للهِ درُكَ يا جنوبْ!/ أ. د. عايد خوالدة

عروبة الإخباري – كتب أ. د. عايد خوالدة / جامعة مؤتة

للهِ درُكَ يا جنوبْ!
ما بينَ دفتيكَ يا جنوب: إرثٌ وملاحمٌ سطرَها شهداؤكَ بنجيعِ دمائهمْ وأصيلِ أفعالهم، وصليلِ سيوفهم، وصهيل خيولهم، وجميلِ صبرهم، فغدَواْ بيادقَ وبنادِقَ في نحور الغادرينْ.
حصنٌ تذودُ عن الصحاري أُسُدهُ ما دنستهُ ثعالبٌ وذئابٌ
فمنْ مُعاذ إلى مُعاذ إلياذةُ الفخرِ الكبيرْ عابقةٌ بشذى الكبرياءِ وأصالة المجد
عيني عليكَ يا جنوبَ!
برمكَ وقَفاركَ وبترائِكَ وقلعتِكَ وجرفك، بخصبِكَ ويبابكَ، ببدوكَ وحضرك تنبتُ الشهداءُ طلعاً طيباً يأتي أكلُه كلَّ حينْ. ما غابتْ شمسُكَ عن جَلالِ التضحيةِ والفداءِ وما غابَ عنك الحداءُ الذي طالما هو الحداءُ:
أرادنةٌ من التاريخ ومن نهر أسامينْا
وذرى الشوامخ لن تطاولَ قاعَ وادينا
لنا في قلب أُمتنا شرايينُ إن قطعت
وصلناها بأيدينا
لله دركُ من جنوب!
مِنْ رحمك يولدُ الشهداءُ، وعلى ثراكَ يقيمونَ مناراتٍ يهتدي بها السائرون نحو المجدِّ والعلياء
فاسْجُدْ بمؤتةَ واغتسلْ بترابها
فدمُ الشهادةِ فوقَهُ ينسابُ
يا جعفر الطيار هل منْ مقتدٍ بكَ
أمْ تُرى هذا الزمانُ يبابُ
فلا والله يا سمحان ما كان الجنوب يباباً وما كان ولا زال إلا رجالاً وحراباً، فمن مؤتةَ المعركة إلى مؤتة الجامعة معقلِ الأبطال ومطلعةِ الشهداء، حاضنةِ السيف والقلم وهما العزيزان حينما يتعانقان هذا في حدِّه الحدُّ بين الجدِّ واللعب وذاك في حدِّه الحدُّ بين النورِ والظُلمِ تقبل الأجيالُ جيلاً بمدلجةِ الفخار فجيلاْ!
أصيحُ بالجنوب: يا جنوبْ يا واهبْ الحياةُ
فيرجعُ النداءُ محملاً ومفعماً بمشهد الفداء، وسمفونية الكبرياء.
حنَّا كبار البلد وحنا كراسيها
وإن لعلع الحرب بالبارود نحميها
فيخشعُ النحيبُ ليملأ السماءَ صوتُ حبيب:
إلك كانت على الفرسان صولات ترج بعضها أركان الميادينْ
وإلك كانت يا بو الشومات شومات عليها زغردة مريوشة العينْ
وإلك من قدر وارفيفان عادات تساهم نارها دلال وفناجينْ
توارثت المكارم ذات عن ذات وتقاسمتوا المفاخر يا العزيزينْ
فليس أنا أول الزاملين إليك يا جنوب، ولستُ وحدي من يراهن عليك يا جنوب، فقلوب المستغيثين بك تتدلى وقصيدهم يتجلى ويناديك “ابن المعلا” قلبي على سلمان الجنوب، أحجُ زحفاً إليك يا جنوب على ركبي وأمشي على أهدابي، أخاف يا سلمان من بلادي على بلادي، أحج إليك كل يوم، والخيل مسرجة والقوافل تردد الحداء هيا بنا هيا بنا تنادي إلاّ من تولى وأرخى سروج الخيل يوم الزحف والتنادي، على ترابك نلتقي يا جنوب نضمك نقدسك نفديك بالغالي عندها يا سلمان لا أخاف على بلادي من بلادي.
أصيح بالجنوب: يا جنوب!
“يا خشم العقاب الذي يعلو السحاب” من عهد ميشع لم تلن لك قناة كتبت عليك التضحية قدراً من الإله، أبناء ميشع على الأسوار قد قضوا وما خضعت لهم جباه، واليوم يلقى حتفه “سائد: على أسوارها أسد القلاع في حماه وتمضي المسيرة ويخسر الطغاة.
أصيح يا جنوب يا واهب الشهداء
فيرجع النداء محملاً بصور النخوة والفداء، ففي الجنوب تحاكى نماذجَ الحميةِ وتلبيةِ النداءْ، للمعتصمْ وللحرائرِ من النساءْ:
فيهبُ (إسماعيل الشوفي) لعيون (صبحا الحجازين) ((أنا إسماعيل الشوفي إنْ قال قول يوفي)) ليبقى خريدةً فريدةً في دفاتر المجد والكبرياء معلقاً على أعواد المشانق في القدس في سوق البتراء.
أصيح بالجنوب يا جنوبْ:
يا طائر الفينيقْ، فما بينَ رمادِ (السيد وعلي) أبناء الغساسنة الذين قضوا من أجل الدخيل، ورماد (معاذ الكساسبة) طير الأبابيل فضاءات من الانبعاث والحياة والتجدد، صور غريبة للشهادة عزَّ نظيرُها في هذا الزمن البخيل.

لله درُّكَ من جنوب!
في كل بقعة من بقاعك سفر تكوين عظيم، آياتهُ من الرجالِ والنساء فمن (علياء) إلى (علياء)، علياؤه أولُّ شهيدةٍ في الكرك من النساء وعلياؤه الثانية نخوةُ الحويطاتِ أشاوسِ الصحراء.
في كل بيت من بيوتك يا جنوبْ ذكرى عظيمةٌ لا تذوب ولن تذوبَ، فمازالت أرواحُ الثلاثةِ الذين علقوا على أعواد المشانق في القلعةِ الشماء علاماتٍ فارقةً على دربِ الفداء ومعيناً ملهماً للشعراء أبطالها: (محمود القطاونة، وخاله فياض الطراونة، وسالم الصرايرة).
في كل بقعةٍ من بقاعك يا جنوبْ: يتآلفُ الإنسانُ والزمانُ والمكانُ لينسجوا ترنيمةَ البذلِ والعطاءِ والشهادة للبقاء، فمن “حد الدقيق” إلى “البتراء” إلى “وادي القمر” و”الصحراء” إرثٌ معطرٌ بشذى الزمان والمكان والإنسان بكل فخر وكبرياء.
على أي بابٍ أقفُ فيك يا جنوب، على باب الطفيلة، مهللاً بحداء أهلها:
مرحباً يا قلعة العزِّ ويا نبع العطاءات الجميلة
يا جبلاً تلفظ النار ويا حضن البطولات الأصيلة
تيقنت بأن النصر دون البذل دعوى مستحيلة.
وأن المهر لن يركبه في الساح من يخشى صهيله
فلعلي في الدجى أصبحُ قنديلاً على باب الطفيلة
أم أقف في معان البوح كل البوح ملهمة البطولات وملهمة الشعراء أعيدُ فيها حداء التعلق والفخر والعزة والحرية:
معان يا قلعة الأحرار زاخرةً
بالتضحياتِ إذا ما عزَّ إيثارُ
معان يا قبلةَ الأشراف عامرةً
بالمكرُماتِ إذا ما اشتدَّ إعصارُ
فسلامٌ عليك يا وطني، سلامٌ عليك كلما نسنس ريح الجنوب، وسير الغمام، سلامٌ على كل أرواح الشهداء وبطولاتهم الجسام في جنوبك وشمالك ووسطك وشرقك وغربك، سلامٌ على معاذ ومعاذ، وسائد ويزن وعلي ومحمد ومحمد وراشد وعلى كل من ذكرت منهم ومن لم أذكر سهواً سلامٌ عليك أيها الشهيد على مدى السنين والأيام، يا من ضربت لنا المثال مضحياً وأريتنا صور الجهاد الأولى، وصبرت صبر الأنبياء كأنما تلقى ثباتك من جبريلا قد كان آخر ما نطقت بذكره “الله أكبر” رتلت ترتيلاً.
ومهما كتبنا لا نوفي لأن الضمائر الصحاح أصدق شهادة من الألسن الفصاح.
* ((الشعر الموجود في المقالة مقتبس))

شاهد أيضاً

الإعلامية سارة علي لا ترضى إلا أن تتذوق طعم النجاح

عروبة الإخباري – هناك قول، عن النساء صاحبات البصمة المميزة في الحياة العملية، والنجاح مع …