على المستوى السياسي، تبين أنَّ “الإسرائيليين” ليسوا قلقين من خطة الإدارة الأميركية للسلام “صفقة القرن”، والشروط التي ستعرضها الإدارة، برئاسة دونالد ترامب. وتبين أن 59% من “الإسرائيليين” يرون في ترامب أكثر رئيس أميركي داعم لــ”إسرائيل”،. وبحسب المدير العام لـ”منتدى الشرق الأوسط، جيرج رومان، فإن “نتائج الاستطلاع تبعث برسالة واضحة للقيادة الإسرائيلية مفادها أن التوجه الذي اعتمد حتى اليوم لحل الصراع يجب أن يتغير.
هناك شبه إجماع تقريبا داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي على القبول بالصفقة الأميركية المطروحة، وذلك من قبل معظم الأحزاب، وخصوصا منها أحزاب اليمين واليمين المتطرف التوراتية، وأحزاب “اليمين القومي العقائدي” انطلاقا من قناعتها بأن الخطة تهدف لخدمة المصالح الحيوية والاستراتيجية لكيانهم. وقد بيّن استطلاع للرأي أجري في “إسرائيل” مؤخرا، ونشر موقع صحيفة “ذا جيروزاليم بوست” نتائجه، أنَّ ربع “الإسرائيليين” يخشون من أن يفرض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ثمنًا على إسرائيل خلال طرحه لخطته للسلام، المعروفة باسم “صفقة القرن”. ورغم الاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة عاصمةً لدولة الاحتلال في كانون أول/ديسمبر الماضي 2017، إلا أن ٢١٪ من “الإسرائيليين” يخشون احتمال أن يعترف ترامب بدولة فلسطينية عاصمتها القدس، وفقًا لما بيّنه الاستطلاع الذي أعده مركز “سميث للاستشارات” لصالح “منتدى الشرق الأوسط” و”مشروع النصر الأميركي”. وأجري الاستطلاع على عينة شملت 800 يهودي بالغ في فلسطين المحتلة. وأظهر الاستطلاع أن ٥٩٪ من المستطلعة آراؤهم يعتبرون الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكثر رئيس مؤيد لـ”إسرائيل” إطلاقًا (أميركي وغير أميركي)، في حين اعتقد ٢٥٪ أن دعمه لـ”إسرائيل” لن يكون بدون ثمن. ويعتقد معظم “الإسرائيليين” وفق نتائج الاستطلاع إياه أن قضيتي القدس واللاجئين لا تزالان العقبة الكبرى أمام أي تسوية أو خطة سلام. و٢٤٪ اعتبروا القدس العقبة الأكبر، و٢٥٪ اعتبروا اللاجئين العقبة الكبرى.
وبحسب الاستطلاع، فقد عَبَّرَ 21% عن قلقهم من إمكانية أن يعترف ترامب بدولة فلسطين وتكون عاصمتها القدس، بينما قال 62% إنهم لا يعتقدون أن ذلك سوف يحصل. إلى ذلك، بين الاستطلاع أن 68% من المستطلعين وافقوا على أن “مسيرة أوسلو للسلام كانت إخفاقا”. كما بيّن الاستطلاع مُعطى آخر مهما، وهو التخلي المطلق عن مقولة “الأرض مقابل السلام”، حيث تبين أن 67% من اليهود لا يعتقدون أن هذه المعادلة تشكل أساسا لمفاوضات مستقبلية بين الطرفين.
وبيّن الاستطلاع “أن 65% من اليهود في فلسطين المحتلة يعتقدون أن يجب على “إسرائيل” أن تحقق انتصارا وحسما في المواجهات العسكرية مع الفلسطينيين” من أجل إنهاء الصراع. وجاء هذا الاستطلاع على خلفية تصريحات كبار المسؤولين في أجهزة الأمن في دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي جاء فيها أنَّ “إسرائيل على مفترق طرق إزاء قطاع غزة، حيث عادت فيها مسألة الحسم إلى جدول الأعمال”. كما تبين أن 77% من المستطلعين يوافقون على أنه في الجولة القتالية القادمة مع حركة حماس أو حزب الله يجب السعي إلى “الحسم العسكري” وتحت شعار “دعوا الجيش ينتصر”.
وعلى المستوى السياسي، تبين أنَّ “الإسرائيليين” ليسوا قلقين من خطة الإدارة الأميركية للسلام “صفقة القرن”، والشروط التي ستعرضها الإدارة، برئاسة دونالد ترامب. وتبين أن 59% من “الإسرائيليين” يرون في ترامب أكثر رئيس أميركي داعم لــ”إسرائيل”،. وبحسب المدير العام لـ”منتدى الشرق الأوسط، جيرج رومان، فإن “نتائج الاستطلاع تبعث برسالة واضحة للقيادة الإسرائيلية مفادها أن التوجه الذي اعتمد حتى اليوم لحل الصراع يجب أن يتغير. فنحن نشهد عملية صحوة عابرة للأحزاب مقابل القوس السياسي الذي فقد الثقة بالعمليات السياسية مثل أوسلو، ويدركون الحاجة للانتصار والحسم. الحديث عن دعوة مدوية للجمهور اليهودي في إسرائيل الذي يطلب من القيادة أمرا بسيطا: انتصارا إسرائيليا”.
إلى ذلك، وفي مسارات “صفقة القرن” المطبوخة أميركيا و”إسرائيليا”، تأتي لعبة نتنياهو الدموية في قطاع غزة، فهي لعبة مزدوجة، هدفها الأول عزل الفلسطينيين بشكل عام، والسلطة الوطنية الفلسطينية وإضعافها، وإظهارها بموقع العاجز عن حماية القطاع وأهله.
وهدفها الثاني، إعادة استحضار حضور وقوة نتنياهو في المجتمع “الإسرائيلي” بعد الهزات الفضائحية التي طالته وطالت زوجته، ومنها تلقيه الرشاوى الكبرى، والعمولات المالية بصفقة الغواصتين الألمانيتين. وبالفعل أسفرت العمليات العسكرية الأخيرة على القطاع عن صعود جديد لحضوره وحضور حزب الليكود في المجتمع “الإسرائيلي” الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية. فـ”بالدم والدم وحده” ينتعش غلاة المتطرفين في دولة الاحتلال الإسرائيلي.
حقيقة الأمر، فقد دغدغ نتنياهو في مواقفه وأفعاله الأخيرة جمهور اليمين الذي يكتسح المجتمع “الإسرائيلي”، متخذا عدة مواقف وإجراءات ملموسة على الأرض لإشباع نهم وغرائز جمهور اليمين واليمين المتطرف، وهي أشبه بالغرائز البهيمية التي تؤشر إلى مديات عالية من النزعات الفاشية التي باتت منغرسة وسط الجمهور “الإسرائيلي”، وذلك من خلال: أولا التصعيد العسكري الأخير ضد القطاع، والذي أعقب المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق المتظاهرين السلميين المطالبين بحق العودة وفك الحصار على طول السياج الأمني الفاصل شرق القطاع بين حدود العام 1948 وحدود العام 1967. ثانيا قيام بنيامين نتنياهو، بكشف عن ما زعم أنها الوثائق الأصلية للبرنامج النووي الإيراني. ثالثا استغلال فرصة واقع نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة والتغطية الأميركية الواسعة لسياساته. رابعا مغامراته من خلال الهجمات العدوانية “الإسرائيلية” على مواقع سورية. خامسا التحريض والحملة الكبيرة التي شنها نتنياهو وأركان اليمين على القيادة الفلسطينية، وشخص الرئيس محمود عباس وهي حملة ما زالت متواصلة إلى الآن، بل وتتصاعد معها كل يوم لغة التحريض، والطعن بها وبشرعيتها، واستعادة مقولة “فقدان الشريك الفلسطيني”.
وعليه، إنَّ دولة الاحتلال الإسرائيلي تريد ترتيبات معينة بالنسبة لقطاع غزة في إطار خطة “صفقة القرن”، بالتعاون مع الإدارة الأميركية، التي ستطلب مليار دولار أميركي من بعض الدول العربية بهدف إعادة إعمار قطاع غزة كما أشارت العديد من المصادر، لكن سيكون هذا الإعمار في شبه جزيرة سيناء بدلا من داخل غزة. وكان موضوع جمع الأموال في صلب المباحثات التي أجراها كبير مستشاري الرئيس وصهره، جاريد كوشنر، ومبعوث الرئيس الأميركي الخاص لعملية التسوية في الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات، في جولتهما أوائل شهر تموز/يوليو 2018.
وبالنتيجة، هناك اندفاع “إسرائيلي” ورغبة قوية في تمرير ما يسمى “صفقة القرن”، على أن تجري لقطاع غزة ترتيبات معينة تؤدي لفصله عن الضفة الغربية، وبالتالي شرذمة وتقسيم الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.
“صفقة القرن” على الجبهة “الإسرائيلية”/ علي بدوان
7
المقالة السابقة