عروبة الإخباري – أحمد أبو حليوة..
لو أنَّ الطفلةَ التي ولدتْ في يومِ مولدي، وشاركتْني غرفةَ الخداج، ولم ترني ثانيةً، قالتْ لي: بكيتُ بغزارةٍ، وصرختُ ملءَ فمي، نداءً لكَ لا لأمي…
لو أنَّ الصغيرةَ التي تقاربُني في السنِّ، والتي لعبتُ معها في الحديقةِ، قالتْ لي: كمْ رجوتُ أنْ نلعبَ طوالَ العمرِ على ذاتِ الأرجوحةِ…
لو أنَّ زميلتي في الروضةِ، قالتْ لي: كنتُ أقاسمكَ ألعابي، وبعضَ طعامي، كي أشاطركَ العيشَ كلَّ حياتي…
لو أنَّ ذاتَ المريولِ الأخضرِ، قالتْ لي: أيّها الكسولُ، كمْ كانتْ تلومني على تأخري عنِ الدوامِ معلمتي، وأنا المستيقظةُ باكراً، أتصيدُ منْ بعيدٍ لحظةَ خروجِكَ كي نلتقي…
لو أنَّ ابنةَ الجيرانِ التي كانتْ تمسحُ الماءَ أمامَ البيت، قالتْ لي: تعمدتُ أنْ أرفعَ عنْ ساقيَّ أكثرَ ممّا يجب، كي تعرفَ صيفاً لونَ الثلج، وتلسعكَ نيرانُ المراهقةِ أيّها الغبي…
لو أنَّ ابنةَ عمي لمّا قمتُ بزيارتِهم، قالتْ لي: ليسَ مصادفةً سقطَ منديلي، ورأيتَ شعريَ البنيَّ الناعمَ الطويلَ كذيلِ فرس، ولكنّكَ منذُ النبضِ فارسي…
لو أنَّ صديقتي في الجامعةِ حينَ أعطتْني قطعةَ الحلوى، قالتْ لي: رغمَ أنِّي حلوة، إلا أنَّني كمْ تمنيتُ أنْ أكونَ بينَ شفتيكَ حلوى…
لو أنَّ زميلتي في الوظيفةِ، قالتْ لي: سأتركُ العمل، لأنَّني لمْ أعدْ قادرةً على أنْ أحبكَ بصمتٍ أكثر، وأتشبثَ طويلاً باحتضارِ الأمل، ولذا قدمتُ استقالتي…
لو أنَّ تلكَ الفتاةَ السمراءَ الجميلة، التي صعدتْ إلى الحافلةِ العامةِ، والتي لمْ تجلسْ إلى جانبي في المقعدِ الثنائي، وذهبتْ وجلستْ بعيداً عني، قالتْ لي: أنا لمْ أرغبْ أنْ أشارككَ مقعدكَ، لأنِّي رجوتُ أنْ تكونَ أكثرَ قرباً مني، حينَ نجلسُ معاً على مقعدٍ فردي…
لو أنَّ المرأةَ الشقراءَ الحائرةَ التي كانتْ تقفُ على الشرفةِ، أرختْ سنابلَ شعرِها، وألقتْ عليَّ بعضَ ابتسامةٍ، ثمَّ أرسلتْ معَ الريحِ قصعةَ ورقةٍ، أسدُّ بها رمقَ قلبي، حينَ عليها تكتبُ لي: أيَّها العابرُ، كمْ نظرتُ طويلاً تائهةً للمارينَ منْ هنا، أفتشُ في وجوهِهم عنِّي، أوْ عنْ ظلٍّ فيهمْ يشبُهني، وعندما مررتَ أنتَ فقط، أخيراً وجدتُني…
لو … لو حدثَ حادثٌ واحدٌ فقط مما ذكرت …
لما انتحرت … لما انتحرت … لما انتحرت !!!