي والثقافي والاجتماعي لمواطني أذربيجان وقد عمل على وضع خارطة طريق وتحديد معالم النهوض بالاقتصاد الوطني مما وضع أذربيجان للمرة الأولى على خريطة العالم الاقتصادية.
لقد قام حيدر علييف بأهم منجز حضاري تمثل في التعريف بتاريخ شعب أذربيجان الموغل في القدم والضارب في اعماق التاريخ والممتد عبر آلاف السنين ، واستطاع القيام بالكثير من الأعمال والمنجزات التي أبرزت الوجه الحضاري للشخصية الأذربيجانية وطبيعتها البناءة عبر التاريخ كما تمكن من إبعاد شبح الحرب الأهلية عن الشعب الأذربيجاني ، واعادة توحيد أذربيجان وتحقيق التضامن بين جميع فئات المجتمع.
لن ينسى الشعب الأذربيجاني انجازاته في مجال العمران و بناء المراكز الصناعية العملاقة الحديثة والتي لا مثيل في دول الاتحاد السوفياتي السابق ، عدى عن افتتاح المراكز العلمية والثقافية وانشاء المدن والقرى والحواضر الجديدة.
لقد أدرك حيدر علييف أن الاستثمار الحقيقي يكمن في فئات الشباب ، فهم قادة المستقبل والثروة الحقيقية لأي أمة ، ومن هنا كانت من أهم أولوياته تأمين التعليم للشبات وتمثل ذلك لهم في إنشاء المعاهد والجامعات المتقدمة في الاتحاد السوفياتي السابق وقد أصبحو الأن علماء واساتذه يساهمون في نهضة بلادهم.
لقد نجح الرئيس الراحل في تحقيق هذه المنجزات الحضارية الخالدة خلال فترة زمنية بالغة الصعوية أثناء سيطرة الدولة الشيوعية والحكم الشيوعي الشمولي مما يدل على شخصية الرئيس حيدر علييف الكارزماتية وعمق افكاره ورؤيته المستقبلية الثاقبة وحسه الوطني العميق والذي كان له الدور الأكبر في تشكيل الوعي والحس الوطني القومي للشعب الأذربيجاني.
في ديسمبر – كانون الأول من عام 1982 انتخب حيدر علييف عضوا للمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي وعين في منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء في الاتحاد السوفياتي السابق وقد شكل ذلك نقلة نوعية كبيرة في تدرجه السياسي وأصبح يشغل منصبا كبيرا ومهما في الحزب الذي لا يقل عدد أعضاءه عن 22 مليون شخص وبعد ذلك تم انتخابه عضوا للقيادة العليا للحزب من بين 21 عضوا منذ ذلك الحين لم يعد حيدر علييف قائدا لاحدى جمهوريات الإتحاد السوفياتي الخمسة عشر فحسب بل أحد أعظم قادة دول الاتحاد السوفياتي.
لقد شكل انتخاب أول أذربيجاني للمكتب السياسي حدثا هاما في تاريخ الشعب الأذربيجاني ، وباعتباره أحد قادة الاتحاد السوفياتي فقد ترأس أكثر من مرة الوفود السوفياتية إلى مختلف البلدان في أوروبا وإفريقيا وأمريكيا اللاتينية ، وشارك في مختلف المحادثات بين الاتحاد السوفياتي والبلدان الاجنبية بما فيها مصر وسوريا وليبيا والعراق حيث التقى بأبرز قادة هذه الدول.
وبالرغم من توالي الأحداث الصعبة خلال تلك الفترة بحدوث كارثة العشرين من يناير 1990 والتي تمثلت بدخول الجيش السوفياتي إلى باكو وسقوط الاف القتلى خلال ساعات محدودة والقمع الذي تعرض له الشعب الأذربيجاني على يد السلطات السوفياتية وما تلاها من عدوان جمهورية أرمينية على الشعب الأذربيجاني باحتلال اقليم ناغورني قاراباغ واحتلال 20% من مجمل مساحة أراضي أذربيجان ، وما ترتب على ذلك من مآساة اللاجئين والمشردين من ديارهم ومحاولة طمس هوية الشعب الأذربيجاني وخلق الأزمات السياسية والاقتصادية فقد حافظ الشعب الأذربيجاني على هويته والتف حول قيادة الرئيس حيدر علييف والذي يعود له الفضل الأول في حفظ وصيانة وحدة وسيادة أذربيجان.
ونتيجة لمعارضته لسياسة غورباتشوف التي اتسمت بالتناقض بين الاقوال والافعال فقد قدم حيدر علييف استقالته من المكتب السياسي للحزب خاصة على أثر الاحداث الدموية في أذربيجان عام 1990 فقد خرج من الحزب الشيوعي احتجاجا على ممارسة غورباتشوف ضد مصالح الشعب الأذربيجاني وعلى أثر ذلك فرض عليه وعلى جمهورية أذربيجان حصارا اعلاميا في حين كان يحاول العودة إلى أذربيجان ليكون مع شعبه في تلك الظروف الصعبة لكن السلطات السوفياتية لم تسمح له بالعودة إلى الوطن .بالرغم من ذلك استطاع حيدر علييف الوصول إلى باكو ليمارس نشاطا اجتماعيا حيث تم انتخابه عضوا في البرلمان الأذربيجاني ، وفي عام 1991 انتخب رئيسا للمجلس الأعلى لجمهورية نخيجيوان ذات الحكم الذاتي.
في 15يونيو 1993 تم انتخاب حيدر علييف رئيسا لبرلمان أذربيجان وفي 24 من نفس الشهر وبقرار من البرلمان بدأ الرئيس حيدر علييف بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية ، وفي أكتوبر تشرين الأول من نفس العام تم انتخابه رئيسا للجمهورية من خلال الاستفتاء الشعبي العام.
تم إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية الثانية التي جرت في 11 أكتوبر عام 1998 لفترة رئاسية جديدة ليصبح رئيسا لخمس سنوات أخرى. لقد عمل الرئيس حيدر علييف طوال فترة حياته على تعزيز سيادة واستقلال ووحدة أراضي جمهورية أذربيجان وقد كان عهده يمثل بحق فترة التغيرات والتحولات الجذرية على طريق بناء الدولة الحديثة وما تم فيها من احداث جذرية على السياسة الداخلية والخارجية ضمن أسس واضحة ومحددة ، وبذلك دخلت أذربيجان بقيادة حيدر علييف مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر وأصبحت دولة فاعلة في المجتمع الدولي ولفتت أنظار العالم إلى هذه الدولة الصاعدة في منطقة القوقاز والمطلة على بحر قزوين.
لقد بذل الرئيس حيدر علييف جهودا جبارة للفت أنظار المجتمع الدولي إلى قضية اقليم ناغورنـــي قارباغ العادلة وعدم تصديق الدعاية والأكاذيب المضلله حول قضية النزاع على اقليم ناغورني قارباغ ، كما عمل دائما على حل النزاع بالطرق السلمية المبنية على اعتماد اسلوب الحوار من خلال المحافل الدولية المختلفة.
تحقق على يد الرئيس الراحل نجاحات كبيرة على مختلف المستويات والأصعدة ، وكان يؤمن دائما بانتماء أذربيجان إلى العالم الاسلامي وانطلاقا من هذا المبدأ فقد سعى إلى توطيد العلاقات الأخوية مع الدول الاسلامية الشقيقة ، وقد بدأت في عهده تتوسع العلاقات بين أذربيجان ومنظمة التعاون الإسلامي حيث شارك لاول مرة في لقاء قمة المنظمة المنعقدة في الدار البيضاء في شهر نوفمبر سنة 1994 ، ومن خلال كلمته في تلك القمة لفت الانظار الى قضايا العالم الإسلامي مشيرا في كلمته الى ضرورة التضامن والوحدة بين بلدان العالم الإسلامي كمهمة تاريخية كما دعا إلى الوحدة بين الدول الاسلامية لإزالة العراقيل التي تحول دون تحقيق التطور والتقدم في البلدان الاسلامية ، ودعا الى تعزيز الوحدة والتعاون الثنائي بينها لمقاومة عزلتها و تجزئتها . كما وسعى الى توسيع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين جمهورية أذربيجان والبلدان العربية والإسلامية ، كما ودعا إلى الوحدة واتخاذ الموقف المشترك للدفاع عن مصالح المسلمين في كافة بقاع العالم.
كما وقد أشاد ايضا لقرار منظمة التعاون الاسلامي الذي أدان سياسة أرمينيا التوسعية ضد أذربيجان ، وكذلك دعمها المادي الذي تقدمه المنظمة لمساعدة اللاجئين الاذربيجانيين.
وبحسب رأي حيدر علييف فإن منظمة التعاون الإسلامي تأخد على عاتقها مهمة السعي الى تحقيق التضامن والتعاون والوحدة بين دول العالم الإسلامي، وإتخاذ الخطوات السياسية والدبلوماسية المرنة في حل القضايا التي تعاني منها البلدان الإسلامية ، إلى جانب توفير الدعم المادي للدول التي تواجه الازمات ، والجوع والفقر.
إن الزعيم القومي الأذربيجاني كان يريد أن يرى بلاده كمركز اسلامي متقدم في القوقاز ليساهم في توعية وتثقيف الشعب الأذربيجاني في الإتجاه الإسلامي الصحيح ويدعو الى تحول البلاد كنموذج عمليا للغير ومحاربته للجهل وتمسك الشعب بالأخلاق المنبثقة من تعاليم الإسلام الصحيحة.
وخلاصة القول أن هذا القائد التاريخي قد جسد أمال وطموحات الشعب الأذربيجاني بقيادته ومسيرته خلال أكثر من ثلاثين عام من العطاء والبناء إلى أن أوصل أذربيجان إلى برالأمان .
وكان حيدر علييف يردد دائما أن أذربيجان هي جسر بين أوروبا وأسيا ، وبين الحضارة الغربية والحضارة الشرقية وانطلاقا من ذلك فإن الرئيس كان يفكر في هيكل تنموي مثالي بالنسبة لبلاده ،ويتمنى أن تنضم بلاده بنشاط كبير إلى موكب التطور المعاصر.
لقد كان طموح الرئيس الراحل حيدر علييف لا حدود له في نطاق توجهه الدائم نحو تطوير بلاده حيث كانت لديه خطط مستقبلية واسعة ولكن حالته الصحية حالت دون امكانية مواصلة نشاطه ومسيرة عطائه الذي استمرت طوال فترة حياته ، وقد جاء انتخاب ابنه الهام علييف رئيسا للجمهورية متمشيا مع تطلعات الشعب الأذربيجاني وامتداد لمواصلة مسيرة والده الراحل حيث تعهد في خطاباته اثناء حملته الانتخابية بمواصلة سياسة ابيه الخارجية والداخلية والتمسك بمبادئه التي تمثل آمال وتطلعات الشعب الأذربيجاني.
وبهذه المناسبة ، أود أن أشير إلى أنه قد تم نقل وترجمة كتاب الرئيس الراحل حيدر علييف الذي تم تأليفه في بداية الثمانينات ، إلى اللغة العربية حيث تم توزيعه في الأردن على نطاق واسع بمساعدة وجهود جمعية الصداقة الأردنية الأذربيجانية.
كما إننا وبكل فخر نعرب اليوم عن مدى ارتياحنا للمستوى التي وصلت اليه العلاقات الأذربيجانية – الأردنية على كافة المستويات ، ولا بد لنا في هذا المقام بأن نشير للإهتمام والرعاية التي أولتها الحكومة الأردنية بتقدير هذا الرئيس بأن تم انشاء ميدان حيدر علييف ، مما يعكس مستوى العلاقات الحميمة بين قيادتي البلدين.
رحم الله هذا القائد الوطني العظيم الذي لا يزال يعيش في وجدان وضمير كل مواطن أذربيجاني والذي سيبقى دائما يمثل الذاكرة الحية في التاريخ الأذربيجاني المعاصر.
وتعبيرا عن الولاء والانتماء لهذا القائد وبمشاركة ممثلين عن مختلف أطياف وشرائح المجتمع الأذربيجاني فإنه في كل عام يقوم الشعب الأذربيجاني باحياء ذكرى مولد القائد والمؤسس لجمهورية أذربيجان الرئيس حيدر علييف.