بات واضحاً أنّ الإيرانيّين أُحرجوا فاضطرّوا إلى الردّ على الإسرائيليّين. صفعة بعد صفعة بعد صفعة، وليس لدى طهران إلاّ الكلام الكبير (وطائرة واحدة تمّ إسقاطها). بعد ذاك ردّ الإيرانيّون: اتّجهت صواريخهم وقذائفهم نحو إسرائيل فسقط معظمها في سوريّة. ما وصل منها إلى الدولة العبريّة اعترضه الإسرائيليّون وأسقطوه.
الأخيرون، العدوانيّون والتوسّعيّون تعريفاً، هم الذين ردّوا على ما لم يُصبهم. اغتنموا الفرصة التي انتظروها فضربوا، وفق ما قالوه، البنية العسكريّة الإيرانيّة في سوريّة. الإيرانيّون، بدل أن يكبّروا الفعل، كبّروا الكلام. شتموا الديبلوماسيّة وأكّدوا، للمرّة المليون، تعويلهم على «المقاومة». لكنّهم قالوا أيضاً شيئاً آخر: نحن لم نَضرب ولم نُضرب. السوريّون هم من فعلوا.
الفشل العسكريّ الذريع الذي كشف ضحالة الآلة الحربيّة الإيرانيّة، رافقه فشل ديبلوماسيّ تصنعه طهران بيدها. لقد شكّكوا بالأوروبيّين المتمسّكين بالاتّفاق معهم، تماماً على عكس ما فعله الإسرائيليّون الذين غازلوا الروس وقالوا إنّهم أطلعوهم على ما قاموا به. حصل هذا فيما كان بنيامين نتانياهو يزور موسكو.
النرجسيّة الجريح لدى الإيرانيّين تنفّر المحايدين وتتّهم العالم. إنّه جنون الوعي الإمبراطوريّ وقد انفلت من عقاله. إنّه الكلام الكبير وقد راح يتخبّط في الفعل الصغير.
تطوّرات الأيّام الأخيرة توحي أنّ إسرائيل تريد الحرب مع إيران. هذا ما سبق أن رأيناه مع مصر الناصريّة في 1967: قالت القاهرة مراراً وتكراراً إنّها ستحاربها، فيما هي تحارب في اليمن، لكنّ إسرائيل هي التي حاربتها وهزمتها. آنذاك، من موقعها العدوانيّ والظالم، ولأسباب لا صلة لها بمصالح العرب الذين احتلّتهم، أنهت الدولة العبريّة المشروع الإمبراطوريّ الناصريّ وقوّضت قوميّته العربيّة. أمّا إذا قدّمت إيران، التي تستغرقها حروبها في المنطقة، ذريعة أخرى لشهيّة الحرب الإسرائيليّة، فلا يُستبعَد حصول 67 إيرانيّ ينهي المشروع الإمبراطوريّ لطهران وإسلامه الراديكاليّ.
طهران، المنهكة اقتصاديّاً، حمت نفسها من احتمال كهذا بلسان التنصّل: نحن لسنا من فعل ذلك. والتنصّل يوحي أنّ المجابهة التي تمّت سوف تقتصر على رقعة جغرافيّة لا تتعدّاها. لكنّ اللسان الإيرانيّ الآخر الذي نطق بالمقاومة وبلعن العالم قد يفعل العكس.
في الحالة الأولى، سيكون التعديل الذي طرأ على اتّفاقيّة فضّ الاشتباك في 1974 طفيفاً يستطيع أن يحتمله ويستوعبه الوضع القائم. لكنّ المزاعم الإيرانيّة حول «تحرير القدس» لن تحتمله. الأيديولوجيا ستباشر انهيارها الذي قد يكون مديداً.
في الحالة الثانية، ستسقط على نطاق واسع وعابر للحدود اتّفاقيّة 1974، ويسقط في ذيلها القرار 1701. عندها، وتبعاً لما بات معروفاً عن قدرات إيران العسكريّة والاقتصاديّة، لن يكون من الصعب توقّع النتيجة.
المؤلم، فضلاً عن الأكلاف البشريّة، أنّ إسرائيل هي التي تتولّى تقويض الإمبراطوريّات ومشاريعها. إنّها بالطبع تفعل ذلك لأسباب تخصّها هي.
المؤلم أكثر أنّنا نحن، عبيد الإمبراطوريّات، لا نستطيع ذلك، وأنّنا، فوق هذا، قد لا نستطيع الإفادة من تقوّضها والبناء عليه. وربّما أفاد التذكير بأنّ هزيمة الناصريّة وقوميّتها العربيّة جاءنا بالإسلام الأصوليّ!