صورة تعبيرية
عروبة الإخباري – لؤي أحمد
“أنا انولدت بالشارع ورح أضل بالشارع وما رح تفرق عندي” هذه الجملة السوداوية ليست مشهدا من مسرحية تراجيدية، إنها كلمات الحدث المتسول (ج.م.س) الذي التقيناه في شارع من شوارع عمان يمارس التسول رفقة أبيه الستيني (م.س)، الأب الذي يجمع الخردوات ويبيعها على (بسطة) يتخذها ستارا لإخفاء ممارسته للتسول مع ابنه القاصر متذرعا بفقره وبأن لديه ابنتان معوقتان يعولهما مع أمهما. ألقت الجهات المختصة القبض على (ج.م.س) خمس مرات، وأودع دور رعاية الأحداث المتسولين المكررين بعد أن أُحيل أبوه إلى القضاء للمحاكمة بتهمة التسول، وفي كل مرة، وبتأثير من أبيه، يعود إلى الشارع غير عابئ بتهديد القبض عليه.
تُلقي وزارة التنمية الاجتماعية القبض على المتسولين مع أبنائهم القُصّر، فيُحاكم البالغون بتهمة التسول، ولا يُحاسبون على إهمال الأطفال وتعريضهم للخطر، وعقب انتهاء المحكومية يعودون لاستلام أبنائهم وزجهم في الشارع مرة أخرى، ونحن إذ نمتنع عن ذكر اسم الحدث وأبيه صراحة أو نشر صورتهما نؤكد حفاظنا على حقهما في الخصوصية وعدم التشهير.
ما يقرب من ثلاثة آلاف طفل متسول تعاملت معهم وزارة التنمية الاجتماعية منذ العام الماضي وحتى الآن، جلهم من المكررين، وفقا لما قاله رئيس وحدة مكافحة التسول في الوزارة خالد المومني: “عندما يتم ضبط البالغ وبرفقته حدث نُحول البالغ إلى المركز الأمني، المركز الأمني يقوم بكتابة تقرير تفصيلي عن البالغ وإحالته إلى محاكم الصلح، أما المتسول الحدث فتقوم وحدة مكافحة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية بإجراء دراسة اجتماعية قبل أن تُحوله إلى محكمة الأحداث لينظر القاضي بأمره قبلَ أن يودع في مراكز المتسولين التابعة للوزارة”.
https://www.youtube.com/watch?v=4UQ55aXX9UY&feature=youtu.be
مكوث الأطفال في الشوارع يستجدون المارة يجعلهم عرضة لحوادث السير وأعمدة الكهرباء المكشوفة ومخاطر جمع النفايات وما تحويه من مخلفاتٍ بشرية وحقن سامة، فضلا عن العنف الجنسي وحرمانهم من التعليم واحتكاكهم العنيف مع منافسيهم في الشارع، وصولا إلى الضرب في حال لم يُحصّلوا المبلغ المطلوب، الدكتور هاني جهشان عضو هيئة تحرير دراسة الأمين العام للأمم المتحدة في حماية الأطفال أبدى استياءه من محاكمة الآباء بتهمة التسول دون أن تُسند إليهم تهمة الإهمال، ويرى جهشان أن: “الإهمال هو عدم توفير احتياجات الطفل الأساسية من التعليم والصحة والغذاء والرعاية الطبية، وللأسف لا يأخذ القضاءُ الإهمالَ بعين الاعتبار عند ضبط الأب أو الأم وهم يتسولون مع أبنائهم، وبذلك يضيع الطفل المتسول بسبب هذا النظام القضائي”.
في السياق ذاته تتساءل المحامية المزاولة والباحثة المدافعة عن حقوق المرأة والطفل هالة عاهد عن سبب عدم تضافر قانون العقوبات وقانون منع الاتجار بالبشر وقانون الحماية من العنف الأسري مع قانون الأحداث، وذلك من أجل تحصين القُصّر ضد استغلالهم من قبل آبائهم في التسول: “لماذا كل هذا القوانين لا تتضافر لتدعم ما جاء في قانون الأحداث المادة 33 من أنّ الطفل إذا كان محتاجا للحماية لأنه عمليا مع أسرة تدفعه للتسول؟ ولماذا لا يُفعّل النص في قانون الحماية من العنف الأسري الذي يقضي بأن على المحكمة الشرعية المختصة -بناء على طلب إدارة حماية الأسرة- أن تُعيّن مَن يُمثل فاقد الأهلية أو ناقصها إذا كان هناك تعارض بين مصلحة أي منهم مع مصلحة الصغير؟ وترى عاهد تبعا لذلك أن الأب المتسول مع ابنه: “حين يقضي عقوبة قليلة يستطيع أن يذهب ويُخرج ابنه من دار الإيواء ويدفعه مرة أخرى للتسول”.
https://www.youtube.com/watch?v=Jvh-2nGEDvI&feature=youtu.be
قُضاة أحداث لم يخولهم المجلس القضائي بالتصريح لنا قالوا إنهم يلتزمون بالتهم التي ينسبها لهم الادعاء العام، أو المراكز الأمنية، في حين أن الناطق الرسمي باسم مديرية الأمن العام عامر السرطاوي أناط بالادعاء العام مهمة التكييف القانوني للتهم الموجهة للمتسولين البالغين، وأن مهمة المراكز الأمنية تقتصر على تحويلهم للقضاء: “نرافق فرق مكافحة التسول خلال حملاتهم وجولاتهم، نضبط المتسولين ونكتب الضبوطات اللازمة ونسلمهم للمركز الأمني الذي ينحصر دوره فقط بتوديع القضية للقضاء صاحب الصلاحية في التحقيق فيها والتكييف القانوني لها”.
https://www.youtube.com/watch?v=cWlJM-gak7A&feature=youtu.be
الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة بالوكالة محمد مقدادي دعا إلى محاكمة أولياء الأمور بتهمة الإهمال وعدم الاكتفاء بتوجيه تهمة التسول لهم، ورأى في ذلك خطوة على طريق الحد من تكرار المذنب لفعلته، يقول مقدادي: “مسألة تحويل مَن يجبر الطفل على ممارسة التسول للحاكم الإداري وأخذ التعهدات نعتقد أنها غير مجدية لأننا نرى أن نسبة التكرار في ممارسة التسول نسبة عالية جدا”.
تنظر المؤسسات المعنية بالتسول إلى القضية بوصفها الجرمي، دون الأخذ في الاعتبار المصلحة الفضلى للطفل، مجمدة بذلك المادة رقم 289 من قانون العقوبات التي نصت على: “كل مَن ترك قاصرا لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع أو معقول ويؤدي إلى تعريض حياته للخطر أو على وجه يحتمل أن يسبب ضررا مستديما لصحته يُعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة”.
من هنا قد تكون محاكمة الآباء المتسولين مع أبنائهم بتهمة الإهمال رادعا حقيقيا سيحد من تكرار الحدث للتسول وسيؤدي بالنتيجة إلى حمايته، فغياب الردع وإعادة التأهيل والاكتفاء بمحاكمة الآباء المستغلين لأطفالهم بتهم التسول من غير إسناد تهم الإهمال والاتجار تفتح الباب على مصراعيه أمام استمرار أولي أمر الأطفال بتسخيرهم للتسول.