عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – إذا لم تحدث تطورات دراماتيكية في الساعات القادمة حتى موعد إنعقاد القمة العربية فإن القضية الفلسطينية ستبقى في مقدمة جدول أعمال القمة العربية القادمة .
فقد ظلت القمم العربية التي تعقد بشكل دوري مرة في العام تستقبل في كل عام حدثاَ جديدا يقتحم جدول أعمالها, وقد يكون هذا الحدث مولوداَ من أزمة سابقة أو طارئاَ كأزمة مستجدة إذ لم تعقد قمة عربية جديدة منذ عدة قمم إلّا وحملت عنواناَ لأزمة جديدة خاصة بعد بدء مرحلة الربيع العربي المشؤوم الذي أسماه الرئيس أبو مازن ربيعاً أمريكياً فقد توالت الأزمات من إحتلال العراق إلى الكارثة الليبية فاليمنية فالسورية مروراَ بما سبق من الإعتداء على لبنان عام 2006 و الإنقسام الفلسطيني وهكذا لدرجة ان المواطن العربي أصبح يتشائم من عقد القمة لأنها تنذر قبيل إنعقادها بمأساة تحتل جدول أعمالها وهي أي القمة العربية في إستمرارية إنعقادها لم تستطع أن تتصدى للتحديات الكبيرة أو أن يكون لها دور في حلّها أو حتى تخفيف أثارها .
وسرعان ما كانت القضايا العربية التي تقع أو المأسي التي تحدث ما تتحول ويصبح التعاطي الدولي فيها هو البارز ويختفي منها الدور العربي ولا يعود قائما كعامل أساس من عوامل الحل ومثال ذلك الأزمة السورية تحديدا.
القمه الأن ستنعقد في المملكة العربية السعودية وهذه قد تكون نقطة إيجابية لإعادة شد الإنتباه ألى القمة كون مكان الإنعقاد في المملكة السعودية وتحديداَ في مدينة الظهران يعطي الإنعقاد أهمية مختلفة لما للمملكة العربية السعودية من دور وثقل ولما لها من علاقات مع البعد الدولي الذي يلعب دوراَ مؤثراَ وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت القمة العربية الإسلامية الطارئة قد عقدت في الرياض بحضور أكثر من أربعين دولة إسلامية وفي نفس زمن الإنعقاد كان الزعماء العرب والمسلمون وقبل ذلك قمة ثنائية سعودية أميركية هامة , والمحصلة لم يجرتسييل نتائجها وإن تمخضت عن فكرة مبادرة ترامب أو ما عرف بصفقة العصر التي ظل مضمونها غامضاَ كما أرادت الولايات المتحدة ليظل العرب “يتحزرون”ويجتهدون ويرتجلون ويدفعون وتظل الولايات المتحدة تقيم الإختبارات وتدرس ردود الفعل إلا أن “تمخض الجبل فولد فأراً” ووجدنا أن المكتوب يقرأمن عنوانه حين لم نستطع معرفة صفقة العصر.
وقد جاء العنوان او اعراض المبادرة او الخطة يمثلها إعطاء الإدارة الأمريكية القدس لتكون عاصمة لإسرائيل وإستمرار العمل على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس .
الجديد في إنعقاد هذه القمة التي يقف النظام العربي في معظمه مفلساً سياسياً أمامها هو الرغبة في مراجعة دفاترها لعل المراجعة تجد شيئاَ نافعاَ , إذ تصبح المراجعة ضرورة لجهة معرفة أين أصبح النظام العربي الأن ؟ أو أين كان وإلى أين سيكون أمام هذا الزلزال الشديد الذي ضرب بنيان النظام العربي وهو الزلزال الذي أسمي بالربيع العربي ولا علاقة له بالربيع .
لقد ضربت التغيرات الشديدة النظام العربي وجعلت أطرافاَ عديدة منه تفقد البوصلة والإتزان والسيطرة وتمضي إلى “مغارة الضبع” طلباَ للحماية وتحولت حالها حال “المستجير من الرمضاء بالنار”!!.
لقد أصبح الأمن القومي العربي مهدداَ بشكل سافر لم يحدث من قبل وتوسع النفوذ الخارجي والإقليمي في العالم العربي حتى غدا يشكل خطورة قد تودي بما تبقى من نظام وحتى انظمة عربية لم تعد قادرة على مواجهة التحديات او رفضها .
ولعل القضية الفلسطينية هي الأكثر إستهدافاَ بالتصفية والنيل من حقوق شعبها غير القابلة للتصرف حسب قرارات الشرعية الدولية بل ومحاولات التعدي على قيادتها بأشكال مختلفة تستهدف محاصرتها وتغييرها وطرح بدائل مشبوهة لها ,لقد عملت الصهيونية العالمية ممثلة في إسرائيل وبعض سياسات الولايات المتحدة في المنطقة على محاولات تصفية القضية الفلسطينية بوسائل منها إستعمال بعض أطراف النظام العربي من أنظمة مرهونة للسياسة الأميركية ويسهل عليها تقديم القضية الفلسطينة كفاتورة أو التبرع بها أو مقايضتها مقابل سلامة او بقاء بعض هذه الانظمة أو الرضى عليها ولذا جعلت الإدارة الأمريكية من إسرائيل ملاذاَ لطلب هذه الأنظمة والإشتراط أن أي نظام عربي يريد ان يكسب الود الأميركي عليه أن يمر من خلال الكم الإسرائيلي وهذا ما تعكسة التصريحات التي لا أريد التوقف عندها لكثير من المسؤولين العرب والتي تتحدث عن حقوق إسرائيل في أوطاننا وقضايانا دون خجل أو وجل .
لقد تواصل الضغط في أشكال معلنة وأخرى أكثر منها مخفية على السلطة الوطنية الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وبشكل واضح على الرئيس محمود عباس أبو مازن من جانب أطراف عربية تعمل وكيلة للسياسة الأميركية و الإسرائيلية لإضعاف القيادة الفلسطينية و إستبدالها وكبح نضالها السلمي الناجح في الأمم المتحدة والمحافل الدولية .
وجرى التعامل من جانب هذه الأنظمة مع القضية الفلسطينية بوسائل أمنية وعن طريق أجهزة المخابرات في بلدان عربية عديدة بدل التعاطي السياسي المعلن الذي يتناسب مع ما وصلت إليه القضية الفلسطينية في المحافل الدولية ومع حجم الانجازات السياسية التي حققتها القيادة الفلسطينية التي أصبح العالم يتفهم خطابها السياسي وتحركاتها ومطالبها بشكل متزايد عما كان عليه الأمر من قبل ..
اما التحديات الكبيرة التي تواجه القضية الفلسطينية والتي ما زال الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية تقف في وجهها بصلابة وقد عبر عن ذلك الرئيس محمود عباس ابو مازن بصلابة حين أقدمت الإدارة الاميركية على إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وحين راحت تميز بين المنظمة والسلطة فتتهم الأولى وتريد التفاوض مع الثانية وهو الأمر الذي رفضه الرئيس عباس وكشفه وأصر على التراجع عنه وقد حدث..
كما قبل الرئيس محمود عباس التحدي الأكبر حين انحازت الإدارة الاميركية لإسرائيل بعد تصويت دول الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار الذي فاز بـ (128) دولة الى صالح فلسطين ودولة فلسطين والذي عملت الإدارة الأميركية على إسقاطه وتدميره من خلال مواقف رئيس الإدارة ترامب الذي وافق على ان تكون القدس كلها عاصمة لإسرائيل وان يعمل على نقل السفارة الأميركية إليها وجملة من الإجراءات التي تتبنى المواقف الإسرائيلية بوضوح..
وما زال الرئيس عباس حتى عشية انعقاد القمة العربية في الظهران في منتصف هذا الشهر يتمسك بموقفه في ان الولايات المتحدة الأميركية لم تعد وسيطا نزيها ولا تصلح للقيام بوساطة في الصراع .
وعمل الرئيس عباس مع قادة العالم الآن وبنشاط لإيجاد بدائل أو الضغط على الإدارة الاميركية لتتراجع عن قرارها او تعدله بما يخدم المصالح الوطنية الفلسطينية ولو في الحد الأدنى.
الآن القمة العربية أمام استحقاقات تاريخية تتعلق بالقضية الفلسطينية ولذا فإن رهان الرئيس محمود عباس الآن على أن تؤكد القمة العربية على المواقف العربية الثابتة والمعروفة والمتعلقة بالقرارات العربية والدولية التي تتضمن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وان لا يجري التراجع عنها او المساومة عليها او التفريط بها وخاصة المبادرة العربية للسلام وقرارات الأمم المتحدة التي تدعو لتصفية الاحتلال وإزالته بما في ذلك مكوناته من استيطان وممارسات إسرائيلية نازية بشعة.
الرئيس محمود عباس لا يطلب المستحيل ولا يبحث في القمة عن حليب العصافير وإنما يريد لها ان تلتئم وان يكون قرارها هو التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني الكاملة وغير القابلة للتصرف وان يجري اعلان ذلك بمواقف سياسية واضحة تشكل دعما لصمود الشعب الفلسطيني وإسنادا لمواقف قيادته.
قد تكون القمة العربية بوابة فرج للقيادة الفلسطينية وقد تكون الخشبة التي يمسك بها المهدد بالغرق وقد تكون مظلة ومدخلا وقد يكون فيها فائدة وان بالحد الأدنى ، فالنظام العربي المتعب والمنصرف لاقتلاع أشواكه بصعوبة والذي تنزف قطرياته بالمزيد من الصراع قد لا تتحمل مطالب السقف الأعلى وهذا ما يتفهمه الرئيس عباس الذي لا يطلب من فاقد الشيء شيئا وانما يطلب مواقف سياسية واضحة حتى لا يعرب الآخرون من أعداء القضية الفلسطينية الجملة الفلسطينية الممثلة للحقوق الفلسطينية بطريقتهم مستغلين الحال العربي التي يجري دفعها لمزيد من المستنقعات.
نعم يستطيع النظام العربي أن يؤكد للرئيس ابو مازن الذي يشتبك سياسيا مع الاحتلال ومفردات الاحتلال التي أبرزها الدولة اليهودية ان يدعم الرئيس بالحد الأدنى لتبقى القضية الفلسطينية حية كحيوية الوطنية الفلسطينية التي ما زالت تمسك بحق اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
نعم هناك انهيارات عربية ومواقف متخاذلة عربية ومحاولات هروب من القضية للأمام ورغبة في عدم دفع كلفة التعامل معها ولو على المستوى السياسي.
وقد سمعت الرئيس عباس يثني على مواقف المملكة العربية السعودية الى ما قبل اسبوعين ويقر أنها قدمت وما زالت تقدم التزامها وانه لم يجر تبدل في موقفها الثابت بخصوص القضية الفلسطينية .. اقول كان ذلك قبل أسبوعين حين التقيته ولا اعرف الان ولا استطيع ان اجتهد م اذا حدثت اية متغيرات على ما قاله الرئيس عباس.
لقد استطاع الأردن في قمة البحر الميت الـ (28) أن يسقط مفهوم الحل الاقليمي الذي حملت ملفه وسعت به أمام تلك القمة دولة عربية وذلك بإسناد مواقف الرئيس محمود عباس الذي وقف بجرأة أمام الحل الاقليمي وكشف عن ابعاده ومخاطره واستطاع الاردن وفلسطين عشية قمة البحر الميت وأثنائها إسقاط مشروع الحل الاقليمي وتجنيد إطراف عربية لإسقاطه او تفهم موقف الرئيس عباس..
واليوم أمام قمة الظهران إن لم تقع مفاجآت في ربع الساعة الأخير هل يستطيع الرئيس عباس ومن يرى رؤيته من القادة العرب أن يسقطوا هذه الصفقة القبيحة المبرومة لصالح الاحتلال وهي تصفية القضية الفلسطينية بجعل القدس عاصمة لإسرائيل وتمكن إسرائيل من ضم الضفة الغربية وبالتالي تأييد الاحتلال وعدم اعتبار ما قامت به إسرائيل عام 1967 احتلالا كما يقول الصهيوني السفير الأميركي في إسرائيل وهو من الغلاة الذين يحرجون حتى الإسرائيليين!!
نعم تستطيع القمة العربية أن تفعل لأن الرئيس عباس يأتيها مسلحا بإرادة شعبه الصامد والمضحي والذي عبر عن مواقفه بممارسة المقاومة السلمية في غزة الان وفي الضفة الغربية وفي هذا السعي الموصول لدى دول العالم للاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية.. فالقمة العربية عليها الآن ان تشكل حاضنة للمواقف الفلسطيني ورافعة للمطالب الفلسطينية لنرى دول العالم التي تقرأ الموقف الفلسطيني والخطاب الفلسطيني ، وتعلن مواقفها الجديدة والمتزايدة والمتراكمة لصالح القضية الفلسطينية وعلى النظام العربي في القمة القادمة في الظهران أن يحسم أمر أن يكون أداة وان يتوقف عن الضغط على القيادة الفلسطينية وان لا يتدخل في القرار الوطني للشعب الفلسطيني لإحداث تغييرات سلبية عليه تخدم اسرائيل وإنما تمكن هذا القرار من الصمود وتزويده بمواقف سياسية عربية واضحة تعمل على دعمه وعلى انجاز المصالحة الفلسطينية التي تعطلها حماس ويعطلها التدخل الاقليمي والتوظيف الغربي والتصريحات ذات الرائحة الكريهة التي تصدر عن بعض قيادات حماس من تلك التي أدمنت اقتصاد الانفاق واعتقدت ان تلك الاشكال من الاقتصاد او المساعدات المشروطة يمكنها ان تبني دولة في غزة..
القمة العربية في الظهران الان أمام تحدي القضية الفلسطينية فهل تنجح في حفظ ما تبقى من وجه الماء العربي حتى يبقى لأطفال فلسطين أملا في أمتهم !!