”…يوصي التقرير بأن على نتنياهو أن يتعلم من معلمه الأول (زئيف جابوتنسكي) الذي كان يُكرر القول دوما إبان قيادته للعصابات الصهيونية قبل نكبة فلسطين بأن “الهدوء هو وحل”، وأن ما أسماه التقرير بــ”الهدوء الوهمي” من جانب حزب الله لا ينبع فقط من ردع “إسرائيل”، بل هو يهدف إلى تمكينه من استكمال جوهر مهمته دون تشويش بتثبيت سلاح استراتيجي في لبنان ضد “إسرائيل”، والانتظار حتى إصدار الأوامر.”
مؤخرا، وفي سياق الدراسات ذات البُعد الاستراتيجي، والمتعلقة بواقع دولة الاحتلال و”التحديات” العسكرية، وغير العسكرية، التي تواجهها، أنجز ما يُسمى بمعهد دراسات “الأمن القومي الإسرائيلي” في “إسرائيل” تقريره المعنون بــ”التقديرات الاستراتيجية لإسرائيل 2018″، حيث قدمه رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، الجنرال عاموس يدلين، إلى رئيس كيان دولة الاحتلال، رؤوفين ريبلين.
وبالطبع، فإن واضعي (التقرير/الدراسة، وتقدير الموقف، والتوصيات الختامية المذيلة به)، هم في حقيقتهم عدد من جنرالات العسكر، ومن الوزراء السابقين، من صُنَّاع القرار الأمني، والعسكري، والسياسي، ومن ذوي الخبرة، الذين قَدَّموا من واقع تجربتهم، وخبرتهم، تلخيصا في موضوعات محددة.
التقرير، في مضامينه، وحسب ماتم تسريبه بشكل متقطع، تناول المسائل والعناوين المختلفة، والمتعلقة بمسارات الصراع في المنطقة، والتحديات التي تواجهها دولة الاحتلال، وخاصة في جوانبها الأمنية والعسكرية، والسياسات الجوهرية المفترضة أمام “إسرائيل”.
وقد نالت التحديات الأمنية والعسكرية، التي تواجه جيش الاحتلال خلال المرحلة وما سيتلوها، على قسط وافر من مادة التقرير ومعطياته، واستنتاجاته، في ظل حالة عدم الاستقرار في المنطقة، والسيناريوهات التي يُتوقع أن يواجهها “الجيش الإسرائيلي”، الذي وجد نفسه في السنوات الأخيرة (حسب واضعي التقرير) أمام صراع طويل النفس على عدة جبهات في آنٍ واحد، وهو ما يفترض بناء القوة على المستوى البعيد والمرتبط بدوره بفرضيات، في مقدمتها “أنَّ على إسرائيل أن تُحافظ على مكانتها كقوة عسكرية إقليمية فائقة القُدرة، وأن تُركّز في السنوات القادمة على مركبات الدفاع وصد التهديدات”. وأنَّ “استمرار بناء قوتها في محيط سريع التغيّر يحتاج إلى موارد كبيرة تشمل رفع وزيادة الموازنة العامة للجيش، وأجهزة الأمن وأذرعه المختلفة، وتطوير علاقة الجيش بالمجتمع، وطبيعة المقاتلين الذين يتم تجنيدهم وتوسيع استخدام واستثمار التكنولوجيا في الميدان العسكري والاستخباراتي”.
وتضمنت التقديرات الاستراتيجية الواردة في التقرير تدريجا لما أسماه التقرير الاستراتيجي، بــ”التهديدات التي تواجهها إسرائيل عسكريا بحسب خطورتها”، وقد تم تحديدها بخطرين رئيسيين، في الوقت الراهن، أولهما التهديد العسكري المُتعلق بــ”حرب الشمال الأولى” مقابل ثلاث قوى، هي: إيران وحزب الله وسوريا. وفي هذا الخطر العسكري الأول تندرج قوة إيران وتنامي دورها العسكري والإقليمي، واستمرارها في برنامجها النووي.
إنَّ المخاطر المتعاظمة في التهديد العسكري الأول المُشار إليه أعلاه في التقدير الاستراتيجي “الإسرائيلي”، تأتي أيضا بعد الواقع الميداني الجديد على الأرض السورية، في ظل تحقيق الجيش السوري لنتائج ذات بُعدٍ كبير في الحرب على الإرهاب والانحسار التدريجي لحضور وتموضع المجموعات التكفيرية المسلحة فوق الأرض السورية، وهو ما يضع الجيش السوري في موقف ميداني أفضل بكثير أمام أي مواجهة محتملة حال اشتعال الحرب على الجبهة الشمالية من فلسطين المحتلة. كما يسود الاعتقاد (وفق لغة التقرير) بأنَّ حزب الله اللبناني بات يُشكّل عامل القلق الكبير للدولة العبرية الصهيونية.
في هذا السياق، يوصي التقرير بأن على نتنياهو أن يتعلم من معلمه الأول (زئيف جابوتنسكي) الذي كان يُكرر القول دوما إبان قيادته للعصابات الصهيونية قبل نكبة فلسطين بأن “الهدوء هو وحل”، وأن ما أسماه التقرير بــ”الهدوء الوهمي” من جانب حزب الله لا ينبع فقط من ردع “اسرائيل”، بل هو يهدف إلى تمكينه من استكمال جوهر مهمته دون تشويش بتثبيت سلاح استراتيجي في لبنان ضد “إسرائيل”، والانتظار حتى إصدار الأوامر ـ لذلك يوصي التقرير بوضع هدف استراتيجي على جبهة شمال فلسطين المحتلة مع لبنان، ويتمثّل بــ”منع حرب بدل تأخيرها المؤقت”، وتحقيق هذا الهدف يرتبط حسب التقرير بثلاثة عناصر، أولها ردع حزب الله. وثانيا الامتناع عن شن حرب اختيارية وحساب دقيق للخطوات، بحيث لا تؤدي إلى التصعيد. وثالثا اتباع تكتيك “تعقيد المُعضلة”، حيث تعطي “إسرائيل” إشارات لإمكانية القيام بعملية وقائية في لبنان.
أما التهديد العسكري والأمني الثاني، بحسب تدريج تقرير معهد دراسات “الأمن القومي الإسرائيلي”، فهو احتمالات تكرار الـ”مواجهات العسكرية في الجنوب”، حيث إمكانية اندلاع جولة حرب جديدة مع قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، خاصة مع كتائب الشهيد عز الدين القسام، وسرايا القدس، والتي بات عديدها يفوق الـ(خمسين) ألف مقاتل تحت السلاح. معطوفا عليها إمكانية تنامي الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية وصعودها مرة ثانية، وهو ما يشكّل عبئا كبيرا على “إسرائيل” من الناحية الاقتصادية، ومن ناحية إشغال وتشتيت جهد “الجيش الإسرائيلي” وأجهزة الأمن والشرطة، مع إمكانية عودة تنامي العمليات الفدائية الفلسطينية في العمق المحتل عام 1948، عدا عن ما قد تُسببه الحراكات السلمية والانتفاضية الفلسطينية من إحراج قيمي وأخلاقي لدولة الاحتلال على المستوى الدولي، وتطويق “إسرائيل” سياسيا أمام العالم بأسره.
وبحسب التقرير، والتقدير، فإنه “رغم الضربات العسكرية الإسرائيلية، وردع كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس وغيرها من الأجنحة العسكرية لعموم الفصائل الفلسطينية المقاتلة، إلا أنها تواصل بناء قوتها العسكرية”. وفي هذا السياق يعتقد واضعو التقرير بضرورة استمرار “الضربات الوقائية، خاصة الجوية منها” لمواقع كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس وغيرها، وتدمير الأنفاق على الحدود المصرية، من حين لآخر، وبالمقابل الانتباه إلى “أنَّ الضائقة الاقتصادية والاجتماعية والمصاعب الإنسانية في قطاع غزة، والفاقة والعوز، وتدهور الوضع الإنساني ووصول الأمور إلى شفا الانهيار، كل ذلك سيكون له بالغ الأثر في دحرجة الأمور إلى معركة عسكرية”، لذلك يطالب واضعو التقرير من القيادة “الإسرائيلية” التخفيف من وطأة الحصار المفروض على القطاع منذ صيف العام 2007، مع وجود حاجة مُلحّة للسير قدما في خطوات دولية وإقليمية لإعادة إعمار غزة، مقابل وقف تعاظم قوة كتائب القسام وسرايا القدس”.
بالخلاصات والاستنتاجات، وبشكلٍ عام، إنَّ لغة التقرير، تؤكد “أنَّ لدى إسرائيل شُبَّاك فرص لتحقيق وإحداث تقدم ملموس في وضعها الاستراتيجي، استنادا إلى:
أولا، قوتها الاقتصادية، وعلاقاتها الاستثنائية فوق الجيدة مع الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب وفريقه الذي يضم الكثير من عُتاة السياسيين المساندين والداعمين لدولة الاحتلال على طول الخط، وفي المقدمة منهم المبعوثان الأميركيان من أصل يهودي، لاجارد كوشنير صهر الرئيس دونالد ترامب، وجيبسون جرينبلات.
ثانيا، تنامي فرصتها لتثبيت معايير صحيحة وجيدة أكثر لتسوية الصراع مع الفلسطينيين نتيجة الموقف. لذلك يشدد واضعو (التقرير/الدراسة)، على أن أي تقدم سياسي مع الفلسطينيين هو ضرورة من أجل مواجهة مُجمل التهديدات الماثلة أمام “إسرائيل”.
التقدير الاستراتيجي “الإسرائيلي” للعام 2018/ علي يدوان
16
المقالة السابقة