منتصف شهر تموز (يوليو) الماضي، قدّم عضو حزب الليكود آفي ديختر إلى الكنيست مشروع قانون ينصّ على «أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وأن حق تقرير المصير فيها حصري للشعب اليهودي فقط»،
ونال الاقتراح مصادقة 62 صوتاً مقابل 55 معارضاً.
وجاء في حيثيات القانون أيضاً بعض الملاحق الخاصة بضرورة اعتبار اللغة العبرية وحدها اللغة الرسمية، في حين نُزعت هذه الصفة عن اللغة العربية.
وقبل نهاية الجلسة، وقف رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ليعلق على تمرير المشروع بكلمة جاء فيها: «هذه لحظة مميزة في تاريخ الصهيونية ودولة إسرائيل. ذلك أننا بعد 122 سنة من قيام ثيودور هرتزل بإعلان رؤيته النظرية، حددنا بالقانون مبدأ أساس وجودنا».
وكان من المنطقي أن يعترض النواب العرب الذين أقدموا على تمزيق النص احتجاجاً واستنكاراً وهم يصرخون «أبارثايد… أبارثايد» في إشارة إلى الفصل العنصري.
وما كان من رئيس المجلس إلا أن أمر بطردهم، علماً أن الحصانة النيابية تؤمن لهم حق الاعتراض.
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية دانت هذا التشريع الذي اعتبرته حنان عشراوي، عضو اللجنة، مدخلاً للقضاء على الوجود الفلسطيني في فلسطين المحتلة. بينما رأى فيه صائب عريقات، أمين سرّ اللجنة، قانوناً لنظام التمييز العنصري الذي يمهد لضم الضفة الغربية.
وهذا ما توقعه المعلقون العرب والأجانب الذين قرأوا في هذا التشريع الاستفزازي استكمالاً للخطوة التي أقدم عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم اعتبر القدس الكاملة والموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل. ولقد تبين في واشنطن أن آفي ديختر، وزير الأمن السابق، دبّج هذا المشروع المريب بالتنسيق مع نتانياهو، وأن الاثنين أطلعا الرئيس ترامب على كامل التفاصيل قبل أخذ الضوء الأخضر منه ومن سفيره.
أهمية هذه الخطوة السياسية بالنسبة إلى إسرائيل أنها تأتي كجزء مكمل لقرار التقسيم ولو بعد سبعين سنة. والسبب أن هذا المشروع المريب يثبت «إسرائيل الكبرى» فوق الأراضي الفلسطينية، ويسهل لها طرد مليون ونصف المليون فلسطيني على اعتبار أن القانون الجديد يحلل الاستيلاء على الضفة الغربية أيضاً.
ردود الفعل السلبية كانت هزيلة جداً بالنسبة إلى قانون القومية اليهودي، الأمر الذي أقنع نتانياهو بضرورة رفض تعديل النص الأصلي، كما طالبت الجالية الدرزية.
وكانت غالبية أعضاء هذه الطائفة قد شنت حملة سياسية – إعلامية ضد القانون، انتهت بتكليف نواب دروز في الكنيست طلب مراجعة نصوصه. وحصر النواب مطلبهم بمراجعة النصوص العنصرية التي تعتبر كل مَن هو غير يهودي مواطناً من الدرجة الثانية. وقد دعمهم في هذه الشكوى أعضاء «منتدى المحامين الدروز» الذين طالبوا بإدخال تعديلات على القانون تراعي حقوق المساواة.
وبسبب الضغوط المتواصلة التي مارستها هذه الحملة، تراجع وزيران إسرائيليان عن دعم القانون بحجة أنه يمسّ بحقوق مختلف الأقليات. لذلك، اضطر رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إلى استقبال ممثلين عن الطائفة الدرزية في حضور وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، بهدف إجراء حوار حول هذا الموضوع. وبعدما استمع رئيس الوزراء إلى قائمة الاعتراضات، أصدر بياناً أكد فيه رغبة حكومته في بلورة خطة تؤكد التزام الدولة حيال حقوق المواطنين الدروز.
إضافة إلى هذا التطور، قام صحافيون وكتّاب دروز بنشر مضمون اعتراضهم على القانون، كان أبلغهم حجّة رباح حلبي. ذلك أنه نشر في صحيفة «هآرتس» مقالة تحت عنوان «قانون القومية جيد للدروز». وقال ما خلاصته أن هذا القانون جاء معبراً عن النيّة الحقيقية التي راوغت بها إسرائيل مدة طويلة من الزمن كانت كافية لخداع الدروز باسم الديموقراطية. ويبدو أن الواقع الذي شهدناه أخيراً قد كشف أمام الدروز وغير الدروز أن إسرائيل لا يمكنها أن تكون دولة ديموقراطية وعنصرية في الوقت ذاته!
في تعليقه على هذه الخطوة الاستفزازية، هاجم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس هذا القانون، داعياً الشعب إلى تدارك النكبة الثانية. وطالب في دعوته بضرورة اتخاذ عمل جماعي تشترك فيه كل المنظمات الفلسطينية وأنصارها داخل الأراضي المحتلة وخارجها. وقال أيضاً أن القانون العنصري الذي مهد لتأسيس دولة «الأبارثيد» لا بد أن يزول كما زال نظام دولة جنوب أفريقيا الذي مارس اضطهاد المواطنين الأصليين السود.
أنصار أبو مازن يتهمون دونالد ترامب بأنه المسؤول الأول عن إلغاء مقررات أوسلو، وتمرير كل المخالفات المتعلقة بالقرار 242 ومستقبل القدس الشرقية. صحيح أن الرئيسين هاري ترومن ولندون جونسون قد مهدا الطريق لعملية استلاب زيادة جغرافية سارعت إسرائيل إلى ضمها بعد الحربين 1948 و1967… ولكن الصحيح أيضاً أن ترامب تجاوز كل أسلافه في البيت الأبيض عندما سمح لإسرائيل بتحقيق نظرية «إسرائيل الكبرى».
ويرى زعماء الحزب الديموقراطي الأميركي أن ترامب يدفع لليهود فاتورة دعم حملته الانتخابية، وسكوت الحزب الجمهوري عن كل ارتكاباته.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة بوضوح إلى خطة ترامب المزدوجة الأهداف، والداعية إلى تسريع مشروعه المتكامل. وأفضل مثل على ذلك القرار الذي اتخذه بتجميد المساعدات المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وقد رأى السفير الفلسطيني رياض منصور في هذا الإجراء التعسفي مشروع أزمة بطالة، خصوصاً بعد تقليص واشنطن مساهمتها في موازنة الأونروا من 360 مليون دولار إلى ستين مليوناً فقط. أي ما نسبته ثلاثين في المئة من مجمل تمويل الوكالة.
والسبب، كما أورده الرئيس في «تغريدته التويترية»، يعود إلى تجميد علاقات السلطة الفلسطينية مع إدارته، ووقف مسار التفاوض على معاهدة السلام مع إسرائيل.
وعلق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على هذا الافتراء بالقول إن قراره جاء نتيجة طبيعية لإعلان ترامب اعتراف بلاده بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل. وهذا يعني، في العرف الديبلوماسي، إقفال ملف التفاوض على أهم بند شدد عليه القرار 242 واتفاق أوسلو.
سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي كانت أكثر صراحة وصفاقة من الرئيس، لأنها اعترفت بحقيقة تغيير الموقف الرسمي حيال «الأونروا». وكان ذلك خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي حول الشرق الأوسط. وقالت هايلي إن الوقت قد حان لتساعد دول المنطقة الشعب الفلسطيني في شكل فعلي. ثم زادت بلهجة ساخرة: كم أعطت الدول العربية الغنية للفلسطينيين؟ من المؤكد أنها لم تعطِ بمقدار ما فعلت الولايات المتحدة!
وكان واضحاً من وراء هذا الطرح المريب أن الولايات المتحدة تتهيأ لإلغاء الستين مليون دولار كخطوة ثانية من تقليص مساهمتها لوكالة الغوث. وهي حالياً تسعى إلى إقناع الدول العربية بضرورة إعفائها من هذا العبء المالي، على أن تتبنى دول الخليج هذه المهمة.
والمعروف أن «الأونروا» التي تأسست عام 1949 – أي بعد سنة من حرب التهجير 1948 – كانت بمثابة تعويض مادي ومعنوي، تشارك فيه الدول الغربية حمل بعض الأعباء التي خلفتها تلك الحرب.
وفي آخر إحصاء، بلغ عدد المسجلين في وكالة الغوث ثلاثة ملايين فلسطيني من أصل خمسة ملايين موزعين بين الأراضي الفلسطينية والأردن ولبنان وسورية.
نشرت جريدة «إسرائيل اليوم» حديثاً لعضو في الكونغرس الأميركي (الحزب الجمهوري) يقول إنه في صدد طرح مبادرة جديدة تتعلق بحصر تعريف اللاجئ الفلسطيني بمَن تشردوا خلال النكبة فقط، واستثناء نسلهم من الأجيال اللاحقة.
وقال داغ لمبورن أن رعاية المنظمات التابعة للأمم المتحدة تنحصر في خدمة الجيل الأول، فيما تتوارث أجيال الفلسطينيين صفة اللجوء منذ أكثر من سبعين سنة. وعليه رأى أن مشروع القانون الذي يعده للكونغرس يقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين بأربعين ألف نسمة فقط!
مجلة «فورين بوليسي» كشفت في عدد سابق عن الدور الخفي الذي يقوم به جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي وأحد مخططي صفقة القرن. ونشرت معلومات سرية تؤكد وجود خطة تعدها الإدارة الأميركية لإنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين. ومن المؤكد أن إلغاء مكانة اللاجئين يساعد إسرائيل على التخلص من قرار حق العودة الرقم 194. ذلك أن القرار الخاص الذي صاغته الأمم المتحدة بإنشاء وكالة «الأونروا» ربطته بقرار حق العودة. وهي بهذا الربط جعلت للوكالة هدفاً سياسياً يتعدى مهمة تقديم خدمات إنسانية. وكما ساعد ترامب على إعلان القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل… قام أخيراً بوأد وكالة الغوث التي تنشط في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسورية ولبنان. كل هذا سيتم خدمة لترسيخ نظام «دولة اليهود».
بقي السؤال المتعلق بمستقبل قادة الأحزاب والمنظمات الفلسطينية، وما إذا كان غياب الشريك الإسرائيلي قد محا كل قرارات المفاوضات السابقة، وأنهى مهمة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مع كل أنصاره من دعاة الانفتاح والاعتدال والحوار مع العدو؟! وفي نهاية الأمر، يتوقع خبراء الأمم المتحدة بروز «حماس» و «الجهاد الإسلامي» و «القسّاميين» كمنظمات معتمدة في كفاحها المسلح على الجيل الجديد من فلسطينيي الداخل والخارج.
وكما أنتجت عملية إسقاط نظام صدام حسين في العراق من دون مسوغ قانوني… تنظيم «داعش» وأنصاره، كذلك يتوقع المحللون انبعاث الخط السياسي الذي رسمه بدمائهم كل من: أبو يوسف النجار وكمال ناصر، وأبو جهاد، وكمال عدوان وأبو إياد وسعد صايل وأبو حسن سلامة، وغيرهم.
وهكذا أضاع الفلسطينيون والعرب أكثر من سبعين سنة، على أمل استرجاع وطن سرقته منهم إسرائيل مرتين!