عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – قالها ” لا ” عريضة و راسخة وإستراتيجية للإدارة الأميركية التي يقودها ترامب ..دافعه مصالح شعبه وإرادة قويه تحلى بها في خضم النضال المتراكم الذي عايشه، فالرئيس أبو مازن لم يقل “لا” من مواقع الرفض التقليدي أو ترف المعارضة أو حاله التجريب التي أدمنها الكثيرون ممن استعملوا شعوبهم كمختبرات الفئران، قالها بعد ان قلبها في كل الاتجاهات ووجدها المصدّ الوحيد الذي أرادت قوى العدوان الإسرائيلي وتحالفها الشرير مع ترامب ان تجتاح المقدسات والثوابت الفلسطينية في قضايا القدس والاستيطان واللاجئين وغيرها ..
لقد صمد ابو مازن وما زال، وكسب رهان شعبه الذي التف حوله اليوم في صورة لم يسبقها مثيل، باستثناء أولئك المغرضين والذين في نفوسهم مرض من المنافقين والمزايدين ممن حفوا الشوارب وأطلقوا اللحى او من رأى في القضية تجارة فتاوى ووضعها بين التحليل والتحريم.
صفقة القرن التي أرادوا أن تكون الشنان ليقاطعوا بها الرئيس ابو مازن ليخيفوه فرد عليهم انه “لا يغمز له كتغماز التين” ولا “يقعقع له بالشنان” وان عوده قد جرى عجمه من قبل في كامب ديفيد وفي محطات عديدة من محطات النضال الفلسطيني التي خرج منها كلها موفور الكرامة رافع الرأس..
لم يقل “لا” ويمضي، فليس الـ “لا” خياره إلاّ مضطراً ولكنه جعل مع الــ”لا” دائماً بديلاً يجعله في الميدان ولا يخرجه من الملعب ..كان دائماً لديه البديل فهو عندما قال “لا” للإدارة الأميركية الرعناء التي دخلت فراش اليمين الإسرائيلي وتماهت معه …
قال: “نعم” لحلفاء جدد.. قال: نعم لشراكة أوروبية وشراكة روسية وصينية …شراكة دولية قالت له:نعم في الأمم المتحدة وهي تصوت إلى جانب القضية الفلسطينية وتعزل هذه الإدارة الأميركية التي يمتطيها اليمين الاسرائيلي ويركب كتفها ويوجهها ويهدد بها دول في الإقليم أصابها الرعب وتكرسحت وأرادت ان تشرب من صفقة القرن على الريق علّها تشفى من رجف أقدامها على إيقاع الزيارات الأميركية المتتالية والمهددة.
يقول ابو مازن : قوتنا في ضعفنا…وفي عدالة قضيتنا … لم يجدوا مني ريقاً طرياً، فقد قلت لكل مراجعهم من كبيرهم المشغول بإرعاب النظام العربي ومواصلة الإملاء عليه وتقشيطه ثرواته وجعله يقف على رجل واحدة ومقايضته الثروة مقابل الاستقرار وحتى أصغر المبعوثين من نسايب الرئيس ترامب وأقاربه ومن آمن بدعوته أو أعتقد بسلامة صفقاته..
وحين ظلت الـ “لا ” العباسية” صامدة وقوية، والتي يمكن إعرابها بأن الإدارة منحازة وغير مؤهلة ومتماهية في المصالح الإسرائيلية تماماً وأنها لا تصلح وسيطاً …ظلت معلقة وقد ضجر منها مراهقو السياسة الأميركية والمتدربين في ملفاتها، ولذا لم يصمدوا فاعترفوا ان ابو مازن أفشلهم واسقط خياراتهم، بعد أن ظلوا يراهنون على الـ “نعم” لبعض الأنظمة العربية التي صرفت لهم عربوناً مبكراً على أمل إقناع الفلسطينيين والسعي لدى الرئيس عباس، كان رهان الإدارة الأميركية على بعض الأنظمة العربية التي لم تقل “لا” إلاّ لشعوبها وحين وجدت تلك الأنظمة العربية موقف أبو مازن الصلب توقفت عن دق الصدر وتفتيل الشوارب وبدأت تهرب من المواعيد أو أخذت بأسلوب دفع الفدية أو حتى الجزية !!!!
أبو مازن يعتقد ان الحرباء الأميركية تغير جلدها ولذا ما زال يأخذ ببطن الجبل بصمت ويتأمل ويحرض شعبه على خيارات الصمود وهي عديدة ويدعو للمقاومة الشعبية السلمية في أوسع معانيها ودلالاتها …
هذه الحرباء قد تخرج بلون آخر لنفس الجلد ولكنه يدرك ذلك ويرى ما تراه زرقاء اليمامة في العرب، ولذا فإن الفريق الأميركي الذي جاب المنطقة محملاً بنساء جميلات وبدونهن حاول وبناء على نصائح من الإقليم أن يتجاوز الرئيس عباس وقيادته ويمضي في محاولة للحفر حول الشجرة بدل مداهمتها مباشرة, وقد أخذت هذه المحاولات إشكالا عديدة مازال معمولاً ببعضها، ولكن صمت أبو مازن وصلابته اغتال الصفقة وأفقدتها قدرتها على الحركة أو الإقناع، وكان لموقفه أن فجر كثيراً من البالونات الإختبارية التي صاحبت الصفقة وبشرت بها وهي البالونات التي اعتمدت التلفيق والإشاعة أن عرباً قبلوا ونفذوا وانخرطوا خلف الإسرائيلي والأميركي في صلاة جامعة أمّها ترامب.
لم يكن ذلك صحيحاً وقد دافع أبو مازن في مجالسه الخاصة والعامة عن الموقف السعودي ووصفه بالايجابي و الصامد ورده إلى مرجعيات وتصريحات ودافع عن الموقف المصري وعن امكانية الاحتكام اليه حين تعم الإشاعة ويضيع الصواب..وقال ان هذه الصفقة لن تنجح لأنها لا تقفز فوق حقوق الفلسطينيين فقط وإنما فوق الإرادة الدولية الممثلة في قراراتها الشرعية الدولية, ولأنها أي هذه الصفقة لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الدولية ولا تحفظ الأمن والاستقرار الدوليين وتتنافى ومفهوم السلام وحقوق الإنسان..
ابو مازن لم يتوقف، فقد ناشد دول العالم التي ناصرت حق الشعب الفلسطيني في تأكيدها على حل الدولتين واعتبار القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة وضمن في حوارات لتأكيد ذلك مع فرنسا وألمانيا ودول أوروبية عديدة مثلها الاتحاد الأوروبي وأيضا مع روسيا في اللقاء الناجح مع الرئيس بوتين عن هامش المونديال العالمي في موسكو…..
ما زال العالم باستثناء الولايات المتحدة وبعض عبيدها القلائل يؤمن بحق الشعب الفلسطيني في دولته، وما زال العالم يرى في ترامب قاطع طريق وخارج على الشرعية الدولية، ومثير للفتن والحروب ويرى فيه سببا لعدم الاستقرار ، وإذا كان العالم لم يقل ذلك بعد بلغة واضحة أو بإجراءات عملية، فإن حلفاء الولايات المتحدة وخاصة الأوروبيين هم الأكثر تذمرا من سياسات ترامب الرعناء، والذي يتابع البرلمانات الأوروبية في اسكتلندا وفي اسبانيا وعديد من دول العالم يدرك ذلك..
موقف أبو مازن الصلب من التدخل الأميركي السافر في الحقوق الفلسطينية والذي جاء على شكل تسمية صفقة القرن والتي قرأت من عنوانها الذي أعطى القدس كلها كعاصمة لإسرائيل بدا يصيب بعدواه المواقف العربية ويهب عليها ليصلبها بعد أن بدت رخوة وهيلامية ومهرولة.. حتى إذا ما احمرّت العين الفلسطينية لمن رآها قالت بعض العرب: “آمنا برب موسى وهارون” وراحوا يعيدون النظر في مواقفهم، إلاّ من كان منهم متورطا في صفقة أو منوطا به مهمة.. وهؤلاء قد يرون الآن أن لا مبرر لمواصلة اللعبة السمجة في تصنيع قيادة فلسطينية بديلة أو استبدال القيادة المزروعة في قلوب شعبها وترابه الوطني بقيادة يجري زرعها في اصص أو معلقة في شرفات النظام العربي على أمل أن يقبل تراب فلسطين بذور عقيمة لا يحتملها التراب الفلسطيني بل لفظها لأنها فاسدة وعفنة وغريبة عنه!!
لن تنجح صفقة القرن حتى لو حجبوا لها وأقاموا لها الولائم والذبائح وبخروها أو عرّبوها برقصات السيف أو الهجيني.
وحتى الرئيس ترامب التي أطلقها كتعويذة مخدرة حشد لها دبلوماسية فإنه أراد منها أن تكون عصا موسى التي تلقف المال العربي، بعد أن قايض ترامب ربط الصفقة بالاستقرار والاستقرار بالمال، وكأن حاله معهم حال من لم يرد السجن يستطيع أن يستبدله بالغرامة ومن لا يوافق على الصفقة فليدع ويبدو أن ذلك سيكون نهاية الفيلم أو نهاية موسم التخفيضات في الاوكازيون الشهير الذي أقامته الإدارة منذ دللت على فرص الاستقرار العربي وباعتها في مزايدات مالية علنية.
ترامب نمر من كرتون جربته كوريا الشمالية التي أرعب زعيمها ترامب وخرج من لقاءه ليمجده ويتوقف عن التحريض ضده ، وترامب يكذب في كل يوم ويعدل كذبه حين يكشفه العالم، إلا من عرب يصدقون كل كذبه ولو كان نوع “عنزة ولو طارت” أو من نوع “الفيل بطير”.
نعم تتراجع الإدارة الأميركية ويتقدم ابو مازن بالبديل وهو مرجعية جديدة لعملية السلام بدون الإدارة الأميركية التي فقدت نزاهتها وأهليتها ،ومؤتمر دولي شامل يحتضن عملية السلام ويجد لها مخارج من خلال قرارات الشرعية الدولية.
نعم سقطت صفقة العصر.. أسقطها الفلسطينيون من خلال مقاومتهم المستمرة على أسلاك غزة وفي موقف القيادة الشرعية غير المساوم.
وفي الاستعانة بالمجتمع الدولي ودوله الممسكة بالشرعية الدولية .. ولم يعد الرهان الأميركي إلا على محاولات جديدة قد ينخرط فيها عملاء وفاسدون ومزايدون.. فهناك من يراهن على بدائل القيادة الفلسطينية وهناك من يريد تأبيد الانقسام والاستمرار في التجارة به والاعتقاد بأن غزة دولة وأن ما يحول هو رفع الحواجز مع الاحتلال والإدارة الأميركية وقبول ما لم تقبله السلطة الفلسطينية .
صمود أبو مازن يؤهل الأمة كلها لتفتح صفحة جديدة تخرج فيها من خوفها وترددها واستخذائها لتعلن استمرار التمسك بالثوابت والدفاع عنها وضع المبادرة العربية عنوانا بارزا على الطاولة رضي من رضي وغضب من غضب.
لقد أدمت القيادة الفلسطينية مقلة الموقف الأميركي الذي بدا يهيج ويموج ويرحل ضغوطه .. لقد بحثوا عن طربوش فلسطين بديل فلم يجدوه . بعد أن أعياهم الوصول إلى طربوش أبو مازن. وبحثوا عن توقيع أبو مازن على الصفقة فلم يتمكنوا . وحاولوا الحصول على قلمه ليوقع .. وظنوا أنهم بتواقيع أخرى مزورة ينفذون ولكن شعبنا قال كلمته خلف قيادته.
نعم ستمر هذه الصفقة وتفشل وستظهر أهدافها الحقيقية في ابتزاز أموال العرب وليس البكاء على جراحهم ونكباتهم أو لبس اللبوس الإنساني لأهل غزة
ستمر هذه الصفقة وسيشمت فيها ابو مازن ويقول: “يا ما كسر الجمل بطيخ”!!
وسيخاطب من راهنوا على بديله في غزة.. “مش هيك الشغل ياخو”!!
هل أسقط أبو مازن صفقة القرن
5
المقالة السابقة