عروبة الإخباري -أحمد أبو حليوة
لو كان الأمر بيدي لعدتُ مراهقاً أمتطي صحوة النبض، وأفرح بنظرة فتاة عابرة لي، تشعرني أنّ بي بعض جمال عذب، تبحث عنه أو عن دفء لذيذ تنشده، أو ترى فيّ تجسيداً لحلم بأمير راودها ذات خيال رطب.
لو كان الأمر بيدي لأخذتُ العشرين الأولى من عمري، حيث سعادتي بالقليل، حتى لو كانت نظرة من بعيد لفاتنة في حافلة عامة، تنظر إلى شاب وسيم يجلس خلفي.
لو كان الأمر بيدي كنتُ سأكبر أكثر، كما يكبر كلّ البشر، وسأذهب بعد عقود ببقايا ما تبقى لي من قوة ضحلة في قدميّ الخائرتين غير الحائرتين إلى مأوى للعجزة ودار للمسنين، وبكلّ ما أوتيتُ من قناعة ورغبة جديّة في ذلك، إذ ربما سأرى عجوزاً فيها أطلال للحسن وذكريات معتقة للجمال في السبعين، تتوكأ عصاتها وقد تقوّس ظهرها، تتأملني ببصيرتها الثاقبة لا بصرها الضعيف، من خلف عدستين دائريتين لنظارتها الطبية الكبيرة، تكون أول وآخر امرأة في حياتي تحبّني بصدق وحق.. تردّد في سرّها بهمس وأنين:
– أيّها الحبيب الكبير المتصابي الوغد.. أكان عليّ أن أنتظركَ كلّ هذي العقود الطويلة، كي ينبض من أجلكَ ولأول مرة قلبي، الذي ظننتُه قد شَابَ، والآن عرفتُ أنّه قبلكَ لم يكن قد بلغ الحلم بعد…