” إن ما قام به الرئيس الاميركي ترامب في العام 2018م ليس الا امتداد لعقود طويلة من المحاولات الصهيو ـ أميركية لتغيير الطابع السياسي والقانوني لمدينة القدس الفلسطينية, وليس كما يدعي البعض من الجهلة بالتاريخ بانه استثناء في تاريخ الدعم والتحيز الاميركي الكامل للسياسة الاسرائيلية تجاه القدس عاصمة فلسطين الابدية. ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن قرار الرئيس الاميركي ترامب بنقل السفارة الاميركية الى مدينة القدس العربية الفلسطينية المحتلة في شهر رمضان من العام 2018م بالقرار او التوجه الاميركي التاريخي الجديد في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي بوجه عام, وفي السلوك التاريخي للسياسة الخارجية الاميركية المتحيزة والداعمة بشكل كامل للمستعمرة الاسرائيلية الكبرى بوجه خاص في مختلف تصرفاتها وسلوكياتها المخالفة للقوانين والاعراف الدولية.
بل يمكن القول باختصار. ان الرئيس الاميركي ترامب انهى بهذا القرار على عقود من المحاولات والمساعي المماثلة للعديد من القيادات والسياسيين الاميركيين المواليين لإسرائيل والتي لم يكتب لها النجاح منذ مطلع العام 1980 تقريبا.
والمتتبع لمثل هذه المحاولات والمساعي الصهيو ـ اميركية يجد ان لها جذور تاريخية بدأت منذ العام 1953م وتحديدا في 13 يوليو حين ( قامت اسرائيل بنقل وزارة خارجيتها من تل ابيب الى القدس, الامر الذي دفع ادارة الرئيس الاميركي ايزنهاور حينها الى عدم التعامل الرسمي من قبل الدبلوماسيين الاميركيين مع المسؤولين الاسرائيليين كردة فعل رافضة لذلك التصرف الاحادي لاعتباره حينها محاولة اسرائيلية لدعم مطالباتها بان تكون القدس عاصمة لإسرائيل, الا ان الولايات المتحدة الاميركية وبعد سنة ونصف من المقاطعة تراجعت امام تصميم اسرائيل, ففي 12 نوفمبر من العام 1954م سمح للسفير الاميركي الجديد الى اسرائيل ادوارد لوسون بتقديم اوراق اعتماده في القدس منهيا بذلك المقاطعة من الناحية الفعلية).
اما بالنسبة لما يتعلق بمحاولات نقل السفارة الاميركية الى القدس خصوصا. نجد ان جذورها بدأت منذ مطلع عقد الثمانينيات من القرن العشرين تقريبا حينما( ذهب الحزب الديموقراطي الاميركي الى تأييده لبرنامج اسرائيل السياسي الذي يدعو الى نقل السفارة الاميركية الى القدس, حيث اشتمل برنامجه في عام 1984م على القرار التالي: يعترف الحزب الديموقراطي بوضع القدس المقرر كعاصمة لإسرائيل ويؤيده , وينبغي للدلالة على ذلك نقل السفارة الأميركية الى القدس ) ـ صحيفة النيويورك تايمز الأميركية 18/7/1984م.
وفي ( تلك السنة ذاتها – أي 1984- وافقت لجان مجلس النواب الفرعية للعمليات الدولية ولشؤون اوربا والشرق الاوسط على قرار غير ملزم ينص على ان الكونجرس الاميركي يشعر بانه ينبغي نقل السفارة الاميركية الى القدس في اقرب تاريخ ممكن ) ـ صحيفة النيويورك تايمز الأميركية , بتاريخ 3/10/1984م.
وكذلك فعل مايكل دوكاكس في حملته الانتخابية في العام 1988م, حيث اعلن استعداده لنقل السفارة الاميركية الى القدس في حال نجاحه في الانتخابات الرئاسية, وكذلك فعل بيل كلينتون في العام 1992م , حين وصف برنامج الحزب الديموقراطي القدس بانها عاصمة اسرائيل ولكنه لم يذهب الى حد الحث على نقل السفارة اليها.
والملاحظ انه ومنذ العام 1980م أي قبل 38 سنة مع إعلان اسرائيل ما اسمته بالقانون الاساسي والذي ( اعاد تأكيد ضم مدينة القدس واتخاذها عاصمة دائمة لها ودعوتها بعثات مختلف الدول الى نقل سفارتها من تل ابيب الى القدس , قامت بعض الدول بالسير وراء هذا القانون, ولكن اغلبية الدول رفضت نقل بعثاتها الى القدس, مما جعل كل من مجلس الامن والجمعية العامة يتدخلان لإصدار قرارات تلوم اسرائيل على هذا الموقف , وتعلن بطلان كافة الاجراءات التي تستهدف تغيير الطابع العمراني لمدينة القدس وتكوينها الديموغرافي وهيكلها المؤسسي ومركزها القانوني , وطلب مجلس الامن من الدول التي نقلت بعثاتها الى القدس ان تسحبها , واستجابت اغلبية الدول التي كانت قد نقلت سفاراتها الى القدس لهذه القرارات واعادتها مرة ثانية الى تل ابيب ) ـ (د. جعفر عبدالسلام علي ,دراسات في القانون الدولي والشريعة الاسلامية , بيروت / لبنان , ط 1/ 1999م)
ولكن الولايات المتحدة الاميركية قد غيرت من موقفها بعد ذلك في عهد الرئيس الاميركي بيل كلينتون واصدر الكونجرس الاميركي قرار بدعم نقل السفارة الاميركية الى القدس في نهاية العام 1997م .
خلاصة الامر ان ما قام به الرئيس الاميركي ترامب في العام 2018م ليس الا امتداد لعقود طويلة من المحاولات الصهيو ـ اميركية لتغيير الطابع السياسي والقانوني لمدينة القدس الفلسطينية, وليس كما يدعي البعض من الجهلة بالتاريخ بانه استثناء في تاريخ الدعم والتحيز الاميركي الكامل للسياسة الاسرائيلية تجاه القدس عاصمة فلسطين الابدية.
محمد بن سعيد الفطيسي