لأن إيران باتت سبب كل أوجاع هذه المنطقة بأفعالها البشعة وبنواياها السيئة، واستهدافها المستمر والمتواصل للعرب وللقضايا العربية قبل الثورة الخمينية في عام 1979 وبعد ذلك، فقد بقيت تهيمن، إخبارياً وأيضاً سياسياً، على مستجدات هذه المنطقة الملتهبة، التي ازدادت التهاباً باحتلالها الفعلي لدولتين عربيتين هما العراق وسوريا، ومحاولات هيمنتها على اليمن وعلى لبنان، وتسللها إلى ليبيا وبعض دول شمال أفريقيا، هذا بالإضافة إلى الخليج العربي كله.
ولعلّ ما يجب التذكير به في هذا المجال، مع أنه قد قيل أكثر من مرة، ومع أن بعض كبار المسؤولين العرب قد حذروا منه، ليس مرة واحدة وإنما مرات كثيرة، هو أن إيران كانت قد أعلنت وقبل أكثر من 15 عاماً أنها بصدد تحقيق هدف إنشاء «هلالها المذهبي» الذي يبدأ أحد طرفيه في اليمن عند باب المندب وينتهي طرفه الآخر في لبنان على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وحقيقة إن هذا كاد يتحقق كاملاً لولا تصدي المملكة العربية السعودية ومعها «التحالف العربي» لانقلاب الحوثيين، وكان معهم علي عبد الله صالح رحمه الله على أي حال، على الشرعية اليمنية.
والمعروف أنه قد ثبت بالأدلة القاطعة ولا يستطيع إنكاره إلا المنحاز لما يسمى دول «المقاومة والممانعة»، التي تضم إيران، ويصر كبار المسؤولين الإيرانيين، وبخاصة قادة حراس الثورة، على أنها تضم أيضاً العراق وسوريا ولبنان والحوثيين، أن جمهورية الشر هذه متورطة في دعم التنظيمات الإرهابية حتى «ذقنها»، وأن تنظيم «القاعدة» قد تربى وترعرع في كنفها، وهذا ينطبق على «طالبان» الأفغانية، وعلى «داعش» الذي بات معروفاً أن حراس الثورة الإيرانية يعتبرونه أحد فيالقهم الفاعلة الرئيسية. إنّ هذا لا بد من قوله والتأكيد عليه قبل التطرق للإثبات وبالأدلة القاطعة أن «دولة الملالي» هذه قد أصبحت «نمراً من ورقٍ»، وأنَّ انهيارها الذي بات واضحاً سيكون على يد الشعب الإيراني العظيم بكل قومياته وأحزابه وتنظيماته الحية، وفي المقدمة من هؤلاء جميعاً المقاومة الإيرانية بقيادة «مجاهدين خلق» الذين استمروا في مواجهة هذا النظام بعد مواجهة نظام الشاه السابق على مدى أربعين عاماً وأكثر.
وهنا فإن ما يشير لا بل ما يؤكد على أن «الملالي» باتوا يتحسسون أعناقهم بعد هذه الانتفاضة الشعبية الأخيرة التي لا تزال مستمرة ومتواصلة، والتي بالإضافة إلى أن العاصمة طهران، التي بأسواقها (بازاراتها) تستحق أن تعتبر منطلق هذه الثورة المتصاعدة، قد عمت المدن الإيرانية كلها من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب، ومن أقصى الشرق عند الحدود مع باكستان وأفغانستان إلى عربستان (الأحواز) في الغرب عند الحدود العراقية.
إنه ليس عيباً ولا عاراً أن تكون هذه الانتفاضة الجديدة، التي سبقتها على مدى الأربعين سنة الماضية انتفاضات متعددة وكثيرة، عفوية وتلقائية، لكن في الحقيقة إنها ليست كذلك وإنها منظمة ومعدٌّ لها إعداداً جيداً إن من قبل «المقاومة الإيرانية»، وإن من قبل التنظيمات القومية الأخرى التي هي على صلة مستمرة بـ«مجاهدين خلق»، وتنسق معهم، إن في الداخل وإن في الخارج، الأمور كلها وكل صغيرة وكبيرة كما يقال.
كان «ملالي» النظام الإيراني الذين أصيبوا بالذعر وبدنوِّ أجلهم وأجل نظامهم، قد قالوا وما زالوا يقولون إن جهات خارجية تقف وراء هذه الانتفاضة الأخيرة، وذلك في حين أنهم، وكل المعنيين يعرفون هذا، أن هذه ثورة حقيقية، وأنه تقف خلفها ومعها بل وأمامها قوى منظمة وجودها الأساسي والفاعل داخل إيران، وهذا يعني أنها لن تتوقف وأنها ستتواصل حتى النصر «وإنَّ غداً لناظره قريب»، وأنه وداعاً لسنوات الظلم والاضطهاد هذه، ووداعاً للتدخل في الشؤون العربية الداخلية، وأن الأخوة العربية – الإيرانية ستعود إلى تلك الفترة التاريخية العظيمة التي أنجزت وأنجبت حضارة إنسانية رائعة، كانت ذات يوم غير بعيد في الحسابات التاريخية في طليعة الحضارات الكونية.
لقد ثبت وبالأدلة القاطعة أنه لا يوجد صراع سني – شيعي، وأن نظام الملالي بتدخله في الشؤون العربية الداخلية وبتمدده الاحتلالي في هذه الدول العربية التي تمدد فيها، وبغطاء مذهبي موهوم ومفتعل، أراد تصدير أزماته، التي غدت متفاقمة و«تُبشّر» بدنو أجله واقتراب ساعة رحيله إلى الخارج، لكن ها قد جاءت هذه الانتفاضة الباسلة حقاً لتؤكد أنه لن يفلح في هذا، وأن حَبْل الكذب سيكون قصيراً، وأنه لا يصح إلا الصحيح، وأن لحظة الحساب والعقاب قادمة وبالفعل لا محالة.
كان مؤتمر المقاومة الإيرانية، الذي انعقد في باريس قبل أكثر من 10 أيام، وشارك فيه نحو ربع مليون إيراني جاءوا من «أربع رياح الأرض»، وحضره عدد كبير من المؤيدين والمناصرين، من بينهم شخصيات مرموقة بالفعل لعبت أدواراً قيادية في بلدانها، بمثابة التأكيد على أن انتصار الشعب الإيراني بات قريباً وإلى حدِّ القول وبلا أي مبالغة بأن المؤتمر المقبل بالفعل قد يكون في طهران، وأن زوال هذا النظام الاستبدادي «الرجعي» بات قريباً، وأنه على من يشك في هذا أن يراجع مسيرة التاريخ، حيث كانت قد تهاوت أنظمة وإمبراطوريات جبارة كثيرة كان البعض يرى أنها باقية إلى الأبد.
لقد كانت الدلالة الأولى على أن هذا المؤتمر أو هذا التجمع هو غير المؤتمرات السابقة هي الإعلان رسمياًّ عن أن قائد المقاومة الإيرانية ومؤسسها في العهد «البهلوي» مسعود رجوي لم يُقتل ولم يغب الغياب النهائي، كما كان ادعى نظام الملالي ومعه «المذهبيون» المصفقون له، وأنه لا يزال على رأس عمله وفي موقعه القيادي الفاعل، وأنه هو ومعه عدد من زملائه هو من يقود هذه الانتفاضة الجديدة التي من الواضح أنها زعزعت هذا الكيان الاستبدادي الرجعي الذي باتت نهايته قريبة.
إن هذه هي الدلالة الأولى، أما الدلالة الثانية فهي الإعلان وللمرة الأولى عن أن المقاومة الإيرانية عازمة، وقد قطعت شوطاً طويلاً على هذه الطريق، لإقامة جبهة عريضة تضم كل القوى والاتجاهات الإيرانية الفاعلة لإسقاط هذا النظام، إن بالتحركات الجماهيرية المتلاحقة، وإن بالقوة العسكرية والكفاح المسلح، وحقيقة أن هذا تطور نوعي على كل الذين في مصلحتهم إزالة هذه الغيمة السوداء أن يؤيدوه ويدعموه بكل وسائل الدعم والمساندة.
أما الدلالة الثالثة فهي أنّ الأميركيين قد أعادوا النظر في مواقفهم وقراراتهم السابقة، وأنهم لم يعودوا يعتبرون «مجاهدين خلق» منظمة إرهابية، وأن هناك نية جدية لتوجيه دعوة لقائدة المقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي لزيارة واشنطن للقاء كبار المعنيين والمسؤولين في الولايات المتحدة.
وهكذا واستناداً إلى هذا كله فإن «ملالي طهران» قد فقدوا أعصابهم، وأنهم بالإضافة إلى عنفهم الداخلي ضد هذه الانتفاضة الجديدة قد شكلوا شبكة الاغتيالات والتفجيرات الأخيرة التي تم ضبطها في عدد من الدول الأوروبية، والتي كانت تستهدف مؤتمر باريس الأخير الذي أصاب هذا النظام الإيراني بالهلع والخوف، وبأن نهايته باتت قريبة.
لقد وصلت إيران الخامنئية إلى طريق مسدودة بالفعل، وهي إذْ تحاول تأجيل الاستحقاق الكبير الذي لا بد منه بافتعال كل هذه «الزوبعة» العاتية حول «الاتفاق النووي» الذي كانت وقعته مع باراك أوباما في لحظة اهتزاز معادلات هذه المنطقة، فإنها تعرف أن لحظة الحقيقة قادمة لا محالة، وإن «بازار» طهران الذي أعطى لـ«الثورة الإيرانية» هذا الاسم، وأعاد الخميني من المنافي القريبة والبعيدة سيعطي للشعب الإيراني العظيم حقه… وحق هذا الشعب هو أن يقرر مصيره بنفسه وأن يعيد بناء بلده، وأن يضع حداً لكل هذا التلاعب العبثي بمستقبله ومستقبل أطفاله وأجياله.
إنه لم تعد هناك أي إمكانية لمواصلة «ترقيع» أمور غدت متهاوية، فأربعون عاماً من الظلم والظلام وافتعال العديد من الحروب الداخلية والخارجية قد أشعل فتيل هذا الانفجار الهائل، فثورة التغيير قد بدأت والشعوب الإيرانية كلها أدركت هذه الحقيقة، ونهاية هذا النظام المتخلف الذي حاول تأجيل نهايته بافتعال كل هذه التدخلات الخارجية غدت تحصيل حاصل… وإن غداَ لناظره قريب!
إيران المتهاوية… هل يكون مؤتمر «المجاهدين» المقبل في طهران؟!صالح القلاب
12
المقالة السابقة