عروبة الإخباري – استكمالا للقاءات والحوارات التي تعقدها الحكومة مع مؤسسات المجتمع كافة بشأن اولويات الحكومة للعامين المقبلين واستقبال الملاحظات بشأنها، التقى رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، في المركز الثقافي الملكي مساء اليوم الثلاثاء، نحو مائة شخصية من المعنيين بالشان الثقافي.
وقدم رئيس الوزراء خلال اللقاء، مقاربات حول مشروع النهضة الوطني ومعالمه الذي يحتاج الى صياغة وتطوير وعمل مشترك، وحول اولويات عمل الحكومة للسنتين القادمتين والمشروع الثقافي المرافق لهذا التحول بما يعتريه اليوم من تحديات جزء منها يعود لأزمة الثقة والثقافة والنخبة مع المجتمع، وازمة الثقة في العلاقة بين الحكومة والمجتمع .
واكد رئيس الوزراء خلال اللقاء الذي حضره وزير الشؤون السياسية والبرلمانية المهندس موسى المعايطة، ووزير الثقافة ووزير الشباب الدكتور محمد ابورمان، ان التحدي الابرز الذي يواجه الحكومة هو استعادة ثقة المجتمع بها وبالمؤسسات، وهي لا تعني الثقة المطلقة العمياء التي كانت تسود والتي ولت الى غير رجعة، وانما الثقة المبنية على توافقات واليات المساءلة والمحاسبة وبناء الثقة مدماكاً تلو الاخر.
واشار الى سعي الاردن لبناء نموذج للدولة التي تنعم بالسلام الاجتماعي والتعددية والتنافس والندية في العمل والتكامل والتناغم الذي يؤدي الى نجاحها، وتعزيز قدرتها على التعامل مع الأزمات والتحديات بلين وقوة تنطلق من مؤسسات وأعراف راسخة بعكس المجتمعات والدول التي فشلت نتيجة المعاناة من الانقسامات والتناحر الذي ادى الى فشلها .
وحدد رئيس الوزراء المكونات المؤسسية ومقومات الدول التي تميل الى النجاح، اولها: اليات المجتمع والدول للوصول الى توافقات وقواسم مشتركة تؤسس قاعدة راسخة لإمكانية طرح وجهات النظر والراي والراي الاخر والتوافق حول بعضها والاختلاف حول بعضها الاخر. مضيفا “ادعي باننا قطعنا شوطا مهماً، وطموحنا مزيد من النضوج في عمل المؤسسات”.
اما المكون الثاني، يتلخص في كيفية انخراط المجتمع في الرؤية نحو مشروع النهضة الوطني الذي يتحقق بانخراط وتشاركية واسعة بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني .
في حين ان المكون الثالث، هو اليات المساءلة والمحاسبة ووجود الاليات الكفيلة التي تتطلبها الشفافية والافصاح سواء من المؤسسات الدستورية او الإعلام والتعبير عن الرأي من قبل المواطنين، مؤكدا ان لدينا مدى من الانجاز فيها ولكن الطريق لا يزال طويلا.
وقال رئيس الوزراء هناك اربع قوى او مجموعات من الراي العام نلمس وجودها على ارض الواقع وتساهم في هذا الحوار، الاولى: تخشى عمليات التغيير والتطوير الذي قد يفقدها مكتسبات حققتها سابقا ولديها شك وريبة للحديث حول مشروع نهضة جديد، لافتا الى ان المفارقة في كثير من الاحيان بأن عدم المشاركة في التغيير يفقد المجموعة قدرتها على المشاركة في أحداثه، مؤكدا ان لهذه المجموعة الحق في حماية مكتسباتها ولكن يجب البحث عن صيغة مكتسبات اكبر للجميع.
واشار الى ان غالبية الدول تشهد تحولا من المنظومة التقليدية الريعية الى منظومة مرتبطة بالانتاج اذ لم يعد بالامكان ان تكون الدولة والحكومة مشغلة لنحو 70 او 80 بالمائة من الموارد البشرية .
وقال الرزاز ان المجموعة الثانية مع التغيير ولكن لديها وصفة محددة ولا تتقبل فكرة الاجتهاد واحتمالية الصواب والخطأ، لافتا الى انه لا يشير الى ايدلوجية معينة.
ولفت الى ان المجموعة الثالثة، وقد تكون الاكبر، وهي مجموعة فقدت الامل ولا هي قادرة على حماية مكتسباتها ولا هي مع التغيير، وهي خطيرة على نفسها وعلى المجتمع لانها تنتج فكرا عبثيا عدميا، مؤكدا ان التحدي يكمن في كيفية تحفيز هذه المجموعة من خلال الثقافة بإشراكهم بهذا المشروع “واذا لم ننجح يكون نقاشنا نخبويا فيما السواد الاعظم غير معني بما يدور”.
اما المجموعة الرابعة، فهي تؤمن بالتغيير ولديها برامج ومشاريع في الغالب محددة ضمن اولويات في قطاع او محور معين ولديها مشاريع تعمل عليها وتسعى للتغيير ونحن نعول عليها الكثير وان كانت في بعض الاحيان عاتبة على الحكومة ولها وجهات نظر بشأن سرعة الوصول الى الهدف والتطوير المنشود.
ولفت الى ان ما يجمع هذه القوى هو انها جميعا تؤمن بأن مواردنا البشرية في الاردن وطاقتها على العطاء، اكبر بكثير من واقعها، معربا عن الامل بالتوافق على هذا الموضوع والسعي لاطلاق طاقات الاردنيين سواء في التعبير عن الاولويات السياسية او التعبير في الانتقال الى دولة الانتاج او مجال الخدمات والرعاية التي تشكل محور دولة التكافل.
واعرب عن ثقته بانه اذا سرنا في دولة القانون ودولة الانتاج ودولة التكافل، سنصل الى بلورة اهم بكثير للانسان الاردني ولطاقاته سواء توفير الحماية له او اطلاق طاقاته او اعطائه منظومة الحريات التي يسعى لها.
وقال الرزاز ادرك باننا لا زلنا في بداية الطريق وهناك لجان ومواثيق سابقة يمكن البناء عليها ولكن بكل تاكيد هذا مشروع حضاري على مفترق المئوية الثانية للدولة الاردنية.
وتحدث رئيس الوزراء عن جملة من القضايا في الشأن العام والتي تحتاج الى وعي مجتمعي بشانها والتصدي لها مثل الاستقواء على القانون والتطاول على المال العام والواسطة والمحسوبية التي تعني ان ” من تعرف اهم بكثير مما تعرف”.
ومن هذه القضايا ثقافة الاتكالية بدلا من العمل، والتقليد بدلا من الابتكار، والريبة بدلا من الثقة، والمهاترة بدلا من الحوار المفضي الى نتيجة.
واستعرض رئيس الوزراء ابرز العناوين التي تندرج ضمن اولويات الحكومة للعامين المقبلين، ففي دولة القانون اكد ان الدولة القوية بقوانينها ومؤسساتها وليس بالتسلط او التعسف، هي اساس النهضة بكافة اشكالها .
وفي محور دولة الانتاج فإن العنوان الاهم هو اطلاق طاقات الشباب الاردني، لافتا الى ان الحكومة خرجت برقم طموح لتوفير 30 الف فرصة عمل اضافية خلال هذا العام مؤكدا انه رقم قابل للتحقيق بالتشاركية مع القطاع الخاص والمؤسسات المعنية.
وفي دولة التكافل، ندرك بأن تراجع مستوى الخدمات في التعليم والصحة والنقل، أثّر على مستوى معيشة المواطن خصوصا الطبقة الوسطى، لافتا الى انه يتم حاليا اجراء مسح لنفقات ودخل الاسرة وإنفاقها على هذه الخدمات، مؤكدا ان دولة الانتاج تعني ان يتولى القطاع العام تقديم خدمات تضاهي النوعية المقدمة في القطاع الخاص.
واعرب عن تفاؤله بتحقيق التقدم المنشود، مؤكدا ان التفاؤل في الاوقات الصعبة ليس ضرباً من المستحيل، وان التحدي امامنا في كيفية اشراك مئات الالاف وحتى الملايين، لتحقيق التطور المنشود نحو دولة القانون ودولة الانتاج ودولة التكافل التي تشكل دولة الانسان على طريق مشروع النهضة الوطني .
وكان وزير الثقافة ووزير الشباب الدكتور محمد ابورمان، اكد ان النخب الثقافية هم قادة المجتمع ونخبته التي تحمل مسؤولية حقيقية في عملية قراءة الواقع وتحليله ورسم مسارات الاصلاح والتغيير وتأطيرها وردم الفجوة بين مؤسسات الدولة والراي العام وترسيم رسالة الدولة الثقافية وتشخيصها.
كما اكد اهمية تجسير العلاقة مع المثقفين والادباء والفنانين والتعاون لاستعادة دور النخب المثقفة في قيادة المجتمع.
ولفت ابو رمان الى اننا نمر بمرحلة انتقالية على الصعيد الثقافي والفكري، وهناك تحديات كبيرة داخلية وخارجية الجواب عليها مرتبط بالجبهة الداخلية والتفاهمات الوطنية المبنية على المصالح العامة وادارة التنوع واحترام التعدديات السياسية والدينية والفكرية والثقافية .
وجرى حوار موسع استمع خلاله رئيس الوزراء إلى أبرز التحديات والعقبات التي تعتري مسيرة الحياة الثقافية والحلول والمقترحات لتجاوزها والنهوض بالواقع الذي تعيشه الثقافة الأردنية.
وثمن المتحدثون من المعنيين بالشأن الثقافي، تواصل الحكومة مع هذا القطاع، مشددين على ضرورة إيلاء الثقافة المزيد من الاهتمام كونها من أبرز الأعمدة التي يتم الارتكاز عليها في بناء الأجيال.
وطرح المتحدثون في مداخلاتهم عدداً من المقترحات والمبادرات التي من شأنها اخراج الثقافة من الواقع الصعب الذي تعيشه ومن ابرزها عقد مؤتمر وطني للثقافة بمشاركة كافة القوى المعنية بهذا الشأن وإنشاء صندوق للتنمية الثقافية.