حدثان وقعا في مصر خلال الأسبوع الجاري، عكسا إلى أي حد يكره “الإخوان المسلمون” الشعب المصري، وإلى أي مدى يغضبون إذا ابتهج المصريون، الأول يتعلق بجهود بذلتها الشرطة للتعاطي مع حادثة خطف طفل وطلب الخاطفين فدية من أسرته لإطلاقه، انتهى بالقبض على الجناة وتحرير الطفل، ونهاية لجريمة كان يمكن أن تتحول مأساة حظيت باهتمام الناس وتحولت فرحاً كبيراً من جانب الطفل وأسرته وأقاربهم والمصريين الذين تابعوا القضية، وظلوا مشغولين بها حتى كتبت لها النهاية السعيدة، أما الحدث الثاني فيخص رئيس مصلحة الجمارك الذي كان عُيّن في موقعه قبل أسابيع قليلة، وتم القبض عليه مساء الأحد الماضي متلبساً بتلقي رشوة قدرها مليون جنيه من صاحب شركة لاستيراد الملابس، بعدما اتفقا على تمرير شحنة من دون سداد الرسوم الجمركية المستحقة عليها، ما رسّخ الاعتقاد لدى المصريين أن الدولة مصرة على محاربة الفساد، وأن الأجهزة الرقابية تبذل جهوداً حثيثة للتعاطي مع تلك النوعية من الجرائم التي تحولت ظاهرة في السنوات الأخيرة.
رد فعل “الإخوان” ولجانهم الإلكترونية وقنواتهم التي تنفق عليها قطر، اتسق مع أهداف الجماعة التي تسعى منذ ثار الشعب المصري على حكم محمد مرسي وأطاح أحلام التنظيم في الاستمرار في حكم أكبر بلد عربي والانطلاق منه للسيطرة على دول أخرى، في سرقة فرحة المصريين وإشاعة مناخ دائم من الإحباط واليأس وبث الطاقة السلبية بين المواطنين. فـ “الإخوان” شككوا في الروايات الرسمية بالنسبة إلى مسؤول الجمارك، وحين وجدوا أنها صحيحة روجوا الادعاء بأن المسؤول الموقوف معارض للسيسي! وأخيراً، وبعدما تبينوا أن المصريين سخروا وتهكموا على مزاعم الجماعة، عادوا إلى مفرداتهم المعتادة وعزفت لجانهم الإلكترونية معزوفة أن السيسي يطيح بعض رجاله حتى يخدع الشعب المصري ويوهمهم بأنه يحارب الفساد! المهم لدى الجماعة ألا يصدق المصريون أن الدولة تطارد المفسدين، أما في واقعة تحرير الطفل من خاطفيه، فإن الآلة الإعلامية للجماعة ظلت تعيد أسطوانة وتكررها، مفادها أن الطفل ينتمي إلى أسرة ثرية وأن الأغنياء وحدهم في مصر قادرون على حل مشكلاتهم، بينما الفقراء والبسطاء يدفعون ثمن رفاهية الأثرياء! تخيل أن هذا هو الخط السياسي والإعلامي الذي يتبناه تنظيم حكم مصر لمدة سنة، وكان يأمل بأن يمتد حكمه إلى بقية الدول العربية! بالطبع، يمكنك هنا توقع رد فعل الجماعة إذا كان خاطفو الطفل قتلوه، إذ وقتذاك كانت “النوتة” الإعلامية ستطرب الناس بسيمفونية الأمان الغائب في مصر مُذ أتى السيسي إلى الحكم! المهم في واقعة الطفل بالنسبة إلى الجماعة، ألا يشعر المصريون أبداً بالأمان أو أن جهاز الشرطة يقوم بواجبه، أو أن الدولة تواصل جهودها لمعالجة آثار الانهيار الأمني الذي أحدثه الربيع العربي.
يصاب “الإخوان” بصدمة كلما مر المصريون بأوقات مبهجة أو سعيدة على رغم ندرتها، وهم لا يدركون أن المصريين في الأساس يحملونهم، ومعهم دول وجهات وشخصيات تآمرت على مصر، المسؤولية عن تفشي تلك النوعية من الجرائم، فالربيع العربي كان سبباً في أجواء الفوضى وتردي الأوضاع الأمنية وارتفاع طموحات الناس، وتحول الحرية إلى همجية وبلطجة وغياب المسؤولية الاجتماعية أو حتى السياسية وكلها عوامل جعلت بعضهم يعتقد أن في استطاعته أن يفعل أي شيء من دون أن يطاوله القانون، وآخرون يتصورون أن جهاز الأمن يعمل لمصلحة فئة بعينها ويترك باقي المواطنين ضحايا للفساد والسرقة والخطف، ناهيك بطوفان الإشاعات والأكاذيب والأخبار المفبركة التي لا يتوقف “الإخوان” عن ضخها ليل نهار لإرباك الناس وجعل المجتمع ساخناً دائماً. إنها آلاعيب فطن إليها المصريون وحصّنتهم ضد إعلام الجماعة والدول التي تساندها ودعوات الناشطين وتنظيرات النخبة. صحيح أن لدى “الإخوان” ثأراً مع السيسي وهم لم يتوقفوا عن محاولة الإساءة إليه وتغييب إنجازاته وتعظيم هفواته أو أخطائه، لكن الاعتقاد السائد في مصر الآن أن الجماعة تسعى إلى الانتقام من الشعب المصري ذاته ليس فقط لأنه أطاح حكم “الإخوان” وثار على محمد مرسي وجعل مرشد التنظيم يفر من اعتصام رابعة العدوية مرتدياً نقاباً، ولكن أيضاً لأن ذلك الشعب على رغم معاناته وصعوبة الحياة التي يعيشها لا يتجاوب مع كل دعوة قد تؤدي إلى عودة “الإخوان” مجدداً إلى واجهة الصورة. في اختصار، الشعب المصري لا يريد أن تجمعه صورة واحدة مع “الإخوان”، بل يبتهج أكثر مع كل واقعة ولو بسيطة لمجرد أن تزيد من صدمة الجماعة!