عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –
نحن على بعد مسافة عامين من الوصول إلى اليوبيل الذهبي للنهضة العُمانية .. ذلك اليوم المبارك الذي أطلق فيه السلطان قابوس بن سعيد إرادة العُمانيين ليكونوا معه وإلى جنبه في الخروج من الماضي إلى المستقبل، وقد كسر أمامهم حاجز التردد والجمود والارتهان، لتبدأ الرحلة العُمانية الظافرة التي لم تنقطع مع الماضي، وانما تسلحت به للولوج إلى المستقبل وإضاءة السبيل إليه..
العُمانيون اليوم وعلى أبواب يوبيل نهضتهم المباركة يضيئون الشمعة الـ (48) لليوم الوطني متسلحين بالإيمان ببلدهم وقيادتهم وقدرتهم على تجاوز الصعاب ، وحرصهم على الدفاع عن مكاسبهم ومنجزاتهم، حيث عصفت العواصف والفوضى بكثير من البلدان التي هبت عليها رياح السموم باسم الربيع العربي ،فاقتلعت الأخضر واليابس وابقت كثير من بلداننا قاعا صفصفا لا تلوي شعوبها على شيء ،وقد مزقتها الخلافات المذهبية والطائفية والعرقية ونخر فيها الفساد والتسلط، وأثمرت فيها الفوضى..
سلطنة عُمان التي يقودها رجل حكيم هو السلطان قابوس بن سعيد.. آمن ببلده وأنذر نفسه لخدمة وطنه وأبناء وطنه يشكل نموذجا في محيطها وتضع خبرتها وحكمتها في خدمة أمتها ومحيطها الإقليمي ، ولعل المبادرات العُمانية العديدة ملاحظة تماما بشهادة الآخرين ممن أقروا لسلطنة عُمان بهذا الدور..
فالسياسة العُمانية الخارجية التي استعملت الدبلوماسية أداة لها، قطعت أشواطا محمودة، وقد رأيناها تتجلى في المبادرة العُمانية إزاء تقريب وجهة النظر الأمريكية الأيرانية، التي أنجزت الاتفاق النووي الإيراني – الأميركي قبل أن تلغيه إدارة ترامب التي لم تستوعب بعد حجم التداعيات الخطرة المترتبة على هذه الخطوة .
عُمان ليست جديدة في مواقعها التوفيقية والتقريبية وسعيها لإرساء سلام في المنطقة، فقد كانت بادرت لإرجاع مصر إلى العرب وإعادة العرب إلى مصر، بعد قطيعة “كامب ديفيد” ونقل الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس..
وسلطنة عُمان كانت حاضرة أثناء الحرب العراقية – الإيرانية وحتى في الحرب الدولية وتحالفها على العراق وإسقاط نظام بغداد عام 2003 م .. كما كانت حاضرة بوعي وقد حذرت من مغبة الحرب في اليمن وعلى اليمن ووقفت إلى جانب الشعب اليمني وعظمت من قيمة الوقوف معه وضرورة الابتعاد عن سياسات الاستقطاب والمحاور والتماهي مع إنكار التدخل الذي تخدم المصالح الأجنبية..
عُمان كانت حاضرة أيضا أمام الاستحقاقات الدولية والإيقاع بسوريا، وكانت لها وجهة نظر أخرى أثبتت صوابها وجديتها .. وهي أيضا حاضرة بقوة في الصراع العربي الإسرائيلي بعيدا عن المزايدة والمناقصة والادعاء ، فقد وضعت أخيرا دبلوماسيتها من أجل إعادة دفع عملية سلام واضحة الملامح، لإنقاذ ما تبقى من فرصة وجدت أن الأشقاء الفلسطينيين بحاجة إليها لإبقاء قضيتهم حية، بعد أن حاولت أطراف دولية وإقليمية إسدال الستار عليها وتصفيتها في ما سمي بـ “صفقة القرن”..
لقد حذرت عُمان دائما من مغبة الاختلافات ومن التوظيف السيئ للحالة العربية ومن سياسات المحاور والاستقطابات ومن الخلافات داخل مجلس التعاون الخليجي وكان لها دائما رؤية واضحة جامعة مستقلة ومحايدة بايجابية.
لقد دفعت أطراف عربية وإقليمية ثمن سياسات مندفعة وغير موضوعية حذرت سلطنة عمان من الدخول إليها أو الاعتماد عليها .
ومنذ انطلاقة نهضتها قبل ما يقارب نصف القرن وضعت عُمان نصب نهجها استقلالها وحيادها الايجابي بشرط, وعدم تدخلها في شؤون الآخرين وبالمقابل قبول الأخر واعتبار الدبلوماسية وسيلة للحوار والتعاون..
ورأت أن العمل العربي الوحدوي داخل مجلس التعاون العربي أو خارجه لابد أن يكون مدروساً وثمرة لأعمال متفق عليها لا ينفرد فيها طرف بقرار على حساب طرف أخر.
ما حذرت منه سلطنة عُمان أو كانت تخشاه على الإقليم ودول الجوار وقع وها هي المياه المعكرة التي يسهل الصيد فيها شاهدة على ذلك.
النهضة العُمانية التي يحتفل بها العُمانيون اليوم في العيد الثامن والأربعين تأتي لتؤكد على سلامة النهج العُماني وعلى وضع الإنسان العُماني في مقدمة الاهتمامات العُمانية التي أكدها السلطان ودعا إليها.
لقد تطورت مكونات النهضة العمانية في كافة المجالات مع مجال سياسة التعمين والدفاع عن حقوق العُمانيين وفي بناء تعليم متطور وضمانات اجتماعية وصحية متطورة أيضا وفي رفع مستويات المعيشة.
وكان الرد على مظاهر الربيع العربي ليس بالقمع أو الزجر أو الاتهامية والتبرير وإنما بتقديم خطط عمل وفرص عمل للشباب ومحاولة احتضان المطالب الشعبية وملاقاة هذه المطالب واصحابها في منتصف الطريق , وتقديم حلول ناجحة وعملية وكان لمثل هذه السياسة النموذجية المحسوبة الفضل فيما آلت إليه الأوضاع العُمانية المستقرة.
عُمان اليوم نموذجاً لا يفتخر به العُمانيون فقط وإنما العرب أيضا وكذلك أصدقاء عُمان ودول العالم الأخرى
فالسلطنة لم تذهب إلى رفع الشعارات والعمل عكسها ولم تصرف وعوداً كثيرة وكبيرة وغير قابلة للحصاد.
لقد التزمت الدبلوماسية العُمانية الحياد الايجابي ووظفت فائض قدراتها من اجل السلام والاستقرار والتنمية كما وظف الإعلام العُماني إمكانياته وطاقاته من اجل المزيد من المصداقية وتبصير المواطنين على مصالحهم وربطهم بواقعهم وتاريخهم وحفزهم إلى مستقبلهم فكانت رسائله واضحة في خدمة التجسير والتنمية وبناء الإنسان فقد ظل بعيداً عن التلوث والحملات التضليلية وتسويغ التجاوزات أو انتهاك حقوق الإنسان.
لقد أخذت السياسة العُمانية بمبدأ التنمية المتوازنة التي تجعل الإنسان أساس التنمية يصنعها وتقوم من اجله وكذلك انسن العمانيون التنمية كما انسنوا الإعلام وأكدوا على ضرورة مصاحبة القيم الإنسانية والسمحة والخالدة لمسيرتهم لتظل للمسيرة عقيدة مؤمنة بمن ينجزها وبالوطن الذي يحتضنها.
لقد استفادت عُمان من تاريخها لتكسب المزيد من الحضور والمشاركة المعاصرة والفاعلة وتستمر في إطلالتها على المستقبل من خلال جغرافيا سياسية حية وقادرة على التفاعل تنهض من جناحي البحر والصحراء .
سلطنة عُمان اليوم وهي تحتفل بهذه الذكرى المجيدة هي اقدر اليوم على استبصار طريقها ونهجها وتعظيم انجازها وتأكيد دور قيادتها.
والالتفاف حول هذه القيادة الوطنية التي أطلقت طاقات العُمانيين وأبقت صورتهم في العالم صورة ايجابية فاعلة تحظى بالاحترام والتقدير.
فالسلطان قابوس بن سعيد الذي أحب بلده لا يغادره إلا قليلا ولمصالح وطنية، وهو لا يكدس أمواله في الخارج ولا يقدم الخارج على الداخل، ولا يهمه الاستثمارات الخارجية بمقدار ما يهمه الاستثمار في الإنسان العماني ومن اجل الإنسان العُماني.
لقد ظلت سمعة الحكم العُماني طيبة وعطرة بعيدة عن الفساد والجور، و انتهاكات حقوق الانسان لم يسجل عليها بطش أو ديكتاتورية بل وئام ومصالحة وبناء استفاد من الثروات الوطنية ولم يبددها بل وظفها وأحسن توظيفها ..
عُمان اليوم شجرة ضاربة جذورها في التاريخ وممتدة في المستقبل تطرح عطاءها الإنساني خالصا ، وهي ليست طارئة أو هجينة أو ثمرة لصفقة أو ناشئة من منعطف أو مصنوعة من مناسبة.
في هذا اليوم الاغر نبارك للعُمانيين قيادةً وشعباً ما أنجزوا، ونبارك لهم قدرتهم وحرصهم على صون مسيرتهم والتفافهم حول قيادتهم قيادة السلطان قابوس بن سعيد والتي لن يضلوا ما تمسكوا بها، فهنيئاً لهم هذه المسيرة الطيبة التي تقف على أعتاب اليوبيل الذهبي الخمسين.
عُمان .. على مرمى يوبيلها الذهبي
12
المقالة السابقة