في الأيام الخالية كان في مناهج اللغة العربية للصفوف الابتدائية قصة قصيرة عن طفل نزل في النهر دون امتلاكه لمهارات السباحة فأوشك على الغرق وبدأ يصرخ طالبا النجدة.. وبعد أن اعياه الصراخ اقترب منه رجل وأخذ ينظر له ويلومه على فعلته قائلا “كيف لك أن تنزل إلى النهر وانت لا تجيد السباحة؟ لقد ارتكبت خطأ لا يغتفر”، فما كان من الطفل إلا أن صرخ غاضبا بأعلى صوته مخاطبا الرجل: “يا هذا خلصني أولا من الغرق ثم لمني”.
على أهمية هذه القصة والعبر التي تحملها إلا أنني لم اكن راضيا عن وجود هذه القطعة في مناهجنا فمسرح أحداثها وطبيعة التجربة للشخصيات التي اشتملت عليها بعيدة عن البيئة الأردنية باعتبارنا بلدا جافا لم يشاهد الكثير من أطفاله انهارا في حياتهم ولا يعير غالبية الأردنيين السباحة وفنونها أدنى اهتمام.
خلال الايام القليلة الماضية ومع توالي حوادث الغرق والانجرافات وتشكل بحيرات الوحل والسيول وتحول مناهل الصرف الصحي إلى نقاط سوداء ومخاطر يمكن أن تودي بحياة الصغار والكبار أدركت أهمية القصة وتفكرت بالعبر والدروس المستفادة منها.
السباحة مهارة علينا أن نتعلمها حتى وإن كنا نعيش في أكثر بلدان الاقليم جفافا واقلها في المساحات الشاطئية فالمناخ يتغير وقد نجد انفسنا محاطين بالمياه في اي وقت من العام واينما كنا على خريطة البلاد. ففي الأردن يمكن أن تجرفك السيول القادمة من أعالي الجبال وقد تغرق وأنت على الطريق الصحراوي كما من الممكن أن تهوي في أحد مناهل تصريف المياه التي قالت الجهات الرسمية انها شكلت فرقا للطوارئ واستعدت لمواسم الأمطار وتأكدت من سلامة الإجراءات.
العبرة الاخرى في القصة الغريبة انها تنبه القارئ الى طبيعة الاستجابات التي قد تصدر عن البعض فلا يستغرب اذا ما انشغل من حوله باللوم والتأنيب له على فعلته قبل ان يقوموا بأي جهد لانقاذه وتخليصه من الورطة التي وقع فيها.
أحداث البحر الميت وضبعة وجنوب عمان التي ذهب ضحيتها العشرات من الأطفال والمواطنين والضيوف الابرياء وسط محاولة البعض التنصل وتبرئة مؤسساتهم من أي مسؤوليات يعيد إلى الاذهان الصورة التي حملتها القصة وموقف الرجل الذي اكتفى بتوجيه اللوم للطفل الذي يحاول النجاة.
في حادثة سقوط الطفلة في الحفرة الامتصاصية التي لم يكن غطاؤها آمنا لا يوجد أحد أو جهة تعتبر نفسها مسؤولة عن السلامة العامة. في هذه الحادثة وغيرها من الحوادث يختار القائمون على الخدمات الجوانب التي يعتبرونها ضمن اختصاصهم ويتبرؤون من الجوانب الاخرى دون وجود مرجعية تقول أين تبدأ المسؤولية وما هو نطاقها وحدودها ومعناها.
المنهل الذي ابتلع الطفلة والرجل الذي ضحى بحياته في محاولة لانقاذها يقع على رصيف أحد الشوارع وأمام مؤسسة تربوية تخضع لرقابة الجهات التربوية ومؤسسات التدقيق على شروط السلامة العامة وهي ضمن صلاحيات السلطة التي تشرف على البناء وكوداته وتنظيم الشوارع وتصريف المياه ومختلف مكونات البنى التحتية.
السلطة والمسؤولية متلازمتان يصعب الفصل بينهما فمن يستوفي رسوم المسقفات ويضبط مخالفات الاعتداء على خطط التنظيم ويراقب اوجه الالتزام والتجاوز ويسحب الرخص ويحدد اوجه الاستخدام هو مسؤول عما يقع من اخطاء. لا بد من الانتقال من حالة التنصل إلى حالة نهوض جديدة تتجاوز تشكيل اللجان وتمييع المواقف والمراهنة على قصر ذاكرة الناس ففي ذلك اخطار لا تتوقف عند فجيعة أهالي الضحايا بل قد تصيب إيمان الناس بجدارة الحكومات والمسؤولين وشرعية استمرار المسؤول في موقع المسؤولية.