حظي خبر دخول نصف مليون أردني لمنصة التوظيف القطرية-الأردنية (التي تتيح تسجيل الأسماء للراغبين بالاستفادة من فرص العمل في قطر، وهي إلى الآن ألف فرصة) باهتمام الشارع الأردني وصدمته من حجم الراغبين في العمل بالخارج.
الناطق باسم وزارة العمل، محمد الخطيب، أعلن أنّ عدد المسجلين كان قرابة 118 ألف شخص، وأنّ النصف مليون الذين زاروا المنصة في فترة قصيرة هم ممن يحملون أرقاماً وطنية أردنية، ولا يعني بالضرورة أنهم يقيمون في الأردن، بمعنى أنّ هنالك أردنيين قد يكونون يعملون في الخارج أرادوا أيضاً الاستفادة من هذه الفرصة أو التفكير في التقديم في حال كانت توفر لهم ما هو أفضل مما هو قائم.
المهم أنّ حالة الإحباط عادت إلى السوشال ميديا، ورجعنا إلى هاشتاق قتيبة وهجرته، وبعضهم وضع هاشتاق آخر “موسم الهجرة إلى قطر” (اقتباساً من رواية الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال) بمزيج من روح الطرافة والفكاهة التي أصبحت تميز تعليقات الأردنيين وردود أفعالهم على الأحداث.
أنا متفاجئ فعلاً من ردود الفعل المصدومة من العدد، وكأنّنا تفاجأنا مثلاً؟! هذه “الحالة” يمكن أن نفهمها لو أنّ الظروف الاقتصادية في الأردن جيدة ولا توجد لدينا مشكلة بطالة وصل معدلها إلى نسب قياسية، بخاصة لدى الشباب، أو أنّه لا يوجد لدينا قرابة مليون أردني مغترب للعمل في الخارج، أغلبهم في دول الخليج العربي، أو أنّ هنالك صعوبات شديدة في إيجاد فرص عمل لدى القطاعين العام والخاص اليوم!
هل معنى ذلك أنّ الوضع القديم كان صحّيا؟! طبعاً لا، وأظن، وأغلب الظنّ ليس بإثم، أنّ أغلب الأردنيين يفضّلون البقاء في بلدهم والعمل فيه، وإيجاد فرص مناسبة لهم لحياة كريمة في وطنهم. لكنّ الحال ليست كذلك، للأسف، فهنالك مشكلات عميقة في قدرتنا على جذب الاستثمار وخلق فرص العمل المناسبة. وهنالك معضلات أيضاً في هيكلة سوق العمل الوطنية، فنجد أنّ لدينا -مثلاً- ما يتجاوز المليون عامل وافد، بينما نسبة البطالة لدى الشباب الأردني مرتفعة، ولدينا مشكلة في الظروف الخارجية المحيطة التي خلقت حالة من الحصار الموضوعي للأردن، مما عطّل قطاعات حيوية ومهمة، وعزّز من معضلة البطالة.
القصة ليست في حجم الراغبين في العمل بالخارج، بل هي في حجم الراغبين في الهجرة (ليس فقط العمل) إلى دول أخرى، فتخيّلوا معي لو أنّ أميركا وكندا وأستراليا وبعض الدول الأوروبية فتحت باب الهجرة للأردنيين بشروط سهلة، لمن يرغب، كم عدد الذين سيتقدمون للسفر والحياة هناك في تلك الدول؟!
أخبرني سفير لدولة غربية بأنّه تفاجأ من عدد الأردنيين الذين يحملون جواز سفر تلك الدولة، عندما بدأ العمل هنا، والحال كذلك للأسف في أغلب الدول العربية، بطبيعة الحال!
كثير من المغتربين، الذين التقيهم، لديهم حنين شديد للحياة هنا، لكن الظروف تجبرهم على خيار “الخارج”، فهل يمكن أن تكون هنالك “خريطة طريق” (في بلد فيها آلاف العقول المهنية المحترفة التي تعمّر وتخدم الدول الأخرى) ليكون الوطن حاضناً لأبنائه جاذباً لهم؟ ما هي الوصفة التي تنقلنا إلى هذا المسار الإيجابي وتنزع حالة “عدم اليقين” أو الإحباط التي تهيمن على شرائح اجتماعية؟
“موسم الهجرة إلى قطر”/ محمد ابو رمان
10
المقالة السابقة