عروبة الإخباري -أحمد أبو حليوة
قبل أيام عدت مساء، كنتُ متضايقاً جداً من أمر ما ومبعثر الأعماق، وأريد أن أبقى وحدي أطول فترة ممكنة، وهذا ما دفعني إلى إغلاق الفيسبوك وهاتفي الجوال عند الساعة السابعة مساء، وعند الساعة الثامنة كنت قد وصلتُ مدينة الزرقاء قادماً من العاصمة عمّان، فشدّني الجوع إلى مطعم (أبو أكرم) الشعبي إذ قررتُ ألا أعود إلى البيت قبل منتصف الليل، وتذكرتُ أنّني لم أتناول سوى سندويشة ظهر ذاك اليوم.
جلستُ على طاولة ولم أر أيمن، وإن تذكرتُ صوته “مين بده شاي .. شاي يا شباب” وهو أحد أشهر العاملين التاريخيين في المطعم، فحضر بدلاً منه ذاك الرجل السوري الخمسيني الهادئ الصوت والدائم الابتسام كياسمين الشام، قاومتُ حزني، وقابلتُ ابتسامته الطيبة بابتسامة باهتة بعض الشيء، لكنّها صادقة، وطلبت منه صحن متبل، فأكلتُه بهدوء خارجي رغبة بتحقيق سكينة داخلية، لا سيما وأن المطعم كان شبه خال من الزبائن، وبعد ذلك طلبتُ منه أن يحضر لي كأس شاي ففعل، وبينما أنا جالس إذ بشاب أسمر البشرة، يملك ابتسامة قادرة على أن تحتفظ بها ذاكرتك البيضاء طويلاً.
نهضت فرحاً به، إذ تذكرتُ أنه طالب كان متوسط الاجتهاد وخفيف الظل عندي في مدرسة جناعة في مدينة الزرقاء، حيث قمتُ بتدريسه مادة اللغة العربية قبل سنوات عندما كان في الصف العاشر.
صافحتُه وقبل أن يقبلني وجدته يسارع إلى تقبيل يدي في لحظة مرتْ سريعة وعميقة ودافئة، وفي ذات الوقت بحجم عمري، أفقدتْني توازني الذهني، وجعلتْني أتشظى فرحاً على حين غفلة من هذا الزمن الذي يعتصرك في أيام الحزن، ويطلقك سرباً من سرور في برهة عابرة من زمن أتى لك بحدث مبهج استثنائيّ، لم يخطر لك على بال، وجعلك تستجمع ركام نفسك سريعاً وتلملم شظايا ذاتك في لحظة بر ووقار.
عرفتُ منه أنّه أصبح طالباً في السنة الثانية في قسم المحاسبة في جامعة الزرقاء الخاصة، وذلك قبل أن يغادرني ويذهب، وهو الذي منحني شعوراً خلاباً متلألئاً في أعماقي كما الذهب.
وجدتُ نفسي من بعده أجلس مبهوتاً بما حدث، واستعدتُ ما حدث خيالاً من جديد، لأجد نفسي منقاداً إلى تقبيل يدي، لا لشي، بل لأنّها صافحت يد ذاك الشاب الذي…