«.. ويل لأمة يقود الرأي العام فيها، ويوجه حكومتها، رجال دين لبعضهم عقول تمت لقرون خلت، ويحمل بعضهم تحت إبطهم شهادات مزورة أو صادرة من جامعات تقع في الدرك الأدنى من الجامعات، ولا يستطيع أحد نقدهم لأن لحومهم محرمة»!
***
لا يمكن لأمة أن تتقدم والحقد والعنصرية والقبلية والطائفية تنخر فيها، وليس هناك من يؤجج نار مثل هذه القضايا الخطيرة كرجال الدين السيئين، الذين يتعمدون إسباغ ألقاب السماحة والفضيلة على أنفسهم بكل «قوة عين».
ولو نظرنا الى كل دول العالم تقريبا لوجدنا انحسارا واضحا لدور رجل الدين نتيجة زيادة ثقافة المجتمع وتقدمه الاقتصادي، وبالتالي عزوف الكثيرين عن العمل في مهنة الدعوة أو رعية الناس، وخروج الكثيرين من الكنائس عن العمل لعدم وجود من يديرها، وتكليف النساء بإدارة بعضها.
وحدها دولنا تجد فيها تكالبا مستمرا على وظيفة رجل الدين، ليس لما يحصل عليه المشتغل بالأمور الدعوية من تقدير وتبجيل فقط، بل ولما يتم تحقيقه من نفوذ وثروة من خلالها ايضا. فلو استعرضنا السيرة العملية أو الوضع المالي للكثير من الدعاة لوجدنا أن الكثيرين منهم حققوا لانفسهم ثروات كبيرة، ويتشابهون في الأمور التالية:
أولا: سعيهم جميعا تقريبا للحصول على أعلى الشهادات من أكثر جامعات العالم تواضعا في مستواها.
ثانيا: إصرارهم جميعا تقريبا على ارتداء أزياء وأغطية رأس غريبة لتمييز أنفسهم عن «منافسيهم».
ثالثا: السعي لدى أطراف ثالثة لترويج ألقابهم كمفكرين، وأساتذة كبار، وإصرارهم على منح أنفسهم لقب «فضيلة».
رابعا: السعي للانتساب الى حزب إسلامي، وغالبا إخواني، للحصول على الحماية والتغطية السياسية، والوصول الى المناصب الحكومية العليا عن طريقهم.
خامسا: الظهور المكثف في القنوات التلفزيونية، بدعم من احزابهم الدينية.
سادسا: المشاركة في تأسيس قنوات فضائية دينية، أو امتلاك إحداها.
سابعا: امتلاك شركات تعمل للترويج لأفكارهم، والمتاجرة بالدين.
ثامنا: المشاركة بقوة في الجمعيات واللجان الدينية والدعوية الحكومية التي تهتم بمشاكل الشباب، والتي تصرف عليها الحكومة ببذخ.
تاسعا: المشاركة بقوة في منظمات إسلامية محلية وإقليمية وعالمية كالهيئة الإسلامية العالمية، ورابطة العالم الإسلامي، وغيرها من أذرع الأحزاب الدينية.
عاشرا: المساهمة بقوة في برامج الإعجاز العلمي للقرآن، والتكسب من وراء استضافة المشتغلين في هذا المجال المربح.
احد عشر: السعي بقوة للمشاركة بأجر كبير في عدد من اللجان والهيئات الاستشارية الحكومية أو التي تتبع الشركات والمؤسسات المالية «الإسلامية»!
اثني عشر: المشاركة في البرامج الإذاعية والتلفزيونية والكتابة في الصحافة بأجر، هذا غير المشاركة في عقود «الملجة»، أو الزواج، وغيرها من الأنشطة المدرة للمال.
وهكذا نرى من كل هذه الأمور وغيرها أن العمل في مجال الدعوة، وفي التخصص كـ«فضيلة» مسألة مجزية وتدر الكثير من المال وتكسب من منح اللقب لنفسه الكثير من الاحترام، الأجوف غالبا، والمال الوفير.
نعيد ونكرر: ويل لأمة يقود الرأي العام فيها، ويوجه حكومتها، رجال دين لبعضهم عقول تمت لقرون خلت، ويحمل بعضهم تحت إبطهم شهادات مزورة أو صادرة من جامعات تقع في الدرك الأدنى من الجامعات، ولا يستطيع أحد نقدهم لأن لحومهم محرمة!