عروبة الإخباري – لخص رئيس منتدى اعمار العراق ورئيس مجلس الأعمال العراقي في الأردن الدكتور ماجد الساعدي البرنامج الحكومي لرئيس مجلس الوزراء في التشكيلة الحكومية المقبلة، وفيما أكد على ضرورة دعم القطاع الخاص والاستثمار، دعا إلى تبني خصخصة العديد من القطاعات لتحول السوق العراقي من النظام الاشتراكي الى نظام السوق الحر والرأسمالي.
غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة للعراق
سقوط النظام السابق في 2003 كانت له نتائج سلبية وانعكاسات على اقتصاد الدولة بشكل عام. الاقتصاد العراقي بُني على نظام اشتراكي على مدى 40 عامًا، وتحوَّل بين ليلة وضحاها إلى اقتصاد السوق المفتوح، مما سبَّب إرباكاً في الاقتصاد بشكل عام.
الرؤية موجودة، والمسؤولون يتحدثون بشكل دائم عن النظام الاقتصادي وبناء اقتصاد حر، لكن الظروف المحيطة بهم سواء كانت سياسية أو الانتخابات والقوانين والدستور أدت بشكل او بآخر إلى عرقلة تحول الاقتصادي بالشكل الصحيح. حاولنا منذ سقوط النظام التواصل مع الحكومات المتعددة وحاولنا إيصال رؤية الانتقال إلى اقتصاد السوق، لكن اصطدمنا بثقافة متوارثة لسنوات عديدة مع النظام الاشتراكي الذي يرفض المشاركة ويرفض دعم القطاع الخاص، ويحاول أن ينشئ قطاعًا خاصًا حكوميًا، وليس قطاعًا خاصًا بالمعنى الحقيقي.
الخصخصة هي الحل
كلما تحدثنا عن عمليات الخصخصة نجد معارضة كبيرة من الحكومة والمسؤولين عن اقتصاديات البلد على اعتبارها سياسات رأسمالية ممكن أن تؤذي المواطن، وهذا غير صحيح تمامًا، نحن متخصصين بإعادة هيكلة المؤسسات كعمل خاص في الدول العربية وأوروبا، ونشتري المؤسسات المتعثرة وحتى الناجحة ونعيد هيكلتها، وبالتالي يتمتع موظفوها بعد الخصخصة بامتيازات أفضل وبرواتب أفضل وبمستوى معيشي أفضل، والمنتج يجد أسواقًا عديدة يمكن أن يتحرك بها.
طرحنا في العديد من المجالات بأن الخصخصة هي الحل، فالدولة مثقلة بعمالة هائلة تستنزف كل مواردها، وبالتالي يجب إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي لكي نجد رؤية واضحة، ماذا نريد من الاقتصاد؟ وما هو عنوان اقتصادنا؟ هل نحن مشترك أم اشتراكي أم رأسمالي؟، وننظر إلى الدول المجاورة. ففي الأردن –على سبيل المثال- أكبر جالية عراقية استثمارية تتواجد هناك باستثمارات هائلة، ودخلنا في عمليات الخصخصة في منشآت الدولة الأردنية، وبالتالي تحسن أداؤها والإنتاج والمستوى المعيشي للموظفين.
دور وزارة الخارجية في الاستثمار
دول العالم لا تعطي للحكومات القروض إذا لم يكن القطاع الخاص له جزء من إعادة الهيكلة. ذهبنا لمؤتمر الكويت للدول المانحة بكل قوة وكانت هناك ألفي شركة عالمية، وكانت صناديق سيادية للدول تريد أن تدخل بإعادة هيكلة القطاع الخاص في العراق، لكن للأسف الشديد لم تكن الأمور بمستوى الطموح نتيجة لغياب الرؤية الاقتصادية، وطُرحت مشاريع وفيها دراسات لكن المستثمرين يحتاجون إلى بنوك محلية يستطيع التعامل معها لتسهيل معاملاته المالية، وكذلك يحتاج الى التشريعات والقوانين والحماية الأمنية وحماية رأس المال المستثمر. هنالك مقومات عدة لكي تنجح المؤسسة الاستثمارية.
وهناك دور مهم لوزارة الخارجية العراقية للترويج للعراق كبلد جاذب للاستثمار، وللأسف لم يحصل هذا الأمر, نتمنى من الحكومة القادمة أن تنظر في هذا الأمر بجدية، وتنظر إلى إمكانية الوزارة والملحقيات التجارية أن يُعلموا ويُعرِّفوا السفراء في الخارج عن حجم الاستثمار المطلوب والمشاريع المطلوبة وقوانين الاستثمار والدخل القومي والبطالة والطاقة الكهربائية والبنى التحتية، كل ذلك من دور وزير الخارجية، ونتمنى من الوزير القادم أن يعمل على ذلك كأداة تسويقية لبلد جاذب للاستثمار. البلد لن يبنى بإمكاناتنا الذاتية.
الحرب الإقتصادية القادمة
حربنا القادمة هي حرب اقتصادية بحتة، ولاحظنا ما جرى في البصرة فقد نفذ صبر المواطن من التلكؤ في تقديم الخدمات، وهذه كانت رسالة واضحة للحكومة الحالية والقادمة بأن الشعب لا يتحمل أكثر مما تحمله إلى الآن. ننتج من النفط أربعة ملايين برميل يوميًا، ولدينا إمكانيات هائلة لكن لا توجد خدمات في المقابل، وهذا خلل في الرؤية الاقتصادية. أين الرؤية الاقتصادية إذن؟
التحديات القادمة
الحكومة القادمة أمامها ثلاث تحديات كبيرة:
التحدي الأول: التحدي الإقليمي فيما يتعلق بالصراع الإيراني الأمريكي، وسيكون للحصار على الجمهورية الإسلامية انعكاسات اقتصادية على العراق. دور الحكومة العراقية القادمة أن تحافظ على هذا التوازن الإقليمي وأن تحافظ على مصالح كل الأطراف التي تتعلق بالعملية السياسية العراقية، وأن يكون العراق قاعدة توازن وليس قاعدة اختلاف بالمنطقة.
التحدي الثاني: هو الجيش والقوات الأمنية والفصائل المسلحة التي تنتمي إلى الأحزاب السياسية، إذ يجب أن يتم دمج هذه القوات لتكون جهة واحدة تحارب عدو واحد بدلًا عن التخوف من عدم الاستقرار، وهذا الأمر ينعكس على الاستثمار، فمن وجهة نظر استثمارية إذا عرفتُ بأن منطقة ما فيها اضطرابات أمنية فإنني سأتردد في الاستثمار.
التحدي الثالث: هو توفير الخدمات وبشكل سريع، فالشارع في غليان؛ ليس في البصرة فحسب بل في مناطق الجنوب كلها، وبغداد أيضًا وتفتقر لخدمات بسيطة من ضمنها الكهرباء. الكهرباء ليست بعلم عظيم أو محطات نووية، كلها محطات غازية أو كهرومائية أو ديزل. كلها متوفرة والشركات العالمية موجودة، وممكن أن تكلف تلك الشركات بتعظيم الإنتاج ومضاعفته خلال سنة واحدة مقابل شراء الطاقة منها، وحلها بسيط ومتوفر وبدون كلفة استثمارية رأسمالية عن طريق الاستثمار.
الشبكة تحتاج إلى إعادة هيكلة كونها شبكة قديمة ومتهرئة وتحتاج إلى الاستثمار. بدأنا من آخر حلقة إنتاج الكهرباء للأسف وهو التحصيل. وكان من المفترض البدء بإنتاج الكهرباء أولا ثم التحصيل، فالعملية تبدأ بالإنتاج الحقيقي الكافي الذي يغطي الاحتياجات. فعندما تكون كهرباء مستمرة فالمواطن تدريجيًا يشعر بكلفة الكهرباء وسيدفع الجباية ويبدأ بتقليل الاستهلاك.
البنى التحتية
لكي تستثمر في أي مجال فأنت بحاجة إلى بنى تحتية وشوارع ووسائل نقل متطورة ومطارات تستوعب الحمولات الثقيلة وإلى كهرباء ومجاري وغيرها، مثلا “دبي” بدأت بالبنى التحتية فقط، وبقيت عشرة سنوات تنشئ الشوارع وتقسمها جغرافيا بشكل جديد، وأنشأوا مناطق معينة وأعطوا إقامات في المناطق المرتبطة بالصناعة. الآن في دبي يتم منح المستثمر الفيزا لعشر سنوات، وأتوقع أن يمنحوا الجنسية للمستثمرين في المستقبل. فالبنى التحتية ضرورية جدا لقيام أي استثمار وللأسف غير موجودة في العراق.
إعادة مجلس الإعمار
على تحديد أوليات الاستثمار في كل المجالات، طرحنا في 2003 مشروع إعادة مجلس الإعمار والذي تم تأسيسه في الزمن الملكي وكانت فكرة ممتازة للمشاريع الاستثمارية، فالمشاريع الاستثمارية تمر من خلال مجلس الإعمار وليس الحكومة، وبعد أن تتم الدراسات والتخصيصات لتلك المشاريع تُعطى إلى الحكومة لتنفيذها، ومجلس الإعمار يشرف على تنفيذها. نحن بحاجة إلى تأسيس هكذا مجلس يرتبط بالحكومة، والفريق الاقتصادي يجب أن يكون قوي جدًا وهذه مشكلتنا الحقيقية في السنوات الـ15 الماضية، وهي الكادر الاستشاري الاقتصادي لا يرتقي إلى مستوى الحدث والمشكلة. حجم التحديات كبير، والثقافة الحكومية اشتراكية بحتة والحكومة تملك كل شيء وتدير كل القطاعات الاقتصادية ومترددة في قبول مشاركة القطاع الخاص. كلها سببت عوامل إرباك للرؤية الاقتصادية. فعندما نتجه إلى الخصخصة والسوق الحر نرى هناك قرارات متعلقة بنظام اشتراكي سابق تدخل على الخط وتعيق العمل الاستثماري. ولهذا السبب لم ينجح أي مشروع استثماري في البلد إلى الآن.
انعدام الثقة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص
لا يوجد في العراق قطاع خاص متكامل كما موجود في أوروبا، فنظامنا مذ أن وعينا هو نظام اشتراكي، وبالتالي معظم القطاع الخاص العراقي وقوته ورأسماله المتمكن هو خارج العراق، ففي الأردن هناك أكثر من 18 مليار دولار للاستثمار من القطاع الخاص العراقي فقط، وفي بريطانيا عشرات المليارات وفي أمريكا وأوروبا والإمارات والكثير من الدول. لماذا ينجح هذا القطاع الخاص خارج العراق ولا ينجح داخل العراق؟
إنَّ عدم الثقة تولدت عند سقوط النظام وما سببه من ارتباك إداري وسياسي ومالي وتشريعي، وسقوط النظام كان حتى مفاجئًا حتى للكثير من المعارضين، وبالتالي لم يكونوا متهيئين لتأسيس نظام اقتصادي ووضع خطة عمل وبرنامج اقتصادي حكومي واضح وصريح، واعتمد على رجال أعمال محليين، لكن حدث ارتباك وسوء تصرف من بعض رجال الأعمال في عدم تنفيذ المشاريع، وعدم وجود الرقابة على التنفيذ، فكان القضاء والرقابة سبب رئيسي في انعدام هذه الثقة.
رأس المال العراقي في الخارج بإمكانه إحداث طفرة اقتصادية
بحسب إحصائيات الأمم المتحدة هناك 5.4 مليون عراقي مغترب منتشرين في خمس قارات. وعدد كبير منهم من الطبقة الوسطى ورجال الأعمال والمستثمرين. رأس المال العراقي المستثمر في الخارج يقدر بـ300 مليار دولار وهذا ليس بجديد، بل منذ الخمسينات بدأت تهاجر رؤوس الأموال العراقية تدريجيًا، وبدأت بالإزدياد بعد احتلال الكويت الذي رافقته هجرة هائلة، وبعد 2003 أيضاً، ولكل هجرة أسبابها وظروفها الاجتماعية والسياسية لكن هذا الواقع.
رؤوس أموال عراقية كبيرة موجودة في الخارج، ورجال الاعمال يرغبون بعودة جزء من رأس مالهم واستثماره في العراق ومساعدة أهلهم، والمغترب العراقي ابتعد عن الصراعات الداخلية والأمور التي حدثت رافقت الأحداث السابقة من الطائفية والمحاصصة والشعور بالمظلومية من قبل النظام وبعده وغيرها، ولذلك يأتي المستثمر العراقي بنيِّة صادقة ووطنية للدخول إلى السوق وتقديم خبرته وأمواله وعلاقاته الدولية، فيحتاج إلى الرعاية وإلى من يشجعه على القدوم وتأسيس تشريعات محددة وإعفاءات محددة للترحيب به في بلده.
تحدثت في رسالتي للماجستير عن دور المغتربين وبناء الدول بعد سقوط الأنظمة بالقوة منها اليابان وألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وما حدث في لبنان أقرب إلى واقعنا اليوم أيضاً.
آراؤنا ومقترحاتنا تُسمع ولا تُنفَّذ!
قبل 2003 لم أستطع العودة إلى العراق، وبعد سقوط النظام بأسبوع أتيت للعراق عن طريق الكويت للبصرة، وكنت متفائلًا بالتغيير نحو الأفضل بعد الظلم والحصار الذي عاناه العراقيون، فبدأت أسعار النفط ترتفع، وكنا مدعوون في مؤتمر مدريد للدول المانحة، وطرحت ورقة عمل على التعليم كونه يحظى بأهمية كبيرة لدي، فبناء الدول يبدأ في التعليم، وبدون جيل متعلم صحيح لن تبنى الدول، وإذا أردت أن تهدم دولة فلا تحتاج إلى حرب وصواريخ ومؤامرات فبمجرد تهديم التعليم تتهدم الدولة تلقائيًا، وحضرنا بدعوة من الأمم المتحدة ودول التحالف، كنا داعمين الحكومة الفتية في وقتها.
طرحت أن تبقى 10% من المنح لدى الدول المانحة، وفي المقابل أن تأخذ بالشباب العراقي من المتوسطة والإعدادية والجامعات لتعليمهم بهذه المبالغ، وكان مبلغ 3 مليارات دولار بإمكانها تغطية تكاليف دراسة قرابة 600 ألف طالب عراقي، فخلال أربعة سنوات يعود للعراق كادر متعلم ومنفتح ويتكلم لغات عديدة ويعرف كيفية التعامل مع التحديات المتعلقة بلغة الاقتصاد ومفاهيمه، وكل الدول المانحة رحبت بالفكرة وخصوصًا بريطانيا وكنا مقيمين فيها آنذاك، وقالوا لنا اقنعوا حكومتكم بإتمام هذه الفكرة، لكن للأسف لم يحدث، بسبب عدم استمرارية مجلس الحكم ومراحل كتابة الدستور والانتخابات ونُسي الموضوع.
الدول لن تقرض العراق عند هبوط النفط
يجب وضع جدولة معينة وتشريعات تسمح للمستثمر وتشعره بالارتياح والأمان بأن استثماره قائم ولا يهدد، ويقيَّم ويُشكر على ما يقدمه. نحن في الأردن والإمارات ومصر لا يمر أسبوع دون تلقي دعوة من وزير أو كتاب شكر للاستثمارات التي نقدمها، للتعبير عن امتنانهم كوننا استثمرنا في بلدانهم، أما عندنا المستثمر تتم مضايقته إبتداءً من وصوله إلى المطار حتى يغادر، في كل مفاصل الدولة من حيث المعاملات والشرطة والإقامة والزيارة والسكن والكهرباء، وهذا المفهوم يجب أن يتغير، فبدون استثمار خارجي البلد لن يبنى.
إمكانياتنا محددة بالنفط، وعندما يهبط النفط إلى 25 دولارًا ماذا نفعل؟ حتى الدول لن تقرضنا بسبب الديون العالية المتراكمة على العراق التي بلغت السقف الأعلى. الاستثمار الخارجي هو مهمة الحكومة القادمة ووزارة الخارجية بالدعوة إليه. ومهمة الاستثمار أن تكون وزارة وليست هيئة، فالهيئة منذ 15 سنة لم تنتج شيئًا، والوزير في الكابينة الوزارية يتحدث إلى زملائه ورئيس الوزراء ويتخذ قرارات فورية تهم الاستثمار والمستثمرين. ويجب أن يكون وزير الاستثمار من القطاع الخاص ولديه خبرة استثمارية ويستطيع التحدث بلغة الأرقام والاستثمار مع المستثمرين الأجانب وكيفية تشجيعهم بوجود حلول غير تقليدية في وضع غير تقليدي، فلا يمكن أن نسير بنفس الصيغة التي سرنا عليها في السنوات الماضية ونتوقع أن يتغير الناتج.
تأثير الأشخاص غير المختصين
كان لاختيار أشخاص غير مختصين لمناصب كبيرة في الدولة الأثر الكبير في تردي الأوضاع الإقتصادية، وإذا أدنا المقارنة كدولة تمتلك كل هذه الإمكانيات مع حجم الاستثمارات لمدة 15 عامًا فإنها لا تذكر لأنها بدون عوائد على الاقتصاد. فالمولات والفنادق والمشاريع الصغيرة ليست لها عوائد للاقتصاد سواء ضريبية أو عمالة أو جودة المنتج والتصدير. لا توجد دولة تفرض احترامها في العالم وهي دولة غير صناعية، لا توجد دولة غير صناعية تقاس بمستوى الجودة في العالم، مثلا ألمانيا ليس لديها جيش لكنها أقوى اقتصاد في العالم بسبب الصناعة.
صناعاتنا دمرت بشكل هائل بقصد أو يغير قصد، فالآن نستورد كل شيء وابسط شيء حتى إبرة الخياطة، والصناعات التي حاولت مقاومة الاستيراد لم تستطع بسبب الأسعار الرخيصة التي تأتي بها من دول مجاورة لتوفر الطاقة والمياه والأيدي العاملة الرخيصة، وبالتالي قتلت الصناعة لدين.
المهمة القادمة للحكومة هي إعادة الصناعة بالمشاركة الفاعلة مع القطاع الخاص، الدولة غير معنية بالصناعة، بل تُبقي لها نسب في المؤسسات الصناعية وتترك الباقي للقطاع الخاص من حيث الإدارة والمنافسة لكي تقدم للمواطن سلعة مصنعة محليا ومستوردة، وكل شيء بسعره، فمن يمتلك الإمكانية يشتري المستورد، والأغلبية سيتجهون للصناعة المحلية لرخصها وجودتها.
الحكومات لم تعر اهتماما للصناعة لكن موظفوها يحملون الدولة أعباءً كبيرةً بسبب الرواتب الهائلة ودون إنتاج يذكر، وبالتالي يعمل الموظف في مجالات أخرى ويتقاضى راتبًا من المؤسسة الصناعية. القطاع الصناعي بحاجة إلى إعادة هيكلة.
الزراعة كذلك بحاجة إلى إعادة هيكلة، نحن بلد زراعي لدينا نهران على طول العراق وليس لدينا زراعة، حتى مع قلة مياه الأنهر لدينا مياه جوفية، فالآبار تعطي المياه بأعماق قليلة ففي بعض المناطق الحفر لثلاث أمتار تجد مياه. يجب دعم المكننة الزراعية وتشجيع عودة الفلاحين للزراعة الذين هاجروا إلى المدينة، والهجرة كانت اقتصادية بسبب عدم مقدرة المنتج المحلي منافسة المنتج المستورد، وبالتالي حدثت كثافة سكانية هائلة في المدن وفرغ الريف، وهذه خطورة كبيرة على الأمن الغذائي والسلة الغذائية للمواطن. فالعراق في الخمسينيات كان اقتصاده مبنيًا بنسبة 90% على تصدير المنتجات الزراعية وليس النفط.
مبادرة “الوفاء للبصرة”
قبل أسبوعين بعد أزمة البصرة من حيث شح المياه وتلوثها، أطلقنا مبادرة “الوفاء للبصرة” باسم منتدى اعمار العراق ومجلس الاعمال العراقي في الاردن، والمبادرة كانت مكونة من عدة فقرات، الأولى نتيجة تلوث المياه فكل خزانات المياه في المدارس تلوثت، وهي خزانات معدنية قديمة ومتهرئة، فاتفقنا على تجهيز 1050 مدرسة ابتدائية ومتوسطة ورياض أطفال في مركز البصرة متأثرة بالتلوث، وتم استبدالها بخزانات كبيرة وحديثة من مصنوعة من مادة “البولي أثلين” المقاومة للتلوث.
اشترينا محطة تحلية مياه بسعة 20 متر مكعب في الساعة على شط العرب، ستنصب السبت ويتم افتتاحها يوم الاثنين المقبل، وسيتم تزويد المدارس منها عند بداية العام الدراسي بالماء الصالح للشرب والمعقم والمدقق يوميًا من مواصفات وزارة الصحة والبيئة، وتحدثنا مع منظمة الصحة العالمية بناءً على نصيحة الأطباء المشاركين في المبادرة.
المبادرة نجحت نجاحًا كبيرًا؛ اكبر مما توقعنا، وجميع منظمات المجتمع المدني انضمت تحت المبادرة والمتطوعين كذلك، وبحدود 25 طبيبا وعاطلين وكل شرائح المجتمع البصري تطوعوا وانضموا للمبادرة ووصلتنا تنبيهات من الأطباء بالبصرة بأنه في منتصف شهر أيلول مع انخفاض درجة الحرارة وزيادة الملوحة في المياه ينتشر وباء الكوليرا فيحتاجون إلى لقاحات للوقاية من هذا الوباء فاتصلنا بمنظمة الصحة العالمية من خلال عضو المنتدى البروفيسور سلمان الرواف والذي يعتبر من أعمدة المنظمة، واتصل بمدير صحة البصرة ووزارة الصحة واتفقوا على برنامج لتجهيزهم بهذه اللقاحات والعلاجات، وتطور عمل المبادرة إلى تنظيف المباني والشوارع من خلال المتطوعين في المبادرة.