حين ننظر إلى الوضع الفلسطيني العام بتفاصيله، يتبادر لنا الكثير من الأفكار بعضا منها يدفعنا نحو الإحباط، والكثير منها يقول لنا بان الدرب نحو إنهاء الاحتلال والتحرر طويل وبحاجة إلى إرادة وعمل وأمل.
الأثمان التي يدفعها الشعب الفلسطيني في سبيل حريته واستقلاله كبيرة ومتواصلة، وهذا يحتم على الجميع أن يكون على قدر المسؤولية وبحجم هذه التضحيات، وبخاصة أن المرحلة الحالية صعبة، بعد أن تأكدت ملامح صفقة القرن الهادفة إلى إنهاء القضية الفلسطينية وإقامة “الدولة اليهودية” على أرض فلسطين التاريخية.
المهمة الأولى الآن هي استعادة الوحدة وتعزيز صمود المواطن على الأرض لأن ذلك يشكل حجر الأساس في مواجهة المشروع الصهيوني، وهذا الأمر يحتاج إلى أدوات وإلى موارد وإلى إرادة، وكل ذلك موجود وبحاجة إلى إعادة استنهاض وتعزيز يبدأ من ترتيب البيت الداخلي سياسيا، وبالتوازي اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، على قاعدة المراجعة الشاملة وتصويب الأخطاء والاستفادة من النجاحات والبناء عليها.
حالة التشتت القائمة ليست وليدة اللحظة، وكلنا نتفق على ضرورة الخروج منها وبأسرع وقت آخذين بعين الاعتبار صعوبة ذلك، إلا أنه وفي سبيل إعادة الوحدة إلى الساحة الفلسطينية لا بد أن يقدم الجميع “تنازلات” في سبيل حماية المشروع الوطني من الضياع لأن استمرار الوضع الحالي سيقود غزة إلى الانفصال، أردنا ذلك أم لم نرد، وسيقود إلى ضياع ما تبقى من الضفة الغربية بسبب سياسات الضم والمصادرة التي تتبعها دولة الاحتلال وبخاصة في مدينة القدس.
الاتفاق على “خطة إنقاذ وطني” قد يشكل أساسا مهما في مواجهة ما هو قادم، وانعقاد المجلس الوطني في نيسان القادم يعتبر فرصة مهمة لِلَم الشمل ومراجعة المرحلة السابقة، والاتفاق على آليات ديمقراطية لعمل جَمعي يساهم في إعادة ثقة المواطن بالقائمين على المشروع الوطني.
إن الاقتصاد ركيزة أساسية في تثبيت المواطن فوق أرضه، ومسؤولية بناء اقتصاد يساعد في توفير العيش الكريم للمواطن وفي ذات الوقت يقلل من اعتماده على اقتصاد دولة الاحتلال هي مسؤولية مشتركة ما بين القطاع العام والخاص، حيث آن الأوان لوضع الأسس لاقتصاد يعتمد أساسا على ذاته، أساسه الانتاج وليس اقتصاد خدماتي أو استهلاكي.
نحن بحاجة إلى الترتيب لمؤتمر اقتصادي يشارك به رأس المال الفلسطيني من الوطن والداخل الفلسطيني والشتات للخروج بمبادرة اقتصادية عملية يتم تنفيذها على الأرض أساسها البدء في بناء منشآت اقتصادية منتجة في جميع القطاعات الحيوية وبخاصة المواد الاولية للبناء، والصناعات بكافة أشكالها، لأن هذه المبادرة من شأنها أن تضع قاعدة لاستقلال الاقتصاد الفلسطيني، وتشغيل الأيدي العاملة، وتوفير المواد الأساسية لعمليات الانتاج، وتقليل التكلفة، وغيرها من المزايا الاقتصادية، عدا عن أهميتها السياسية التي ستضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في حال أن قامت دولة الاحتلال بعرقلة أو منع إخراج هذه المبادرة حيز التنفيذ. وفي هذا المضمار لنا تجربة فريدة عندما عاده العشرات من رجال الاعمال في العام 1994 وما تلاه وأسسوا وساهموا في بناء الاقتصاد الفلسطيني في حينه، وهي تجربة يمكن مراجعتها والاستفادة منها والبناء عليها.
وبالتوازي نحن بحاجة إلى وضع خطة تنفيذية مدتها خمس الى سبع سنوات، على سبيل المثال،تتضمن تصور لعدد من العناوين منها مصادر إيرادات الموازنة العامة محليا، المساعدات الدولية المتوقع الحصول عليها وكيفية صرفها، مساهمات القطاع الخاص بما فيها البنوك في دعم الموازنة، النفقات الحكومية وكيفية ترشيدها، خطة تقشف تشمل الجميع.
إن هذا التصور سيساعدناعلى مواجهة الضغوطات الاقتصادية الهادفة إلى تمرير المشروع السياسي الذي ينتقص من الحق الفلسطيني، وفي ذات الوقت يعزز من صمود المواطنين ويخلق حاله من التضامن الشعبي، وإعادة تعزيز الثقة بالقائمين على المشروع الوطني، ويضع الجميع في خندق واحد من منطلق الاعتماد على الذات.كذلك فإن هذا التصور سيكون أساسه دعم الخط السياسي الهادف إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني بهدف تعزيز الموقف الفلسطيني في مواجهة الضغوطات الاقتصادية والسياسية.
تعزيز الاقتصاد وتعزيز الصمود /منيب رشيد المصري
18