يجب على المملكة العربية السعودية أن تواجه الأضرار التي نجمت عن ما يزيد على ثلاثة أعوام من الحرب في اليمن.
فلقد تسبب الصراع في تخريب علاقة المملكة بالمجتمع الدولي وأثر على الوضع الأمني الإقليمي وأضر بسمعة المملكة في العالم الإسلامي.
يوجد لدى المملكة العربية السعودية الآن فرصة سانحة لإبقاء إيران خارج اليمن وفي نفس الوقت إنهاء الحرب بشروط تفضيلية فقط لو أنها بدلت دورها من صانع حرب إلى صانع سلام.
بإمكان المملكة العربية السعودية استخدام نفوذها ضمن الدوائر الغربية وتمكين المؤسسات والآليات الدولية حتى تنهي الصراع. إلا أن الفرصة المتاحة لحل الصراع توشك أن تتلاشى.
يمكن القول إن محادثات جنيف للسلام برعاية الأمم المتحدة، والتي كان من المقرر أن تبدأ يوم الخميس، قد انهارت في الواقع العملي.
وذلك يعود جزئياً إلى تخوف المتمردين الحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة (وعلى معظم مناطق غرب اليمن) من أن عودتهم ستصطدم بعقبة كؤود بسبب هيمنة المملكة العربية السعودية على المجال الجوي اليمني.
طبعاً، بإمكان السعوديين تزويد خصمهم وكذلك مسؤولي الأمم المتحدة بالدعم الذي يحتاجونه للتنقل – أو ربما بإمكانهم حتى تزويدهم بطائرة سعودية.
والأفضل من ذلك أن المملكة بإمكانها الإعلان عن وقف لإطلاق النار والدعوة إلى محادثات سلام في مدينة الطائف السعودية، حيث أجريت من قبل محادثات سلام مع اليمنيين.
ما دفع المملكة العربية السعودية إلى اتخاذ إجراء في اليمن هي مخاوف أمنية بسبب تدخل إيران في ذلك البلد. إلا أن جهود الحرب السعودية لم توفر طبقة إضافية من الحماية الأمنية.
وإنما زادت بدلاً من ذلك من احتمال تكبدها محلياً بالضحايا والخسائر. تعتمد منظومة الدفاع السعودية على نظام باتريوت الصاروخي المصنع في الولايات المتحدة.
ولقد نجحت المملكة العربية السعودية في صد الصواريخ الحوثية ومنعها من التسبب بإحداث أضرار جسيمة. ومع ذلك، فإن انعدام قدرة السلطات السعودية على منع الصواريخ الحوثية من أن تنطلق بادئ ذي بدء يعتبر إنذارًا محرجًا.
أي أن قيادة المملكة لم تتمكن من تقييد قدرات خصمها المدعوم إيرانياً.
كل صاروخ تطلقه قوات الحوثي يشكل عبئاً سياسياً ومالياً على المملكة. ليس معلوماً على وجه الدقة كم يكلف كل صاروخ يزود به الإيرانيون الحوثيين.
إلا أن بإمكان المرء أن يخمن بأن ثمن مثل ذلك الصاروخ لا يقارن بحال مع تكلفة صاروخ الباتريوت، والتي تصل إلى ثلاثة ملايين دولار.
إن التكاليف غير المتوقعة للصراع الذي تدور رحاه في اليمن تعني أن المملكة العربية السعودية تقترض الأموال بشكل متزايد من الأسواق العالمية دون أن تفصح عن الغرض من هذه الأموال المقترضة.
ويقال بأن المملكة رتبت لاقتراض ما مجموعه أحد عشر مليار دولار من البنوك الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن بحال تقدير الخسائر السياسية الناجمة عن فقدان الأرواح البريئة. لقد نجم عن خطأ استخباراتي سعودي قصف حافلة كان يشك بأنها تنقل مقاتلين حوثيين، إلا أن الصاروخ ضرب حافلة مدرسة تنقل أطفالاً.
ليس بوسع المملكة تحمل أن تتحول المنطقة المحاذية لحدودها الجنوبية إلى منطقة حرب مفتوحة والإبقاء في نفس الوقت على ثقة الأسواق الدولية والاحتفاظ بمستوى من التفوق الأخلاقي.
فالأخطاء والمخاطر الناجمة عن الصراعات طويلة المدى تنال من سمعة المملكة دولياً وتزيد من احتمالات الدخول في مواجهة مع الحلفاء التقليديين.
ولا أدل على ذلك من أن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس صرح مؤخراً بما يلي: “نحن ندعم حق شريكتنا المملكة العربية السعودية في الدفاع عن النفس”.
فما كان من وسائل الإعلام السعودية إلا أن نقلت تصريح ماتيس بحماسة شديدة بعد أن حذفت منه الجزء الذي يؤكد فيه أن الدعم الأمريكي “ليس بدون شروط” والذي حث فيه السلطات السعودية على “فعل كل ما هو ممكن بشرياً لتجنب أي خسارة في أرواح الأبرياء”.
ينبغي أن تكون تصريحات ماتيس بمثابة تنبيه لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بما عليه الأمور في الواقع، وخاصة أن المملكة العربية السعودية تكتسب هويتها من المكانة الإسلامية التي لها. فلا نحتاج لأن يذكرنا أحد بقيمة الحياة البشرية.
وفعلاً، يستحق المسلمون حول العالم أن يكون مهد الإسلام ممثلاً لقيم هذا الدين.
لا تستحق المملكة العربية السعودية أن تقارن بسوريا، والتي لم يتردد زعيمها فيما يبدو في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.
يُخشى أن يؤدي استمرار الحرب في اليمن إلى إضفاء درجة من المصداقية على الأصوات التي تقول إن المملكة العربية السعودية تفعل في اليمن ما يفعله الرئيس السوري بشار الأسد وما يفعله الروس والإيرانيون في سوريا.
وحتى في جنوب اليمن الذي يعتبر الآن “محرراً”، ينظم المتظاهرون حالياً حملة من العصيان المدني ويهتفون بشعارات تندد بالتحالف الذي تقوده السعودية، والتي يعتبرونها القوة الفعلية على الأرض بدلاً من حكومة اليمن المنفية.
سوف توفر محادثات السلام فرصة ذهبية للملكة العربية السعودية، ومن المؤكد أن الرياض ستجد دعماً دولياً إذا ما دخلت في وقف لإطلاق النار عندما تبدأ المحادثات.
عليها حينها أن تستغل نفوذها الدولي وإشراك المؤسسات الدولية وحلفاءها للضغط مالياً على طهران كي تنسحب من اليمن.
وينبغي على ولي عهد السعودية أن يقبل أيضاً بأنه يجب أن يلعب الحوثيون والتجمع اليمني للإصلاح والحراك الجنوبي دوراً في حكم اليمن في المستقبل.
من الطبيعي ألا تتمكن الرياض من الحصول على كل ما تريده وينبغي أن تترك اليمنيين ليحلوا خلافاتهم مع الحوثيين ضمن مؤتمر وطني – بدلاً من سفك الدماء في ساحات الوغى.
كلما طالت هذه الحرب الوحشية في اليمن كلما كان الضرر الناجم عنها دائماً، إذ ينشغل الشعب اليمني في محاربة الفقر والكوليرا وندرة المياه وفي إعادة بناء بلدهم.
يتوجب على ولي العهد وضع حد للعنف وإعادة الكرامة لمهد الإسلام.