عروبة الإخباري – صدرت عن دار العروبة للدراسات والنشر الطبعة الاولى من كتاب “العراق .. فسحة الامل”، لمؤلفه الدكتور ماجد الساعدي رئيس مجلس الاعمال العراقي في الاردن.
الكتاب يلخص انعكاسات السقوط القسري للنظام العراقي عام 2003 على بناء الدولة، ويركز على دور المغتربين العراقيين في إعادة إعمار العراق. وهو مضمون رسالة ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية قدمها الساعدي ونال من خلالها شهادة الماجستير من جامعة لندن عام 2017.
وسلط الكتاب الضوء على الاحداث والحروب التي حصلت في السنوات التي سبقت الاحتلال الامريكي للعراق في نيسان عام 2003، وما كان لهذه الحروب والاحداث والحصار من تأثير على بنية المجتمع والإنسان العراقي، وكيف ساهمت كل تلك الأحداث إلى إيصال العراق إلى مرحلة الانكسار والانهيار السريع لمجمل نظام الحكم والدولة ومؤسساتها البيروقراطية وما تلاه من قرارات خطيرة ومدمرة للحاكم الامريكي للعراق بعد الاحتلال بول بريمر، الأمر الذي أدى إلى تعميق الجرح العراقي وتأسيس نظام طائفي وعرقي استنادا إلى تجارب أمريكية سابقة في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال قرارات حل الجيش واجتثاث الاحزاب الحاكمة.
ويركز الدكتور ماجد الساعدي كعادته على الجهد المضيع لبناء العراق، إلا وهو جهد المغتربين وعدم الاستفادة من ابداعهم واموالهم من اجل نهضة العراق .
“لاتزال الخبرات والتجارب الدولية التي حصلت عليها مجتمعات المغتربين غير مستغلة بما فيه الكفاية في اعادة اعمار العراق والتحسينات الموعودة في عمليات اعادة الاعمار المادي والاجتماعي”
ويشير الكاتب إلى إن “مجتمعات المغتربين” بقيت بعيدة عن الصراعات الطائفية التي عانى منها العراق، وساعدتها خبراتها المتنوعة في فهم مبادئ الديمقراطية والادارة العامة والفعالة واهمية المساءلة والشفافية في شؤون الأعمال والحكومة، حيث اكتسب المغتربون هذه الصفات نظرا لغيابهم في اسوأ فترات الدمار التي لحقت بالعراق وتعلمهم من الاوساط الموجودة في المجتمعات المضيفة.
ويتعرض الساعدي لاشكالية “الداخل والخارج” وهي التي سادت في المجتمع العراقي بعد 2003 حيث بات الكثير ينظر إلى عراقيي الخارج إنهم ليسوا بكفاءة معهودة حيث انهم جربوا نماذج منهم فيقول: “إن المغتربين العراقيين الذين نقصدهم هم الذين تجنبوا المشاركة بالسياسات الحزبية والطائفية، وهذا مكنهم من المحافظة على مواقف اكثر حيادية واحترام في المفاوضات الاجتماعية”.
كما اكد على ان الطبقة التي جاءت من خارج العراق واستلمت سدة القرار فيه، بمعظمها هي طبقة ليست ناجحة وفق مقاييس الابداع والنجاح والتفوق العلمي ولم يكن لديها ما يمكنها من نقل لخبرات حيث ان معظم الذين استلموا سدة القرار في العراق لم يكونوا قادرين على الاندماج الحقيقي مع المجتمعات المضيفة، معظم هؤلاء كانوا في عزلة لانهم لم يكونوا قادرين على الاندماج والابداع فضلا انهم لم يكونوا قادرين على اكمال دراساتهم في جامعات الدول المضيفة.
إعادة الإعمار
يرى الساعدي ان اعادة اعمار العراق يجب أن تأخذ مسلكين:
الأول: هو إعادة إعمار الإنسان العراقي الذي تعرض لتدمير ممنهج ترك آثاره النفسية والجسدية العميقة في شخصية الفرد العراقي، فضلا عن سنوات الحرمان والفساد والتفكك الاجتماعي.
الثاني: البنية التحتية التي تعرضت هي الأخرى إلى التدمير وعدم المواكبة بسبب سياسات الانعزال السابقة وتوقف عجلة التنمية بسبب الحروب المتواصلة. لذلك فان الخطوة الاولى يجب ان تركز على التخطيط والادارة والاقتصاد والفساد والامن والطائفية.
ويقسم الكاتب العراق بعد الاحتلال إلى فترتين المهمة منهما هي: من 2006 -2016. حيث تضم في طياتها أخطاءً متكررة من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة، وفرصا مضيعة وانتشار كبير للفساد على جميع المستويات.
يقترح الساعدي ان تؤخذ هذه الفترة لمعالجة اخطائها وعدم تكرارها على كل الصعد، سواء الاقتصاد أو القوات المسلحة والجغرافية، ودراسة التطور في سلوك الشعب من خلال نضج التوجهات المدنية التي تسعى للمشاركة الفاعلة في حق الاعتراض وتقويم الاخطاء وبذلك فان الاعمار يجب ان ياخذ منحى انسانيا واجتماعيا وسياسيا وقيميا لما لهذه الفترة من تاثير على كثير من القيم العراقية التي كانت لبنة اخلاقية ساهمت في بناء العراق .
ولا يعتبر الساعدي انهيار الدولة في العراق وظهور الطائفية “سمة تاريخية” وانما هي سياقات تأقلم وقتي ربما يكون ممنهجًا في بعض جوانبه، لذلك يرى أن التفكيك المتعمد “وفق الدلائل” للدولة العراقية ينبغي ان يدفعنا للبحث في تأثير الايديولوجيات الاولية التي كانت تقف وراء ذلك، لان هذه المسألة اثرت على نطاق وحجم الدولة والمجتمع.
ويدعو الباحث لتأسيس “خلية تفكير” بشأن اعادة الاعمار بعد انتهاء الصراعات بحيث يتم تناول عملية اعادة الاعمار وفق عملية هندسة اجتماعية الامر الذي يتطلب تعديلات صحيحة تتواءم مع وجهة النظر التاريخية اعتمادا على تجارب ناجحة في دول عانت بشاكلة ما جرى في العراق.
“من الدروس الجوهرية المستقاة بخصوص اعادة الاعار بعد انتهاء الصراع انه يجب أن يستند إلى رؤية استقرار طويلة الأمد، وحكومة لا مركزية، مع تنمية اقتصادية مستدامة يعضدها حكومات ذاتية ومحلية واعية.”
دور المغتربين
“كي تكون مجتمعات رجال الاعمال المغتربين من المساهمين الناجحين في المجتمع، يجب أن يكون هناك متطلب امني اساس لهم ليتمكنوا من العودة إلى بلدانهم وبأنهم لن يواجهوا ذات التحديات التي جعلتهم يرحلون.”
بالطبع هذا حال الدول التي يسترعي انتباهها الاستفادة من رجال الاعمال المغتربين ولمحاولة استدراجهم مع اموالهم للاستفادة من جهدهم الاقتصادي اولا ثم التعويل على حسهم الوطني ثانيا.
يسوق الباحث امثلة من عودة العقول المغتربة لالمانيا بعد انجلاء الحرب وكذلك إلى اليابان وتأثيرهم الواضح في إعادة اعمار البلدين، فيما يستغرب عدم التفات الحكومات العراقية الجدية لاصحاب العقول ورجال الأعمال الخارجين من العراق، ويصف كل المحاولات بانها غير جدية وانها لم تكن تتحلى بمزايا وافية لاقناع رؤوس الاموال العراقية للمشاركة في إعادة اعمار العراق، وذلك لأسباب شتى قد تكون الهيمنة الحزبية واحدة منها او قد تكون عدم توفر الإرادة العراقية الخالصة للبناء، بوجود حالات التدافع الخارجي وانعكاساتها على الداخل العراقي.
ويشير الساعدي وعبر فقرة “التعلم من لبنان” إلى تجربة رفيق الحريري في لبنان بعد توفر اجواء اتفاق الطائف واستغلال فرصة هذا الاتفاق وتوفر حالة نكران الذات الوطنية عند زعماء الاحزاب والطوائف لفترة معينة حيث سمحوا للحريري ببناء واعادة اعمار ما تهدم.
لم يتعرض الحريري غير المتحزب وغير الطائفي للمساومة الابتزاز وترك يعمل بشكل مستقل الامر الذي ساهم في نجاح اعادة اعمار بلاده المدمرة.
كما ان الحريري لم يكن لينجح لو لا ان اصحاب القرار فتحوا له الباب مشرعا دون تدخل ودون ابتزاز أو مساومة، الأمر الذي لم يتحقق بعد ي العراق.
وفي الرؤية المستقبلية يرى ماجد الساعدي ان اصحاب القرار في العراق يجب ان يستغلوا الخبرات العراقية الواسعة في المغترب، ويستفيدوا من القدرات المالية الهائلة والعلاقات الدولية التي تتمتع بها بعض الخبرات العراقية في أنحاء متفرقة من العالم، لتحقيق الفائدة الاقتصادية المستدامة للعراق.
يجب اشراك طاقات المغتربين بالقرار السياسي وعدم التخوف وجعل ذلك من اولويات الاحزاب المتنفذة
انتهاج اللامركزية في اعادة اعمار العرق واعطاء صلاحيات خاصة للحكومات المحلية تمكنها من البناء والتعامل مع شركات اجنبية وكوادر عالية المستوى.
وفي النهاية اعتبر هذا الكتاب من اهم البحوث في هذه المرحلة لانها تعنى باعادة اعمار نفس عراقية وبنية تحتية على حد سواء، نحن بحاجة للاستفادة من التجارب العراقية الناجحة وخصوصا اولئك الذين يتمتعون بعلاقات دولية واسعة، فهم مفتاح النجاح في بلد مثل العراق شريطة ان ينتهي هذا البلد من تدخلات احزاب تفرض على سدة قراره من هم ليسوا اهلا للعمل والبناء والاعمار .