ثمة تشابهٌ كبير بين مفردتي العنوان الرئيسيتين “الحكومات” المشبه “والنعَّاب” المشبه به فالنعَّاب يأتي بغاثاً لونه أبيض ناصع البياض ولنشاز لونه عن فصيلته يهجره أبواها، فتنبعث من جسده رائحة كريهة تدفع حشرةٌ تُعرفُ “بالبق” أن تتعلق به وتلازمه، فيصارعها في رحلة الوحدة الأولى مدافعاً عن نفسه بما وهبه الله من قدرة في منقاره الغض إذ مازال مستكيناً في عشه لا يقوى على الطيران، وفي مرحلة الدفاع تلك تتجلى قدرة الخالق في أن يتغذى على هذه الحشرة فسرعان ما يتحول لونه من أبيض إلى أسود، فيعاوده أبواه بعد أنْ حقق بقدرة قادر أول شرط من شروط الانتماء للفصيلة وهو الاتشاح بالسواد وبالتالي يصبح عضواً في سرب الفصيلة ويعترف به.
فحال هذا “النعَّاب” بحال حكوماتنا الأربعة عشر حكومة التي تشكلت منذ آذار 1999 وحتى حزيران 2018 إذ بدأت هذه الحكومات رحلتها كما يبدأ “ابن الغراب” فكلها جاءت بيضاء ولكنها سرعان ما تحولت إلى سوداء في عيون الشعب، فما من حكومة إلا وجاءت ثورة على سابقتها رافعة راية الإصلاح والتغيير البيضاء.
ومعاناة رؤساء الحكومات كمعاناة “ابن النعَّاب” في بداية تكوينه، يأتي على بياض، فتنبعث الروائح الكريهة منذ أن يشرع بتشكيل فريقه الوزاري إذ يتعلق به “البق” أعني الفساد ومنذ اللحظات الأولى، فيصارع بما أوتي من قوة ليتخلص من ذلك إلا أنه في لحظة ما يدرك بأنه لا مناص من التوشح “بالسواد”، والمفارقة الغريبة أنَّ ابن النعَّاب يصارع ليتغذى ولكن الحكومات حينما تهضم الفساد فإنه لا محالة إيذان بسوادها ومن ثمَّ سقوطها وموتها. فيخبو حماسه وتقل معنوياته وقد يستكين لذلك ويفقد شعبيته فيتحول لون حكومته شيئاً فشيئاً إلى أن تصبح حكومته البيضاء حكومة سوداء في عيون المراهنين عليه ألا وهم الشعب.
والمتتبع الحصيف لمسار حكوماتنا يستقرئ طيف الألوان المتمازجة التي أحالت جُلها إلى صفحات سوداء في مسيرة السياسة الأردنية مع احترامنا لما تم من إنجازات يقدر من قام بها وضحى من أجلها، فمن تلك الأطياف، مشاريع تنموية ومناطق خاصة كان ضررها أكثر من نفعها لأنها لم تدر كما يجب فأفقدت الأردن جزءاً كبيراً من مقدراته، هيئات مستقلة أثقلت كاهل الموازنة، الاتكاء على التغول الضريبي لتسديد العجوزات وغياب الذكاء الاستراتيجي لإيجاد بدائل مجدية مع أنها كثيرة، رفع وتعويم الأسعار، التجاوز على الغذاء والدواء وكلها من حاجات الكينونة والبقاء للوطن والمواطن التي حظيت في خطابات سيد البلاد الموجه للحكومات بخطوط حمراء.
فهل مازالت حكومة دولة الدكتور عمر الزاز بيضاء؟ أقول ويقول معي الكثيرون أنه مازال الناس يعقدون آمالاً كبيرة على حكومة دولته وأنها مازالت في عيونهم بيضاء مع ما يلوح في الأفق من أطياف قد تعمل على تلوينها الطيف الأول “دخان غيت” والطيف الثاني “القانون الضريبي المجمَّل” فالرهان معقودٌ على ذكاء دولة الرئيس وطاقمه الوزاري مع دعوتنا وبإخلاص لمساندته ودعمه من الشعب ومؤسساته ليقود أردننا إلى برّ الأمان تحت ظل الراية الهاشمية الخفاقة، ربِّ اجعل هذا البلد آمناً واجعله عصياً على نكث الناكثين.
أ.د عايد خوالدة