حالي كحال آلاف الأردنيين وغيرهم تابعت حديث جلالة الملك عبد الله الثاني خلال لقائه مدراء الإعلام الرسمي ورؤساء تحرير صحف يومية بحضور نقيب الصحافيين وكتاب محترفين والذي تناول فيه جلالته الهم العام وتفاصيل الحدث الجاري الآن في البلد ، وهو موجة الاحتجاجات التي تجوب الشارع هذه الأيام وقد استجاب معها جلالته وعبر عن اعتزازه وفخره بالأسلوب الحضاري الذي ظهرت فيه هذه الاحتجاجات المطلبية .
حديث جلالته جاء واضحا وصريحا لا مجال فيه للتفسيرات والتأويلات وهو في مضمونه يتقاطع مع طروحات الشارع التي ملت تصرفات المسؤولين من وزراء وغيرهم من الذين لم يقوموا بواجباتهم على الوجه المطلوب ، وتكاسل وتراخي المسؤول الذي بات يستخف بمشاكل المواطنين ويماطل في إيجاد الحلول لها ويتكبر على النزول للشارع والتواصل مع المواطنين لتوضيح واقع الحال وغيرها من التحديات التي تواجه الوطن على المستوى الداخلي والإقليمي.
وعلى صعيد التغيير المنشود و المطلوب فقد أوضح جلالته أن الحالة الوطنية فاقدة للثقة في الأحزاب ،وهو واقع حقيقي ، كون الأحزاب ذاتها لم تستطع إقناع الناس بضرورة الانخراط فيها وممارسة الدور الطبيعي في هذه الحاضنات السياسية التي تزيد من وعي الفرد والمجتمع عبر عديد القنوات التوعوية والمسارات الحزبية التنظيمية التي تكثف جهود الجماعات ضمن سلسلة من البرامج والأفكار والطروحات للكثير من الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية .. و هذا خلل في بنية المجتمع و مثلبة أضرت به و أفقدته أهم عنصر من عناصر القوة و المنعة و هو أن يكون منظما ً في أطر مؤسسية تشكل قوى حيّة قادرة و مرنة في حركتها الأمر الذي جعل من النقابات المعادل الموضوعي للأحزاب و جعلها تمسك بزمام الأمور رغم أن الواجب فيها أن تكون مهنية فقط و بعيدا ً عن التلاوين السياسية التي تضر بمنتسبيها أولا ً ثم بالمجتمع .
أما الشباب فقد كان ملفهم حاضراً كالمعتاد في حديث جلالة الملك الذي أكد مرة أخرى على إيمانه الشديد بقدراتهم وقراراتهم وطاقاتهم الخلاقة في توليد الأفكار والابتكار للحلول الناجعة لواقعنا وبطرق وأساليب ذكية تتواءم مع متطلبات العصر وثورة الانفوميديا التي نعيشها . وقد أشار جلالته إلى جرح غائر في كيان الحكومات ومؤسسات الدولة والقائمين عليها ألا وهو سياسة الإقصاء التي ينتهجها البعض تجاه العديد من شباب الوطن الواعي والملتزم والقادر على تقديم كل ما يستطيع لخدمة الوطن .
وهنا يؤكد جلالته أن الإقصاء كان سبب دمار مؤسسات الدولة من خلال وجود الكسالى والضعفاء والجبناء الذين لم يستطيعوا إنجاز أي شيء ؛ وعليه يجب أن لا يبقى مثل هؤلاء وأن تنتهي هذه السياسة الغرائزية الجهوية والمناطقية القائمة على الإقصاء والإلغاء الأمر الذي يعيق ويثبط ويعطل العمل والإنجاز , والبديل هو الالتقاء والارتقاء مع كل ما من شانه تقديم خدمات جليلة للوطن والمواطن وقادر على العمل المستمر تحت الضغط لغايات النهوض بالصالح العام دون أجندات شخصية وغيرها.
حديث جلالة الملك دقيق ، حصيف ،متقدم ،شامل ،عفوي وبمنتهى الشفافية تناول القضايا الوطنية الساخنة التي تعبر عن نبض الشارع ، و في إشارات سريعة بعثت رسائل للجميع عن التحديات الوطنية التي زادت من معاناة المواطنين و خذلان المجتمع الدولي الذي لم يلتزم بتعهداته تجاه عديد القضايا و الملفات الإقليمية ؛ و من هنا على الحكومات ابتكار حلول ناجعة تبتعد عن الضغط على المواطن و تحافظ على السلم المجتمعي من خلال التخفيف من معاناة الناس و الحفاظ على الطبقة الوسطى التي بدأت تتلاشى ، و فتح حوار وطني حقيقي ملتزم و مسؤول يقود إلى توافقات وطنية يستشعر بأثرها جميع شرائح المجتمع .
حديث الملك..نبض الوطن و المواطن /محمد موسى
15
المقالة السابقة